دور الفلسطيني في نهضة لبنان: تاريخ مشوّه من الأضاليل والتسييس

التصنيفات : |
مارس 21, 2022 9:59 ص

*وسام عبد الله

 بعد أكثر من قرنٍ على قيام دولة لبنان الكبير، يمكننا رصد حضور العديد من الدول والشعوب العربية والأجنبية في حياة البلد، سياسياً وثقافياً وإقتصاديا، في مراحل الحرب والسلم، وكما في كل حدث كبير، ينقسم الموقف من الدور الذي تلعبه هذه الدول بحسب الخلفية السياسية والإجتماعية، فنشهد مثلاً كلاماً عن الدور الغربي وخاصة الفرنسي في لبنان من الناحية الثقافية عند فئة معينة، ويكونُ مستعمراً عند فئة ثانية، فكيف إن طُرح تساؤلٌ عن الدور الفلسطيني في لبنان؟.

رفض أم إنكار

لو توجّهنا إلى الناس بمجموعة من الأسئلة هدفها معرفة مدى معرفتهم بالدور الفلسطيني في نهضة لبنان، كم سيكون معدّل الإجابات الصحيحة؟، أو ربما الأصح، مدى قبول وتصديق أنّ للفسطيني حضوره في الحياة العامة اللبنانية بعيداً عن مشهدية الحرب الأهلية. لبنان مجتمعاً ودولةً منفتحةً على مختلف الثقافات العالمية، وجميعها معا، ساهم بجزءٍ كبير في بناء لبنان وتأسيسه، والفلسطيني ليس إستثناءً في هذا المجال.

إخفاء مساهمة الأيادي البيضاء للفلسطينيين في بناء شركات ومؤسسات رفدت الخزينة اللبنانية بالمال في مرحلة ما بعد النكبة، والتي ظهرت نتائجها، إلى جانب عوامل أخرى، في مرحلة الخمسينيات والستينيات التي يُطلق عليها مصطلح العصر الذهبي أو “سويسرا الشرق”، هو جزءٌ مكمّلٌ من عملية التقسيم المستمرة في رفض “الغريب” الفلسطيني وحصر دوره بالقتال والحرب والعسكر وإيواء المجرمين.. وكما يقول البعض “حرب الغير على أرض الخير”، بينما “الآخر” الأجنبي وغيره من الأشقّاء العرب قد ساهموا في نهضة البلاد. تصبّ هذه التصنيفات ضمن المواقف السياسية الحزبية وارتباط معظمها بالخارج.

يمكن تحديد إمتلاك الناس معلومات عن الدور الفلسطيني ضمن ثلاث فئات:

واحدة رافضة للحضور الفلسطيني المساهم في نهضة لبنان. هذه الفئة تعلم وتنكر، وتحديداً القيادات السياسية التي تسعى لتشويه الدور الإيجابي للفلسطيني والترويج للسلوكيات المنحرفة فقط، فالتجييش الطائفي والطبقي والثقافي لدى حزب يميني سيفقد جوهر وجوده القائم على إلغاء الآخر، حتى اللبناني، سواء اعترف أنّ يوسف بيدس هو مؤسّس بنك أنترا وكازينو لبنان، وأنّ  سامي كركبي ساهم في إعطاء مغارة جعيتا جمالها، وبأنّ مرفأ بيروت توسّع دوره بعد سقوط ميناء حيفا.. أم تناسى ذلك.

الفئة الثانية ترفض حتى السماع، والرفض هنا جزء من الخوف باهتزاز ما تأسست عليه  قناعاتها ومصالحها الشخصية، فحين نقابل المعلومات المناقضة لمواقف هذه الفئة بالسخرية وبناء جدار لمنع إكمال أي حوار، فهذا خير دليل على عدم امتلاك الغافلين عمداً الحجة والمعلومة، والتركيز على الحالة السياسية التي رافقت الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان بالأخطاء التي ارتُكبت حينها.

أما الفئة الثالثة، فهي التي لا تعلم وتُخفى عنها المعطيات، والنسبة الأكبر منها هي الجيل الجديد الذي لا يدري ولا يعنيه الماضي.

المعلومة موجودة ولكن!

قبل عشرات السنين، لم يكن لدينا سهولة الوصول إلى البيانات والمعلومات كما هو حالنا اليوم، فكانت إما عن طريق المؤسسات التعليمية والتربوية أو المحيط الإجتماعي والسياسي أو مراكز الأبحاث والدراسات المتخصصة، أي أنّ تدفق المعلومات كان يمرّ في طرقات معينة. وقد تخطّى الفضاء الإفتراضي وشبكة الإنترنت هذه الطرق، وتعددت وسائل البحث، فأين المشكلة إذاً في عدم المعرفة بالدور الفلسطيني؟.

قديما، كانت المصادر غير متوفرة للجميع اللّهم إلا من اجتهد في الاهتمام والإطلاع، لذلك جَهِلنا تاريخنا وبنينا مواقفنا وبرّرنا للآخر موقفه، أما اليوم، فإنّ سيل المعلومات كالطوفان، ومع ذلك، هناك مواقف بقيت على حالها.

لذلك، فلنبدأ بقبول الآخر ودوره، هنا البداية والأساس، كما مراكز الدراسات والأبحاث، وحتى المقالات والتقارير في الصحف ووسائل الإعلام ووسائط التواصل الحديثة، كلّها تتأثر وتؤثر في ثقافة الحوار، فهي نتيجة بديهية للوعي المجتمعي ويتمّ التعبير عنها من خلال التعليم، كما السعي لتوجيه الرأي العام وقيادته نحو تقبّل هذه الأفكار والتثقيف السياسي. في أي عملية تغيير، يجب العمل على النفوس قبل النصوص، هو هدرٌ للوقت، فالتمكين المجتمعي يتكامل بالإثنين معا. لأنّ التغيير الحقيقي يبدأ من آلية التفكير، أما النصوص فهي الحصانة القانونية للأمم وتاريخها.

نبحث في محرك البحث غوغل عن الحضور الفلسطيني في نهضة لبنان، سنجد مقالات ودراسات كثيرة، والخيار إما أن تبقى هذه النصوص حبيسة صفحاتها الحصرية، أو أن نساهم في نشرها وتعريفها بشكل أوسع للشباب، وخاصة الفئة الثالثة التي لا تعلم، فهي الجاهزة أكثر من غيرها لتلقي المعلومة وقبولها.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,