بعد الحرب الروسية على أوكرانيا: القضية الفلسطينية الى أين؟

التصنيفات : |
مارس 23, 2022 10:08 ص

*قاسم قصير

شكّلت الحرب الروسية على أوكرانيا، أو العملية العسكرية الروسية في أوكرنيا (حسب التوصيف الروسي) تطوراً خطيراً على صعيد النظام الدولي والعالم أجمع، وبالتالي، سيكون لهذه الحرب تداعيات مباشرة أو غير مباشرة على القضية الفلسطينية بغض النظر عن كيفية إنتهاء هذه الحرب وما ستُسفر عنه عسكرياً وسياسياً وإقتصاديا.

فما هي أبرز هذه التداعيات حتى الآن؟ مع ضرورة إنتظار نهايات هذه الحرب كي نُقدّم قراءات جديدة وشاملة.

خلال ندوة حوارية نظّمها مؤخرا مركز الزيتونة للدراسات والإستشارات حول هذه الحرب وتداعياتها على القضية الفلسطينية، عرضت عدة آراء مهمة ويمكن تلخيصها بما يلي:

 أولا، الإرتباك الذي أصاب سياسة الكيان الصهيوني في هذه الحرب؛ فـ”إسرائيل” تحاول أن تلعب دور الوساطة بين طرفي النزاع، وذلك لإعتبارات عدة، منها وجود نحو مليون يهودي إسرائيلي من أصول روسية، وكذلك وجود نحو 600 ألف يهودي يعيشون في كل من روسيا وأوكرانيا، بالإضافة إلى طبيعة العلاقة مع الجانب الروسي في ما يتعلق بالتفاهمات المرتبطة بالملف السوري. في المقابل، فإنّ الجانب الإسرائيلي رأى أنّ السلوك الأمريكي الحذر والمتردد في تقديم الدعم العسكري للحكومة الأوكرانية، ربما يُمثّل دافعاً مهماً لتشكيل منظومة أمنية إقليمية، تضم إلى جانب “إسرائيل” كل من الإمارات العربية المتحدة وغيرها.
ثانيا، محاولة الكيان الصهيوني إستغلال هذه الحرب، من خلال إستقطاب يهود أوكرانيا، الذين يُقدّر عددهم من 150 ألف إلى 200 ألف يهودي، وتشجيعهم على الهجرة إلى الكيان الإسرائيلي، والعمل على توطينهم من خلال إنشاء مستعمرات لهم في منطقة النقب وفي الضفة الغربية بما فيها القدس المحتلة. وستؤدي هجرة يهود أوكرانيا إلى “إسرائيل” إلى زيادة وتيرة الإستيطان؛ وهو ما قد ينتج عنه إرتفاع منسوب المواجهات مع الفلسطينيين.
ثالثا، إنّ التعاطي الغربي مع تداعيات الحرب والخطابات الغربية أعطى صورة واضحة ليس فقط عن إزدواجية المعايير، بل عن حقيقة من يقرّر المعايير ويصادرها؛ وهنا أصبح التعاطي مع مقاومة الاحتلال الروسي مختلفاً تماماً عن طريقة التعاطي مع مقاومة الاحتلال الإسرائيلي. وليس هناك حديث عن أزمة لاجئين بالنسبة للأوروبيين، في المقابل، هناك تجاهل لمسألة إرتفاع أسعار الغاز وتأييد للإستغناء عن الغاز الروسي، وهناك رغبة أوروبية بعدم فتح جبهات جديدة،  وتمّ رصد أكثر من 200 مقال نُشرت في صحف غربية، خلال فترة الحرب، تُشير إلى مسألة إزدواجية المعايير في التعاطي مع القضية الفلسطينية مقارنة بطريقة التعاطي مع الحرب في أوكرانيا وأزمات اخرى.

رابعا، إنّ الحرب في أوكرانيا أسهمت ولو مؤقتاً في تراجع الإهتمام بالقضية الفلسطينية، لكن من الممكن أن يكون صعود النفوذ الروسي في إطار إعادة التوازن للنظام الدولي، في حال خرجت قوية من نتائج هذه الحرب، عاملاً مساعداً يصبُّ في مصلحة القضية الفلسطينية، ويُشكّل فرصة من الممكن استغلالها.
خامسا، إستغلال الكيان الصهيوني للحرب في أوكرانيا، في التعاطي مع الملف السوري، فقد تمّ رصد قيام “إسرائيل” بشن 11 هجوماً عسكرياً في الأراضي السورية خلال الفترة الممتدة بين 24/2/2022 و 10/3/2022، مقابل ما معدّله أربع هجمات قياساً للمدة الزمنية نفسها في الفترات التي سبقت الحرب؛ أي أنّ وتيرة الهجمات قد ازدادت. وسيكون هناك تداعيات للحرب على الجانب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ خصوصاً مع ارتفاع أسعار النفط وأسعار السلع الغذائية، وتراجع الدعم المالي الأوروبي للسلطة الفلسطينية.

سادسا، حالة التراجع الإقتصادي التي تعاني منها السلطة الفلسطينية نتيجة تراجع الدعم الأوروبي لها، وهو ما انعكس في مشكلة دفع رواتب موظفي السلطة، وترافق ذلك مع حالة الغلاء في أراضي السلطة (شبه انهيار إقتصادي)، وعدم القدرة على رفع أسعار السلع التي ارتفعت عالمياً نتيجة الحرب؛ وهو ما يمكن أن يدفع السلطة نحو طلب المساعدة المالية من “إسرائيل”، كما حصل خلال أزمة كورونا، أو طلب المساعدة من دول الخليج العربي.

على ضوء هذه الملاحظات الهامة، فإنّ القضية الفلسطينية بعد الحرب في أوكرانيا ستواجه تحديات جديدة وهذا يسلتزم خططاً مستقبلية للعمل وتفكيراً جديداً في مواجهة التطورات الفلسطينية أو على الصعيد الدولي.
ومن هنا أهمية إبتكار مبادرات جديدة لاستنهاض وتحريك ملف القضية الفلسطينية، من خلال تحرّك نوعي، يؤدي إلى خلط الأوراق وإعادة الإعتبار للموضوع الفلسطيني، خصوصاً مع تشكّل حالة غليان في الشارع الفلسطيني، نتيجة الممارسات والإنتهاكات الإسرائيلية؛ ما دفع الجانب الإسرائيلي إلى تعزيز التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية.
ولا بدّ من تصعيد المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما سوف يُشكّل حالة ضغط على الجانب الإسرائيلي، كما أنّه سوف يغيّر رأي اليهود الأوكرانيين الذين قد يفكرون بالهجرة إلى “إسرائيل”.
كما أنّ المقاومة الفلسطينية يمكن أن تستلهم دروساً من الحرب الأوكرانية؛ وهو ما تمثّل في الدور الذي لعبته الطائرات المُسيّرة (بيرقدار التركية) في الحرب، مع تراجع قدرات الجيش النظامي الأوكراني، وفقدان السيطرة على مؤسسات الدولة.  ولا بدّ من إيجاد خطاب فلسطيني متطور يتناسب مع تطورات الأحداث في العالم، وتفعيل الضغوط القائمة على المقارنات، الحالة الفلسطينية مقابل الحالة الأوكرانية، واستثمار أكبر للإعلام. 

وبانتظار إتّضاح صورة مسار الأوضاع في أوكرانيا، فإنّه لا خيار للعرب والفلسطينيين سوى التوحد والتعاون لمواجهة تداعيات هذه الحرب كي لا تكون نتائجها على حساب القضية الفلسطينية والقضايا العربية.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , ,