عشر سنوات من البقاء على قيد الحياء

التصنيفات : |
مارس 26, 2022 7:45 ص

*بسّام جميل

تبدو جملة “عقد من الزمن” أشدّ على النفس من عنوان هذا المقال، حيث اعتدنا على أنّ مثل هذه المفردات تُستخدم للإختصار، لكن يعود تأثيرها النفسي مضاعفاً على المتلقي، من حيث مجريات الأحداث التي حصلت معنا وما خلّفت فينا من أثر لا يمكن تخطيه.

مرّ قرابة العقد من السنين على الحرب في سوريا والتي طالت مخيّم اليرموك، ولم نزل ننتشل أشلاءنا المعنوية من هنا وهناك، لنصبح أرقاماً مجددا، متى غادرنا أرقامنا أصلا؟، لكنّ هذه الجدولة الرقمية، شديدة الإختلاف عن ما كنّا نعايشه كلاجئين في سوريا قبل الحرب، حيث أنّنا ورغم حجم عمل مؤسسات الأونروا، لم نكن نعي دورها حقا، فكنّا مجرد أرقامٍ في سجلاتها، وأحياء في حياتنا المتواضعة الآمنة إلى حد كبير، فلا نكاد نتعامل مع هذا الكيان الأممي إلا في المدارس لبلوغ المرحلة الاعدادية أو الثانوية، دون أن نشعر بالفروق الهائلة بين هذه المؤسسات التعليمية وتلك الرسمية.

لنعترف أنّنا فشلنا أحياناً في محاولة الحياد، ثم أصبح من تورّط منّا، رقماً لا معنى له في المعادلة العسكرية كـ”الحرب السورية” فتبع ذلك إنكفاء المقاتلين، وزوال حلم العودة إلى خيمتنا الرمزية: “اليرموك”.

نمارس منذ شتاتنا في الألفية الجديدة، حياة خجولة، نطالب بأقل مما نستحق من حقوق، ونحاول أن نجعل من هذه التجربة المستمرة، درساً للإعتبار! أجل، فالعالم بأسره يُعيد تذكيرنا بما أوشكنا أن ننساه في رفاه استقرار وهمي عايشناه ودفع ضريبته أباؤنا وأجدادنا، منذ أن كُتب عليهم اللجوء، وخوْض المعركة تلو الأخرى، في حياوات مختلفة وفترات زمنية متصلة، حتى نسينا، أنّ ما نحن فيه، نتاج هذه المقاومة المعرفية والإنسانية، والعسكرية أيضا.

لم نكفّ عن خوض المعارك، وحاولنا جاهدين أن نبتعد عن المحاور الدامية التي لا تمتّ بصلة لقضيتنا، معارك الأنظمة العربية وخصومها من أبنائها، لكن لنعترف أنّنا فشلنا أحياناً في محاولة الحياد، ثم أصبح من تورّط منّا، رقماً لا معنى له في المعادلة العسكرية كـ”الحرب السورية” فتبع ذلك إنكفاء المقاتلين، وزوال حلم العودة إلى خيمتنا الرمزية: “اليرموك”.

نقف الآن على أعتاب حروب جديدة، نجد أنّنا ننساق إلى خوض معاركها الإلكترونية، لنصطفّ مع أطراف ضد أخرى، دون طائل حقيقي لذلك، أو لعل هذه الصراعات الفكرية تُثمر وعياً جديداً تماشياً مع حروب “الآن”، لكنّها لا تقلّ خطورة عن البندقية، فالأثر سيظهر لاحقاً على الأجيال الجديدة من شبابنا الذين يندفعون نحو معاركهم الشخصية وصراعاتهم مع الأنا والآخر وفي ساحات الحياة وتجاذباتها، التي لا تعنيها حكاية هذا الشعب ومظلوميته.

إنتصارات عديدة حقّقتها أجيال جديدة في سباق الأرقام والتأثير عبر وسائل التواصل الحديثة، في حرب مفتوحة من خلال العالم الإفتراضي وعلى أرض الواقع لتقديم خطاب متوازن يدعم حركة المقاطعة (BDS) والمستمر منذ سنوات، لتحمل هذه المعركة معاني مغايرة، بتكشّف السرديات المضادة أمام العالم في الحرب الروسية – الأوكرانية، التي تُعيد الجدوى إلى سياقها الطبيعي، لكنّها ليست كافية، طالما أنّنا نرى أنفسنا أرقاماً في ساحات مُبعثرة، ولا نجد آلية عمل توحّد جهودنا في كل معركة علينا خوضها.

نحن الأرقام المهزومة في شتاتها، يمكن لنا أن نصنع قوة هائلة، إذا ما توحّدت هذه الجهود لنفوز في كل تحدّي، ونصنع منه فرصة لقاءٍ يجمعنا ويُعلّمنا

ماذا لو تكاتف الفلسطينيون في كل جبهات القتال، إلكترونياً وفي الساحات، كأن يحدث ما يُسمّى حملات مناصرة موسمية، تتابع “التريند” ثم تغوص في اللامبالاة. فهل إنتهت أزماتنا بزوال “التريند”؟، أم أنّنا نقاتل فرادى، لنبقى على حافة الهزيمة، وهل يمكن فصل أي أزمة نعيشها عن أخرى، دون أن ينال منّا التاريخ الذي سيكتب مصير الأجيال القادمة؟

نحن الأرقام المهزومة في شتاتها، يمكن لنا أن نصنع قوة هائلة، إذا ما توحّدت هذه الجهود لنفوز في كل تحدّي، ونصنع منه فرصة لقاء يجمعنا ويُعلّمنا، ففي نهاية المطاف، أزماتنا ستُعيد إنتاج نفسها وتجد القوة لذلك، من ضعف هذه الجموع وعدم قدرتها على تبنّي رؤية جامعة تُحوّل أرقامها لقوى ضاربة، فهل آن الأوان لنسمع نداءات إنخراط لا إستغاثات خجولة؟!

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , ,