العَدَم

التصنيفات : |
مارس 29, 2022 11:00 ص

*بسّام جميل

دخلت الحرب الروسية – الأوكرانية شهرها الثاني وبدأت ذيولها الإقتصادية تتمدّد إلى بلادنا، فلسطين الداخل والشتات البائس. وباشرت معظم دول العالم بتخزين مؤنها وإيقاف صادراتها الإستراتيجية، إلا تلك البلاد التي تُشبهنا، حيث لا يجد مواطنوها مالاً ولا بضائعَ للتخزين.

سوريا مثلا، إنهارت واستحالت ساحة صراع محلية ودولية، ولبنان الذي  يحكمه أمراء الحرب منذ عقود، يتشاركون المصير العدمي، فلا مكان للهرب غير إفريقيا الغارقة في جوع أبنائها وشتاتهم، وحروبهم لأجل قوت أولادهم، لكنّها البلاد البعيدة عن الحروب النووية التي تلوح في الأفق.

الحِياد سياسة الضعفاء

نبحث في زواريب المخيّمات الفلسطينية عن إحتمال نجاة ممكنة، إذا ما كان لهذه المفردة أن تتجلّى هناك. في فضاءات منفصلة متصلة بين مخيّماتٍ في الشتات العربي، وأخرى داخل حدود القيد المزدوج بوجود السجّان الصهيوني ومعاونيه من أبناء جلدتنا، لا وجود للإحتمالات وما يمكن حدوثه حقا.

تتّبع الدول سياسة الحياد عندما تكون ضعيفة ولا تملك القدرة على إحتمال تبعات قرارها المناهض أو المنحاز، لكنّنا أمام أثر مباشر وغير مباشر لحرب كونية قادمة كإمتداد لهذه الجولة الروسية – الأوكرانية، و يبقى للمراقبين أن يحاولوا فهم العلاقة بين “إسرائيل” والدول المتصادمة، لنفهم الأثر المترتب على منطقتنا بالضرورة، ولا نتحدث عن واقع الإنحياز أو التكتيك المُتّبع لدول النفط العربي، بقدر ما نعني، بجغرافيا أضيق من ذلك.

إنّ العملية العسكرية الروسية تُكلّف مليارات الدولارات كخسائر في قطاعات مختلفة وعلى مستوى عالمي، لتبلغ معدلات التضخّم في الولايات المتحدة أرقاماً مرعبة ولا زالت الحرب في بدايتها، لكنّنا في مخيّمات الشتات لا نحتمل قياس هذا الأثر بأرقام فلكية، بل بأرواح ساكنيها، كأن يتأثر حجم المساعدات المُقدّم لدعم سبل العيش، وتنهار منظومة الأمان الهشّة، ليصبح الخبز كالوقود وغيره من المواد، أزمة لا يمكن تخطّيها بدفعات متقطعة من المساعدات، لتتخطّى بذلك ما يبدو أزمة مؤقتة، فلا أحد يمكنه تقدير المدة التي على العالم أن يعانيَ فيها من نقص الغذاء والموارد مع توقّف الإستيراد والتصدير من وإلى الدول المتورطة في أتون هذه الحرب.

الدعم المشروط

على مستوى السلطة الفلسطينية، إنّ الإستحقاق المنتظر للتصويت لصالح منح الدعم المالي -المشروط بتغيير المناهج الدراسية لصالح تغييب السردية الفلسطينية عن أحفاد جيل النكبة- دفع نحو تصالح متخاذل، وسحقٍ كامل لهذا النهج المتواضع كمحاولة لتحميل الأجيال القادمة مسؤولية التحرير أو الخيبات المتراكمة.

أما “غزّة” المحاصرة، فتستعد لإعادة إطلاق أدوات الضغط الشعبي من خلال المسيرات الأسبوعية والمواجهات بين الدم والسيف على حدودها، كأنّ هذا الفعل في لحظته يُعد الإستثمار الأمثل لاستعادة ألق الإنتفاضة الشعبية من جهة، وحقائب المال القطري وضمان تدفقها من جهة أخرى.

أما المخيّمات التي يرتهن أمانها المعيشي لوكالة الغوث (الأونروا) والصراع القائم على تمويل هذه الوكالة وضعف الموارد لديها، يجعل القادم في جملة هذا الواقع كارثيا، لكن، ماذا يعني أن تنجوَ “إسرائيل” من تبعات هذه الحرب، وكيف ننجو نحن بدورنا؟!

إقتصاد وهمي

منذ إتفاقية أوسلو، تمّ ربط الإقتصاد الفلسطيني بالإقتصاد الإسرائيلي المسيطر حكماً على كل شيء، حتى ما يمكن تسميته بالإقتصاد محدود الإنتاج، لم يكن ليسعفَ أياً من مستثمريه دون أدوات التحكّم الصهيونية التي تعيق ما تشاء وتسمح بما تشاء لضمان تبعية هذا الإقتصاد لها وجعله سوقاً خاصاً لكل صادراتها، فلا منافسة حقيقية ممكنة في ظل هذه التبعية. وإذا أخذنا بالإعتبار تأثّر السوق الإسرائيلية بالأزمة الحالية والضغوط الهائلة التي تفرضها ضريبة الحرب، كارتفاع أسعار النفط والغاز والحبوب… وإضطراب طرق الشحن البحري والجوي، إضافة للموقف المرتبك لحكومة الكيان من الحرب، والذي يُعدّ أكبر ضربة تتلقاها في الأونة الأخيرة، بين حلفائها الغربيين التقليديين والحليف الروسي المهادن في ملفات إستراتيجية لصالحها، نجد أنّ إمكانية إنقاذ الإقتصاد الإسرائيلي على أساس هذه المعطيات، ضعيفاً على المدى المتوسط، بعد هدوء العاصفة وإعادة تشكيل النظام العالمي.

إلا أنّ كل هذا العصف، بحسب راسمي السياسات الإسرائيلية، يفتح الباب لإنفتاح جديد على الشرق، لا على أساس السيطرة، بل “التكافل” ومدخله التطبيع الذي تمكّنت من تحقيقه مع عدة دول عربية وازنة في هذا العصف الذي سيُشكّل منظومة العمل الأممية الجديدة.

ترى “إسرائيل” أنّها قادرة على إعادة خطوط التماس والإنخراط في تحالفات جديدة، على أساس عناصر قوتها التكنولوجية والجيوسياسية، وهذا بدوره يُطمئن أتباعها الصغار، كالسلطة الفلسطينية، التي ترى أنّها قد حقّقت قفزة كبيرة رغم أزمتها المالية الحالية، مع معدلات نموٍّ متواضعة، في سوقها وناتجها المحلي الذي تجاوز 18 مليار دولار في الأونة الأخيرة، ولم يكن ليتحقق ذلك دون هذه التبعية الإقتصادية للاحتلال.

إذا، ستنجو السلطة الفلسطينية، طالما أنّ العدو يمدُّ لها طوق النجاة، فهل هذا كافٍ لنضمن نجاة المخيّمات؟!

لا يمكن رسم تصوّر حقيقي دون دراسة واقع الدول المضيفة للمخيّمات وما ستؤول إليه هذه الأزمة، التي على ما يبدو، سيستمر أثرها الإقتصادي لسنوات بعد انتهائها، وهذا رأي المتفائلين بنزع فتيلها قريبا.

حتى هذه اللحظة، لا تعمل أي جهة حكومية أو خاصة على مستوى فلسطين والشتات، على وضع خطة إنقاذ في ظل المعطيات الحالية، بل تكتفي بعض المؤسسات بدقّ ناقوس الخطر، دون تقديم رؤية لما يمكن العمل عليه بالحد الأدنى. رغم إتساع دائرة مخلّفات الحرب ومخرجاتها، لا نزال نحن الشريحة الأضعف التي عليها أن تنتظر جهد الأخرين في إنقاذ أنفسهم، لنحصد بعض الأنفاس الإغاثية الممكنة.

أقل ما يمكن أن نعمل عليه، هو أن نبدأ البحث والعمل على رسم سياسة طوارئ قابلة للتحقّق، لنساهم في ضمان أن لا نكون جزءاً من الضغوط على الدول المضيفة، ولكن.. على من تقرأ مزاميرك يا داوود؟!.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,