“كاسر الأمواج” يغرق في تيّار الذئاب المنفردة

التصنيفات : |
أبريل 4, 2022 8:57 ص

*بسّام جميل

لعل التاريخ الذي نحاول الإستدلال به لنربّيَ الأجيال الجديدة على الفكر المقاوم، أصبح عاجزاً أمام ما نراه اليوم من أفعال هذه الدماء الجديدة التي تكتب سطورها بفخر منقطع النظير.

نرقب بقلوب تكاد تخرج من موضعها لتتبّع هذا الإنصهار المزلزل القادم، ونعرف أنّ الثمن دماؤنا، لكنّنا لا نرتضي إلا رايات نصر تهيب بالوجود أن يعيَ هذا الحضور والثبات.

ما الذي تغيّر الآن؟

اليقين الصرف بأنّ قضية فلسطين، قضية الحقّ لم تعد حكراً على أحد، ولا يعني أبناؤها هذا الخذلان الجمعي من الإخوة الأعداء، بل ولا خياناتهم الصريحة ودفعهم بأعدائنا لصلبنا في كل الساحات الممكنة. أجيال جديدة، يشبهها البعض بالذئاب المنفردة، لأخذها المبادرة بكل ما يُتاح لها من أدوات، فلا تنتظر توجيهاً أو دعماً مسرفاً بالخنوع!

لم تكن العمليات الأخيرة إلا رسالة لما سيأتي في الأيام القريبة، ولعل إيمان البعض بتفسيرات آيات قرآنية تُبشّر بزوال الاحتلال ومن خلفه الدول الحاضنة، حافز لا يمكن التغاضي عنه، لكنّنا ولعقود خلت، كنّا ننظر إليها كدعوة للكسل والإتكال دون تراكم فعلنا المجدي لننال شرف انتصار نستحقّه، وها هي مفردة النصر تأتي على شكل مثابرة حميمة من شباب يرون أنّ أسئلة الأحياء جوابها “مقاومة” وتلك التي تريد أن تستدعيَ الإشتباك من خلف شاشات زرقاء، ستجد بعثها على الأرض في اندفاع هذه المقاومة الحية، ومتاريسها المعنوية الرافعة لوعي أبنائها، فتجلد العدو بالوعي، وتذيقه المنية بالرصاص والشجاعة النادرة.

هل وصلت رسالة شهيدنا عندما قرّر أن يُحيّدَ النساء والأطفال ويمنحهم عمراً مضافا؟! وهل سيرى البعض ذلك على أنّه خطأ في حين أنّ واجب هذه العمليات أن تدبّ الرعب في أوصال جمهور الاحتلال؟

دعوة سمعها المستوطنون من قادتهم، أن احملوا سلاحكم الفردي وقاتلوا، وليكن الشكّ كافياً لتزيدوا من حقدكم على أي عربي كان، فالخطر يحيط بكم كقشرة البيضة، ونعجز عن حماية الجميع.

هي دعوة تفتح الباب على الإبادة الجماعية، دون أن يفكر مرتين، مستوطن مسلّح، جندي يرتجل الخطاب الناري، أو حتى مراقب يبثّ سمومه في الإعلام والخطب الحماسية لأوغاد هذا العصر.

هل وصلت رسالة شهيدنا عندما قرّر أن يُحيّدَ النساء والأطفال ويمنحهم عمراً مضافا؟! وهل سيرى البعض ذلك على أنّه خطأ في حين أنّ واجب هذه العمليات أن تدبّ الرعب في أوصال جمهور الاحتلال؟

كلٌّ يقاتل بأخلاقه.. في المقام الأول، فالحرب ليست على أرضٍ هنا ونفوذٍ هناك فحسب، بل هي على القيم التي نحملها ونتحصّن بها لنبنيَ غداً أفضل لأبنائنا، ولنستعيدَ أرضنا كاملة، دون أن تسقط أخلاقنا كأضرارٍ جانبية. في هذا يمكن القول إنّ رفعة الشهادة التي يُقدم عليها أبناؤنا، هي السموّ الأخلاقي بأعلى تجليّاته ثم يأتي إنتصار الدم بالدم.

تغيّرت المعادلة لحظة صار موتهم محتوماً وأضحوا يتساقطون كالنعاج النافقة، بعد أن أصبح الفلسطيني ندّاً حتى وهو مُسجّى في حصار جثمانه، ليرى جمهور العدو أنّ الآتيَ أعظم، ليعيدَ حسابات هذا الحضور في الداخل المحتل، ويحاول الأغبياء منهم تدارك موقف الأرقام، فمقابل كل شهيد فلسطيني يسقط خمسة من المستوطنين وربما أكثر.

ليس أنّ المعركة التي تسعى غزة لأن تكون ندّاً فيها محسومة النتائج، بل لأنّها تُصعّد أنفاس شعبنا على إمتداد هذه الأرض وخارج حدودها لتكملَ دائرة النصر بشجاعة المنتظر دوره في الإشتباك، فيُرمّم هذا الفعل كلُّ انزياحٍ واهن، يلملم شتات الأجندات والأولويات، ليحرقَ مراحل تأخرت حقا.

ما نراه واقعاً في القادم من الأيام، هو إنتفاء الحاجة ليوم الأرض بمفهومه الإحتفالي المنبري في الساحات، سواء بالخطابة الصورية أو بالتقاليد الخاصة بالمناسبة، لأنّ الأرض تحتفي بظلال الشهادة فيها، في كل جغرافيا ممكنة وعلى برّ فلسطين وفي يمّها، فالفعل القادم هو البحر الذي لن ينالَ منه ما أسموه ” كاسر الأمواج” حتى لو تراكمت المسمّيات.. لن تكسر إرادتنا طالما الروح فداء.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , ,