أطفال فلسطين يحترفون الحياة!

التصنيفات : |
أبريل 5, 2022 9:11 ص

*وسام عبد الله

مبانٍ حجرية غير مكتملة الكساء، متلاصقة إلى حدّ التداخل، أسلاكٌ كهربائية متشابكة في الهواء، بحالة غير سليمة وتحت مياه الأمطار، تُعرّض السكان لخطر الموت، شبابٌ يبحث عن مِهنٍ مسموح لهم العمل بها، تضييق الخناق الدولي على حقّ اللاجئين بالحياة، مشهد يحاول فيه أطفال فلسطين إيجاد مساحة خاصة للعب والتعلّم.

لا ملاعب للصغار

حين تدخل إلى المخيّمات الفلسطينية في لبنان، تشاهد الأطفال يتنقّلون بين الحارات الضيقة، يخترعون ألعاباً تُناسب حالة المكان الصعبة وإمكانياتهم المادية المعدومة، ففي معظم المخيّمات لا مساحات كافية يلعب فيها أولاد اللاجئين بشكل عادل وطبيعي كباقي الأطفال ويصنعون منها ذاكرة ولو تشوّهت باللجوء، في هذه الجغرافيا الرثّة حيث لا مكان مناسب لبناء ملاعب واسعة، ولكن ماذا عن المحيط؟.

قد يكون الحديث عن إنشاء أماكن خاصة للإطفال خارج المخيّمات، يُعدّ بمثابة توسّع و”احتلال” فلسطيني للأراضي اللبنانية، نتيجة الحساسيات من الوجود الفلسطيني داخل بعض المناطق. لكنّ هذا الإهمال اتجاه اللاجئين، هو جزء من تقاعس الحكومة وبلديات معينة لتأمين مساحات خاصة للأطفال، حتى “حرش بيروت” الحديقة الخضراء الواسعة الوحيدة في العاصمة، كان سيتمّ تدميرها وإستثمارها عقاريا.  

بالقرب من مخيّم شاتيلا، وقبل الوصول إلى مستوصف الحريري من الجهة القادمة من مقبرة الشهداء، توجد منطقة مليئة بالخُردة التي يتمّ جمعها من النفايات والمطامر، لتُشكّل أسوء مكان للحياة بالنسبة للعاملين فيها والسكان، إضافة إلى أنّ النسبة الأكبر من العاملين هم من الشباب والأطفال. تلك الزاوية المهملة من بيروت، كان يمكن الإستثمار فيها بشكل أفضل، لبناء مراكز أو ملاعب لأطفال اللجوء، ولكنّ الإهمال ليس وليد الصدفة، فهؤلاء الشباب يصبحون رهينة “المعلّم” في العمل، الذي بدوره يكون تابعاً لجهة معينة، سياسية أو حزبية، وتبقى النتيجة معروفة في كيفية الإستفادة منهم واستخدامهم أوراق شغبٍ منثورة في شوارع النزاعات المحلية.

تُشير وكالة الأونروا في بيانها الصادر عام 2022 الجاري عن الإحتياجات المالية للاجئين الفلسطينيين، أنّه من بين 5.8 مليون لاجئ فلسطيني، يعيش الثلث في 58 مخيماً في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وهي تسعى لتأمين التصميم والبناء لتوفير مساكن مُحسّنة وتحسين المرافق، وتوضح بأنّها بحاجة إلى  1.6مليار دولار لتوفير كامل الخدمات الحيوية والمساعدات الإنسانية للاجئين الفلسطينيين في الشرق الاوسط.

المراكز مساحات آمنة

تخلق بين الأطفال والمسؤولين عن مراكز الأنشطة علاقة قوية، فهي ليست مبنية على العلاقة النمطية للأستاذ بالتلميذ، بل على أساس متبادل من الثقة، كون المراكز تفتح أبوابها بشكل مستمر خلال اليوم، مما يسمح للطفل بالدخول والخروج منها حتى لو لم يكن أثناء دوام الأنشطة. هذه العلاقة أساسها حاجة الأولاد إلى مكان آمن، من الكهرباء والمياه إلى الجدران الآمنة، بعيداً عن الرصاص العشوائي والطرقات المتعرجة. إضافة لما سبق، يحتاج الطفل إلى النشاط البدني ليفرغَ طاقته، وخاصة في حال كان يعاني من العنف الأسري ومن صعوبات الحياة في جو البيت المتهالك، فيجد لدى المشرف عليه، ملجأً للبوح، ليصبحَ مع الوقت ما يشبه “بيت سرّه” ويشاركه أحواله النفسية والعائلية.    

الحِرفة بدل العلم

لا رصيف للمشاة ولا شوارع عامة داخل المخيّمات، إنّما طريق واحد فقط، يُشكّل خطراً على الأطفال مع وجود السيارات والدرجات النارية، وهنا يتّجه الطفل للعب في مكان بعيد عن الشارع، ليواجه مشكلة أخطر وهي الأسلاك الكهربائية المكشوفة والتي لا تستوفي أدنى شروط السلامة العامة، مهدّدةً حياة المارّين في حال هطلت الأمطار على الأسلاك العارية كما رؤؤس الأطفال وأقدامهم.

وحين تضيق السبل، يتمّ إستغلال هؤلاء الطفال بما يتعارض مع حقوق الطفل. ومع إنتشار جائحة كورونا خلال السنتين الماضيتين، وتردّي الأوضاع الإقتصادية في لبنان، كل ذلك إنعكس مزيداً من الفقر على العائلات الفلسطينية، فحين يصبح ربّ الأسرة أو الأم دون معيل، تزداد الضغوطات المعيشية على العائلة، مما يدفع الأهل لإرسال أطفالهم إلى المهن الحِرفية مثل الحدادة والنجارة وغيرها. وهنا، يخلق التباعد بين الأطفال، ففي مشهد داخل مخيّم شاتيلا، طفل تحوّل وجهه -نتيجة عمله في الحدادة- إلى اللون الأسود بفعل المواد المستخدَمة في عمله، فينظر إلى مجموعة الأطفال الخارجين من مركز للأنشطة، بعيون تدرك جيداً ما سُرق منها من حياة.

لا خيارات متاحة أمام أطفال فلسطين في شتاتهم البائس، كما لا أفق واضح لمستقبلهم، وهو ما يخاف منه المشرفون على هذه المراكز. فالولد الذي يرى مستقبله واضحاً كضوء الشمس ويعلم مسبقاً عدم جدوى التعلّم وتحصيل الشهادات كونها لن تفيده في سوق العمل، حينها يتّخذ أهله قراراً بإخراجه من المدرسة وتوجيهه نحو تعلّم “الصنعة”، لتصبح كل احتمالات إستغلاله، من المخدرات إلى السلاح.. أكثر قابلية.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,