“قِمة النقب” ومغزى الخشوع أمام قبر بن غوريون

التصنيفات : |
أبريل 5, 2022 7:29 ص

*أحمد حسن

نظريا، يمكن إطلاق صفة التاريخي على “إجتماع النقب” سواء بسبب نوعية المشاركين به أو مكان إنعقاده أو ما انبثق عنه تحت إسم “منتدى النقب” الذي سيجتمع دوريا، كما قيل، لمواجهة تحديات دولية وإقليمية أخرى.

فعليا، يمكن القول إنّ صفة التاريخي هنا، وللأسباب السابقة جميعها وغيرها أيضا، تتخذ مظهراً سلبيا، بمعنى أنّ الإجتماع لم يكن إلا تعبيراً تاريخياً عن تجمّع الخائفين، والقاصرين، أمام واقع تشكّل بيئة إقليمية ودولية حاولوا جهدهم منع قيامها، ويريدون اليوم تطويعها، قدر الإمكان، لمصالحهم، وإلا فلا بأس من “المشاغبة” عليها والصراخ بأعلى صوت للفت الأنظار إلى مطالبهم ومصالحهم كلاعبين مؤثرين وقادرين على قلب الطاولة وما عليها. وفي ما كان تَسارع وتيرة عمليات “الذئاب المنفردة” في فلسطين، وموقع نشاطهم، ينزع عن “اجتماعهم” ورقة التوت الواقعية الأخيرة، لم تجد القوى العالمية الفاعلة، وكدأبها دائما، بأساً من تقديم بعض الطمأنينة الكلامية لهم، كما في استخدام “تكتّلهم” كورقة ضغط في مصالحها العابرة للقارات، وذلك تحديداً مغزى ومعنى حضور وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن بينهم، وتلك للحقيقة هي إحدى مفارقات و”ألعاب” التاريخ المعروفة.

إنّ هذه “المخاطر والمصالح” ليست إلا مخاطر ومصالح أنظمة عربية محددة، وليس الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، وبالتأكيد ليس الشعب الفلسطيني أولاً وآخراً

بيد أنّ ذلك لا يجب أن يجعلنا نغفل عن حقيقة أنّ بعض هؤلاء لديهم قدرة معينة على “المشاغبة”، ولو الإقليمية، وسيكون من عدم الحصافة التقليل من إنتقال “إندفاعة معسكر السلام العربي”، كما تباهى كاتب عربي، “باتّجاه نقل التفاهمات العامّة مع “إسرائيل” إلى واقع تحالفي تفصيلي يسعى إلى بناء هندسة استراتيجية إقليمية يتكامل فيها الأمن الأمني والأمن الغذائي وأمن الإقتصاد والطاقة”، فقد أصبحت هذه المجموعة -وسواها ممن غاب شخصه وحضرت شياطينه- تمتلك تعريفاً متماثلاً لـ”المخاطر والمصالح”، وهو تعريف مهما قيل فيه من آراء وأفكار وسُفح فيه من حبر، وماء وجه، مفكرين كبار، ودُبّجت فيه من مطالعات نظرية كبرى، لا يمكن له أن يخفيَ حقيقة بسيطة وواضحة مفادها أنّ هذه “المخاطر والمصالح” ليست إلا مخاطر ومصالح أنظمة عربية محددة، وليس الشعب العربي من المحيط إلى الخليج، وبالتأكيد ليس الشعب الفلسطيني أولاً وآخرا، وما قاله أحد المشاركين العرب عن “تغيير السردية” وتوجيهه الشكر لمصر الساداتية، وليس الناصرية، على “الريادة” في هذا الطريق، ليس إلا دليل ساطع على صحة ذلك.

فما ارتسم في النقب هو “الزمن الصهيوني” الماضي والفاجر ذاته، وذلك ما تشي به رمزية المكان، أي مستوطنة “سديه بوكر”، حيث عاش دافيد بن غوريون آخر أيام حياته بهدف تشجيع الإستيطان

بهذا المعنى يبدو أنّ حماسة بعضنا لهذه القمة بإعتبارها تأتي في سياق ترتسم فيه ملامح حيوية سياسية إقليمية تسابق الزمن، ليس إلا حماساً زائفاً وخائبا، في حال أخذناه بحسن نية، فما ارتسم في النقب هو “الزمن الصهيوني” الماضي والفاجر ذاته، وذلك ما تشي به رمزية المكان، أي مستوطنة “سديه بوكر”، حيث عاش دافيد بن غوريون آخر أيام حياته بهدف تشجيع الإستيطان، وذلك ما تؤكده أيضاً إدانة الحضور لعمليات المقاومة، في ما كان تأكيد العرب منهم على أنّ هذا الإجتماع “لا يعني أنّنا تخلينا عن الرؤية الصحيحة لتسوية القضية الفلسطينية تسوية عادلة تُتيح إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية”، دليل ثالث لأنّه، كما يعرف الجميع، كلام إعلامي مكرّر من الزمن “الإسرائيلي” ذاته.

قِمة التّيه العربي

وبهذا الإطار، يصبح حضور كل فريق على حدى مفهوماً في الإطار السياسي، فالكيان الصهيوني يعرف أنّ اجتماعاً كهذا، وبإستضافته وبموقعه الرمزي، يؤمّن له بعض النقاط في سعيه المستمر للتطويب كدولة طبيعية مقبولة في المنطقة، يجب التجاوز عن أخطائها الصغيرة بإعتبارها مدافعة عن قضايا عربية محقّة ضد أعداء العرب المختلفين، وبالتالي كـ”دولة” لا يمكن الإستغناء عنها “إذا ما جرت ترتيبات جديدة في الإقليم”، وذلك أيضا، وتحديداً في شقّه الثاني، حال الإمارات وتلك دلالة حركاتها المتسارعة منذ مشاركتها في العدوان على اليمن مروراً بـ”إتفاقات أبراهام” وصولاً إلى قمة النقب، وفي ما تبدو مشاركة المغرب، الذي لم تعنِ له، كنظام حكم، قضايا المشرق العربي الكثيرة تاريخيا، كمحاولة للإستفادة من الصورة الجامعة للحضور من أجل حشد الدعم الصهيوني العالمي لقضاياه المزمنة، سواء في الصحراء أو مع الجزائر أو غيرها، وتبدو مشاركة مصر، بدافع، ودفع، إقتصادي بحت- لكنّها، وللأسف، الخاسر الأكبر من وجهة نظر الأمن القومي الحقيقي- تبدو مشاركة البحرين، رغم أسبابها ودوافعها الداخلية للنظام، كممثل عن غائب /السعودية/ في الإجتماع.

إنّها، ككيانات محددة، وُلدت بالتزامن مع “وعد بلفور” للمساهمة في تنفيذه، وتلك قصة أخرى، وحدها مصر من ينطبق عليها صفة “التراجع” بعد أن أضاعت حقيقة أمنها القومي الذي تصل حدوده إلى جبال طوروس.

وهنا، قد يبدو للبعض أنّ الدول العربية المشاركة تراجعت عن التمسّك بالحقوق الفلسطينية وتاهت عن حقائق الأمن القومي العربي، لكنّ تدقيق صغير في مواقفها يؤكد أنّها لم تتراجع ولم تتُه فهي كانت كذلك دائما، بل إنّها، ككيانات محددة، وُلدت بالتزامن مع “وعد بلفور” للمساهمة في تنفيذه، وتلك قصة أخرى، وحدها مصر من ينطبق عليها صفة “التراجع” بعد أن أضاعت حقيقة أمنها القومي الذي تصل حدوده إلى جبال طوروس.

خلاصة القول، لا يملك “منتدى الخائفين” أي وزن حقيقي على المستوى الدولي، لكنّه، سيتحوّل إلى فاعل “مشاغب” ومعرقل لأي تقارب إقليمي حقيقي لصالح شعوب المنطقة الأصليين، والكيان خارجهم حكما، كما إلى فاعل “قاتل” لأي فكرة مقاومة شعبية فلسطينية أيضاً، وإذا كان نجاحه أو فشله في الحالة الأولى رهناً بمصالح وتحركات ورؤى الدول الإقليمية الأخرى، فإنّ نجاحه أو فشله في الثانية رهنٌ بإتساع الوعي الشعبي الفلسطيني لأهمية وأولوية المقاومة على ما عداها، وربما تكون “الذئاب المنفردة” باعثاً رئيساً في ذلك.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,