الإعلام الموحّد والسلطة المشرذمة

التصنيفات : |
أبريل 9, 2022 10:31 ص

*بسّام جميل

يُعتبر الإعلام  من القوى الناعمة التي تبني عليها الدول حضورها في السلم، لتنشرَ معارفها وتؤكد على تأثيرها القوي في الساحات المعنية بها،  فأصبح دورها دبلوماسياً متقدما، يسبق الدور الذي تتولاه وزارة الخارجية أحيانا، و تمهّد له على مستوى خلق الوعي وبناء الرأي العام داخل الدولة وخارج حدودها.

خلال سنوات الصراع مع العدو الصهيوني، مارس الإعلام دوراً ريادياً بتثقيف الجماهير وتبنّي رؤى لتستعيد دورها في إدارة الصراع، مما جعل لكل جهد طليعي مقدمة ثقافية ثورية، يستعين بها لتكون رافعة الوعي ودافعة الزخم لنيل الحقوق.

 تجربة الإعلام الموحّد

إتخذ قرار إنشاء الإعلام الفلسطيني الموحّد عقب خروج الفصائل الفلسطينية من الأردن باتجاه دمشق بعد أحداث أيلول الأسود، حيث كان هناك حراك تمحور حول فكرة توحيد أدوات عمل منظمة التحرير الفلسطينية العسكرية والمالية بما فيها الإعلام، واستقر الرأي على فكرة التوحيد في العام 1972.  قدّم المؤتمر الشعبي الأول الذي عُقد على هامش الدورة الإستثنائية العاشرة للمجلس الوطني في القاهرة بين 6-10 نيسان/أبريل عام 1972 وأصدر توصياته بتوحيد وسائل الإعلام الفلسطينية في جهاز واحد، على أن تقوم الفصائل بإلغاء وسائل إعلامها وأن تنتظم جميعها في جهاز واحد.

وبالفعل، أخذ المجلس الوطني بهذه التوصية، وفكّر بإتباعها بدائرة الثقافة والإعلام في منظمة التحرير، لكنّ حجم الوحدة التي كان عدد موظفيها لا يتجاوز الأربعة أشخاص لا يمكن له إستيعاب حجم العمل الجديد، وتقرّر إستحداث جهاز جديد للإشراف على هذا العمل تحت عنوان: الإعلام الموحد في منظمة التحرير الفلسطينية، وعُيّن عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ومسؤول الدائرة الإعلامية والثقافية فيها كمال ناصر، مسؤولاً له كما أصبح أيضاً الناطق الرسمي بإسم المنظمة.

أبدت الفصائل الفلسطينية إهتماماً بالتنفيذ وبدأت بإرسال مندوبيها إلى وسائل الإعلام، وكانت حركة فتح معنية كثيراً بإنجاح الجسم الجديد، ووضعت كل إمكانياتها تحت تصرف كمال ناصر.

بعد صدور القرار، التقى كمال ناصر مع مفوّض الإعلام في حركة فتح كمال عدوان لبحث التوحيد، وبالفعل تمّ توحيد جميع محطات الإذاعة التي كانت تبثّ من القاهرة والجزائر وبغداد، وبدأت تبثّ منذ 13/5/1972 بإسم “صوت فلسطين، صوت منظمة التحرير الفلسطينية”، وكذلك أصبحت كل مكاتب إعلام فتح في الشام وبغداد تابعة للإعلام الموحّد.

كما جرى وقف النشرات والصحف التي كانت تصدر عن الفصائل، وصارت تصدر مجلة “فلسطين الثورة” الأسبوعية، بإعتبارها المجلة المركزية لمنظمة التحرير، وكان كمال ناصر صاحب فكرة الإسم وشغل منصب رئيس تحرير فيها إضافة إلى مهامه، وصدر العدد الأول من “فلسطين الثورة” في الثامن والعشرين من شهر أيار/مايو من العام.

والتزم الجميع بوقف نشراته باستثناء تنظيم الصاعقة الذي كان يُصدر مجلته “الطلائع”،  التي إنسحبت بعد شهر من التوحيد، وبقيت الجبهة الشعبية تُصدر نشرتها ولكن بصورة متباعدة.

ظل الإعلام الموحّد مسؤولية كمال ناصر حتى تاريخ إستشهاده في نيسان/أبريل من العام 1973، وصار الإعلام بعد ذلك يُدار من قبل المسؤولين التنفيذيين حنا مقبل ونزيه أبو نضال لفترة زمنية، وبعد دراسة الموضوع تمّ تثبيت أحمد عبد الرحمن مسؤولاً لإذاعة درعا، زياد عبد الفتاح لوكالة “وفا”، الطيب عبد الرحيم مسؤولاً عن “صوت فلسطين” في القاهرة، وماجد أبو شرار مسؤول الإعلام الموحد واستمرّ في مهتمه حتى استشهاده في صيف العام 1981.

وبعد استشهاد أبو شرار وخروج منظمة التحرير من بيروت في العام 1982، تولّى مسؤولية الجهاز أحمد عبد الرحمن، وأصبح الناطق الرسمي بإسم منظمة التحرير الفلسطينية، وبسبب التشتت أصبح هناك نوع من اللامركزية في العمل، وصار كل مسؤول جهاز على إتصال مباشر بـ”أبو عمار”.

وسائل الإعلام الموحّدة

عمل “مجلس الإعلام الموحد” عبر سنوات، على بناء مؤسسات إعلامية جديدة برؤية معاصرة -ضمن الإمكانيات المتاحة- وأصبح مؤسسة إعلامية كبيرة ومؤثرة فلسطينياً وعربيا. ضمّ المجلس:

  • مجلة وجريدة “فلسطين – الثورة”.
  • إذاعة صوت الثورة الفلسطينية، جرى توحيد محطات صوت فلسطين في القاهرة ودرعا وبغداد والجزائر.
  • وكالة الأنباء الفلسطينية  “وفا” كناطقة بإسم منظمة التحرير.
  • جهاز الإعلام الخارجي، الذي كان يخاطب العالم بالإنجليزية والإسبانية والفرنسية والروسية والألمانية.
  • جهاز الإعلام الجماهيري ومؤسسة السينما الفلسطينية، ومركز التوثيق والمعلومات.

ومع قيام السلطة الوطنية إنتفت الحاجة للإعلام الموحّد. ليكون البديل متنوعاً ومتصادماً أحيانا، حيث أنّ بعض الفصائل عملت على إثبات حضورها الإعلامي بقوة من خلال إنشاء عدة قنوات تلفزيونية وصحف وإذاعات.

أما على مستوى السلطة، فكان القرار متجهاً نحو مأسسة المنظومة تحت مظلة الوزارات.

وزارة الإعلام الفلسطينية

تأسّست وزارة الإعلام الفلسطينية تحت إسم “وزارة الإعلام والثقافة” عام 1994 بعد تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وكان ياسر عبد ربّه أول وزير لها.

مسؤولة عن متابعة إجازة مزاولة العمل لمؤسسات الإنتاج والبثّ الإعلامي الوطنية والأجنبية، ومنح البطاقات الصحفية للإعلاميين الفلسطينيين والأجانب العاملين في نطاق الأراضي الفلسطينية، وتسهيل عمل أعضاء الوفود الصحفية، من مقيمين وزائرين من خلال ترتيب الجولات الميدانية إلى المناطق الساخنة من فلسطين، وتنسيق لقاءاتهم بالمسؤولين وصناع القرار الفلسطينيين، فضلاً عن إصدار النشرات الدورية وغير الدورية التعريفية بجوانب القضية الفلسطينية، وإنتاج الأفلام الوثائقية والتعبوية والملصقات في المناسبات الوطنية.

كما تهتم وزارة الثقافة بمتابعة الأنشطة والأبنية الثقافية والمثقفين في دولة فلسطين، ويقع مقرها المركزي في مدينة البيرة، وتنتشر مديرياتها في المحافظات كافة.

متلازمة التبعية والفساد

يوضح التعريف المقتضب الذي تعتمده رئاسة الوزراء، أنّ دور الوزارت هو المتابعة  ومنح التراخيص فقط. أي أنّها مؤسسات لا تضع التخطيط وصناعة الإستراتيجيات موضع أولوية، بل هي متابِعة لما يحدث ويدور في فلك المنتَج الثقافي والإعلامي ، على مستوى مؤسسات خاصة أو أفراد. وهذا يدل على حجم الكارثة، من حيث أنّ دور الوزارات هو دور ريادي لصناعة السياسة العامة للدولة، مما يعني الوضوح التام وتوظيف الكفاءات المتخصصة ببناء هذا النهج.

إلا أنّ القصور تعدّى هذه التبعية، ليتحوّل منصب الوزير إلى إقرار جهد في غير مكانه، جعل من الممكن تنصيب شخصية واحدة لعدة وزارات بسبب نظام  المكافأة المتَّبع منذ التأسيس، فتتوزع المناصب على هذا الأساس دون أي اعتبار إلا للولاء الحزبي والفصائلي، ومدى عداوة  صاحب المنصب للخصوم السياسيين على الساحة الفلسطينية.

وبمعزل عن الشخصيات، نتحدث عن منهجية عمل لمنظومة تحكم ملايين الفلسطينيين وتدّعي تمثليهم، لا يمكن أن لا نرى من خلال أساليب عملها وجه التشابه “مع الأخذ بعين الإعتبار الفوارق بالإمكانيات”، مع التنويه بأنّ معظم الأنظمة الدكتاتورية في العالم وعلى رأسها كوريا الشمالية، يتفرّد قائدها  بقرار المصير الجمعي!

ستبلغ السلطة الجديدة في رام الله عقدها الثاني وأهم إنجازاتها على مستوى الإعلام والثقافة،  تكريس أسماء معينة في إختصاصات مختلفة، ليُعاد إنتاجها  في مهام ومناصب مختلفة، ذات الطابع السياسي الواحد، فتفشل ، أو أنّها لم تفكر بإعادة إحياء مشروع الإعلام الموحّد وتوحيد الوزارات بين الضفة الغربية وقطاع غزة .

بالمحصّلة، يبقى توزيع الجوائز الأدبية على الأقرب لخط القائد السياسي، وكماً هائلاً من الصور التي تغطي منصّات التكريم  دون أي ثقل جماهيري. بعض الإصدارات السنوية الخجولة إذا ما جرت مقارنتها بأصغر دار نشر عربية، والزيارات المكوكية لطواقم الوزارات حول العالم دون أية نتائج ملموسة. أما الأهم، فهي الرؤية المتناقضة بإستمرار وجود آلاف الموظفين دون إنتاجية حقيقية، وهذا يتعارض مع كل قوانين مكافحة الفساد، ناهيك عن عدم  وجود سياسات تتبنّى الوحدة الوطنية كقاعدة إنطلاق.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , ,