عن “زيلينسكي” الأيقونة و”خان” والذين خانوه

التصنيفات : |
أبريل 20, 2022 7:16 ص

*أحمد حسن

ما يحقّ لواشنطن لا يحقّ لغيرها

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أصبح أيقونة عالمية للوطنية والصمود والحرية -أضف ما شئت من هذه التعابير- لأنّه قال: “لا لجارٍ طاغية”، روسيا، على ما تصفه وتقوله السردية الغربية المهيمنة.

رئيس وزراء باكستان عمران خان، أصبح رئيساً سابقاً -لا أيقونة كسابقه- رغم أنّه قال أيضا: لا، بل وأكثر منها فقد صرخ: “لسنا عبيدكم”، لكنّ أحداً لم يهتم بذلك، لأنّ الرجل وجّه جملته نحو الجهة الخاطئة: الغرب، وتحديداً عاصمة إمبراطوريته، واشنطن.

للرجلين، باعتبارهما سياسيين وشخصيتين عامتين، مزايا ومثالب، قدرات حقيقية وأخرى وهمية، ملفات بيضاء نظيفة وأخرى سوداء فاسدة، ولدى كل منهما تصوّر محدّد لمصالح بلده الوطنية، وبالتالي تحالفاتها وتوجهاتها، وو..، وهذا كلّه ليس مجال قولنا اليوم.

بيد أنّ المفارقة هي في تبعات القول، أي قول عنهما، على القائل، فـ”أيقنة” “زيلينسكي” من قِبل الإعلام المهيمن، وضعته في مرتبة المقدّس، بما يعني أنّ الموقف منه، والرأي في ما يفعله، أصبح فيصلاً بين كونك مثقفاً وناشطاً سياسياً حرّاً مناهضاً للإستبداد، أي مؤمنا، وبين كونك مثقفاً تابعاً لمستبدٍّ ما، أي كافرا، وبالتالي، علينا جميعا، كي تليق بنا صفة المثقف الثوري السابقة وصفة الناشط السياسي الحرّ الحالية، أن ندعم “زيلينسكي” ظالماً أو مظلوما، قولاً وفعلا، وأن نتفاعل مع كل كلمة يقولها باعتبارها “مانفيستو” للحرية، وأن نتداول فيديوهاته وهو يرتدي الزّي العسكري، وأن .. وأن.

في حالة “خان” يمكن لك أن تفعل ما شئت، وأن تأخذ الموقف الذي تريده فلن يسمع بك أحد، لماذا أيضاً؟، لأنّ وسائل الإعلام المهيمن ذاتها قررت تجاهله، أي حرمانه من بركات “الكنيسة” الإعلامية، وبالتالي، قضيته ليست “بيّاعة”

أما الموقف النقدي منه -والمفترض أنّه الموقف الطبيعي للمثقف- لقول ما له وما عليه، فهذا يعني فوراً أنّك مؤيد للإمبريالية الروسية، أو شخص مُضَلّل على الأقل، فالرجل، شئنا أم أبينا، أصبح خارج التصنيف وفوق النقد، لماذا؟، لأنّ وسائل الإعلام المهيمن قالت ذلك، وما عليك سوى أن ترضخ وتمشي مع القطيع أو تُطرد خارج الجنة.

في حالة “خان” يمكن لك أن تفعل ما شئت، وأن تأخذ الموقف الذي تريده فلن يسمع بك أحد، لماذا أيضاً؟، لأنّ وسائل الإعلام المهيمن ذاتها قررت تجاهله، أي حرمانه من بركات “الكنيسة” الإعلامية، وبالتالي، قضيته ليست “بيّاعة” في سوق الحرية والأحرار، بيد أنّ مقاربته نقديا، لقول ما له وما عليه أيضا، هي أمر خطر لأنّك حين تعدّد ما له ستجد أنّه -إذا طبّقت المعيار الغربي بموضوعية- يشبه “زيلينسكي” فهو أيضاً قال لا، لكنّه يختلف عنه بالجهة التي توجّه إليها، وإذا كان في هذا مقتله السياسي، فإنّه مقتلك أيضاً لو أصريت على إيضاحه، بكل موضوعية ممكنة، وأقل ما يمكن أن يحدث لك هو الطرد من جنة الأحرار الموعودة.

بالمحصلة، لا أحد يتحدث عن “خان” وباكستان، لا ناشطين سياسيين، لا منظمات دولية، لا وسائل إعلام حر، وبالطبع لا “ناتو”.

بَحثُ “خان” عن سياسة خارج إصطفافات المحاور عبر تقرُّبه من الجميع على حد قوله: “نحن أصدقاء لروسيا كما أنّنا أصدقاء لأمريكا، ونحن أصدقاء للصين وأوروبا ولسنا في أيّ معسكر”، كان مقتله.

قوة “زيلينيسكي” أنّه قال: “نحن أصدقاء الناتو فقط”.

أيضا، هناك تفصيل صغير في المفاضلة بينهما، “خان” لديه زلّة سياسية كبيرة، فالرجل لأسباب عدّة، قد تكون مبدئية أو مصلحية أو ذرائعية سمّها ما شئت، يؤيد فلسطين ويرفض “إتفاقات أبراهام”.

“زيلينسكي” بريء من هذه التهمة، بل إنّه أحد المزايدين الكبار في حب “إسرائيل”، وقد يكون ذلك أيضاً مبدئية أو مصلحية أو ذرائعية سمّها ما شئت، تاريخه وتصريحاته الحديثة تؤكد ذلك، إذاً هو تحديداً إبن المرحلة لا “خان”.

بالمحصلة، مرة جديدة، قضية “خان” لا تليق بنا، بل ليس هناك من قضية أبداً لأنّ الإعلام المهيمن لا يتناولها، ولأنّ الرجل يريد أن يواجه أمريكا، وأمريكا، في وعينا الجمعي، يحقّ لها ما لا يحقّ لغيرها، وبالتالي ما حدث له أمر طبيعي بامتياز.

في وقت مضى كان بعضنا يؤيّد الحقوق حتى في “نيكاراغوا”، وبعضنا يحارب في “كابول”، ونتجاهل، جميعاً ما يحدث في شوارعنا الداخلية، اليوم نحن نقاتل في كييف ونتجاهل حتى التضامن مع إسلام آباد، إختلفت الراية لكن الضياع هو ذاته.

بيد أنّ هناك تفصيل صغير آخر يخصّنا، كعرب ومسلمين، باكستان المشتبكة عضوياً مع واشنطن وبكين وموسكو وطهران وكابول، و”طالبان” أيضا، تؤثّر بمنطقتنا أكثر بكثير من أوكرانيا الطرفية بالنسبة لقضايانا ومشاكلنا.

بمعنى آخر قضيتنا في الأولى، ومعها، أكثر من الثانية، ولكن من قال إنّنا نعرف قضايا الحقيقية، ففي وقت مضى كان بعضنا يؤيّد الحقوق حتى في “نيكاراغوا”، وبعضنا يحارب في “كابول”، ونتجاهل، جميعاً ما يحدث في شوارعنا الداخلية، اليوم نحن نقاتل في كييف ونتجاهل حتى التضامن مع إسلام آباد، إختلفت الراية لكن الضياع هو ذاته.

يقول إبن خلدون في جملة كاشفة ومعبّرة: “إنّ المغلوب يقلّد الغالب في شعاره وزيّه ونحلته وسائر أحواله وعوائده”، نحن، العرب والمسلمون، نردد دائماً أن “لا غالب إلا الله”، لكنّها، على ما يُثبت واقع الحال، عبارة لا يبعد مداها، وصداها، أكثر من طول ألسنتنا، في ما تصرخ كل جارحة من جوارحنا، بعمق وخشوع نادرين، لا غالب إلا واشنطن وإعلامها الحرّ المهيمن، لذلك سلّمنا لها تماماً في حقّها بفعل كل شيء، ولكننا نثور بغضبة مضريّة إذا قلّدها أحد آخر، وهذا أمر طبيعي، يفعله المهزوم، ونحن مثاله، بدافع نفسي تعويضي ليوهم ذاته أنّها فاعلة وحرة وجزء من عالم الرجل “الأبيض” الكبير، وذلك، أيضا، جزء من “بريستيجه” كناشط مدني حديث.. ولواشنطن الأمر من قبل ومن بعد.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,