عن  شخصنة الأحداث ومأزق الفلسطيني بإنسانيته

التصنيفات : |
أبريل 21, 2022 7:52 ص

*بسّام جميل

ينقسم البشر على مختلف أجناسهم وقوميّاتهم في تقييمهم للأحداث وللأزمات التي تحلّ بالعالم، وينقسم الفلسطينيون حيال المستجدات المتسارعة على مختلف الأصعدة من سياسية وفنية وثفافية، كذلك، إلا أنّ الفلسطيني غالباً ما لديه المبررات لشخصنة الأحداث ومحاكمتها من زاوية الوضع الخاص الذي يعيشه كشعب ما زال يرزح تحت الاحتلال، ويعاني من غطرسته.

إنقسم الفلسطينيون كما بقية العالم بين مؤيّد ومعارض للعملية العسكرية التي تشنّها روسيا على أوكرانيا، فمنهم من وقف في صف الروس على أنّهم وبهذه الحرب يتصدّون لهيمنة القوى الرأسمالية على العالم، من الزاوية التي يرون فيها هزيمة أمريكا هي هزيمة شخصية للراعي الرسمي للاحتلال، ومنهم من وقف في صف أوكرانيا الدولة المنشقّة عن الإتحاد السوفياتي والتي تحاول الإنضمام لحلف الناتو للقفز عن الوصاية الضمنية المفروضة عليها من روسيا ولأجل أن تحقق كياناً لدولة لها كامل الحقّ بالإستقلالية والحرية، من الزاوية التي يرون فيها التشابه بين الحلم الأوكراني والحلم الفلسطيني بالإستقلال والسيادة والحرية.

كيف ننحاز ولمن؟!

بعيداً عن شخصنة الحدث، وسطحياً يتشابه الحلمان، الفلسطيني والأوكراني، دولة مستقلة حرة لها الحقّ بتقرير المصير دون وصاية من “دبّ روسي” ولا من قوة عظمى رأسمالية تهيمن على العالم، إلا أنّ صهيونية الحزب الحاكم أو الرئيس الاوكراني على وجه التحديد، وتصريحاته المستفزة حين تشبيهه لما يقع عليه من عدوان بما يواجهه كيان الاحتلال من الفلسطينيين، وهذا قلْبٌ كامل للحقيقة واستبدال خسيس للظالم بالمظلوم، يجعل الصف الفلسطيني الذي يقف مع أوكرانيا يعيد النظر في موقفه.

من الجهة الأخرى، من ينحازون إلى روسيا وما سمّتها بالضربة العسكرية، دون أن يتساءلوا كيف تكون الحرب إذا، يعرفون تمام المعرفة بأنّ الجانب الروسي على علاقة وطيدة مع العدو، وأنّ الحرب الشرسة هذه مع فارق التغطية الإعلامية لا تقلّ عن الضربات الشرسة التي تُوجَّه وبرعاية روسية إلى الأقطار العربية، التي ترزح تحت وطأة الدّك والتداعيات منذ سنوات، إذاً كيف ينحاز الفلسطيني لروسيا وما الذي سيضيفه إنحيازه إلى المعركة العالمية التي تدور ولن تنصف قضيته بشيء ناهيك عن تداعياتها التي ستنعكس عليه في الحالتين.

يجد الفلسطيني أنّ التعاطف العالمي مع الشعب الأوكراني للكارثة التي تحلّ به، أمراً غير مقبول، قياساً بالتفاعل العالمي حيال الحروب التي تُشنّ على قطاع غزة

إذا، إنحياز الفلسطيني لطرف ما دون آخر، هو سطحي لا منطق فيه ولا جدوى، فهو ليس بمكان ليحسم أمر انحيازه خالصاً نحو طرف دون آخر في هذا الصراع، كون القصة الكاملة وإن كانت بجزء منها تمنطق هذا الإنحياز فهي بمجملها لا تتفق والمزاج العام للشعب الفلسطيني، فهو بالوقت الذي يتعاطف فيه مثلاً مع قضية أوكرانيا كونها تشبه قضيته، يجد أنّ التعاطف العالمي مع الشعب الأوكراني للكارثة التي تحلّ به، أمراً غير مقبول، قياساً بالتفاعل العالمي حيال الحروب التي تُشنّ على قطاع غزة وإزدواجية المعايير التي يتعامل بها الغرب والعالم مع اللاجىء العربي والفلسطيني مقابل اللاجىء الأوروبي وهذا ما تمّ فضحه عن طريق الإعلام بفجاجة، إذاً كيف تنحاز للطرف المُعتدى عليه وتتغاضى عن كون السلطة الموجودة لم تتعاطف مع قضيتك ولا تتعاطف مع شعبك المنكوب، أو للطرف المعتدي ولا تأحذ بعين الإعتبار أنّ ممارساته الوحشية ضد المدن والمدنيين تشبه ممارسات العدو ضدك؟

الثقافة والحرب صُنوان

أن ينحاز الإنسان لإنسانيته، يعني أن يتعاطف دون شرط أو قيد أو مقارنة، وأن يتعامل مع الضحية كضحية دون الرجوع إلى سيرتها وتاريخها وملفها الوطني، وربما الفلسطيني هو الوحيد الذي لا يستطيع الرضوخ لإنسانيته في هذا المقام، كونه سوف يقع في فخاخ المحاذير والثغرات والمساءلة في حال حياده وتجرّده من ذاكرته والظلم الذي وقع وما زال يقع عليه، لكن ورغم ذلك كله أثبت بعض الفلسطينيين بأنّهم منحازون لإنسانيتهم فقط، ورفضوا الرضوخ للصمت وهو الموقف الأجدى لهم في هذه المعادلة.

بوجود مواقع التواصل الإجتماعي التي أصبحت الجهة المعتمدة لابداء الرأي والتفاعل والإختلاف والإنقسام، بات من السهل ملاحظة مدى الإنشقاق في النسيج الفلسطيني وحدّة الإختلاف في وجهات النظر، التي تنسف الود عن “بكرة أبيه”، فليست العملية العسكرية التي تدور رُحاها في أوروبا هي القضية الوحيدة التي يُثار حولها الغبار، بل الكثير من القضايا الثقافية والفنية والإجتماعية ومنها قضية الفيلم الفلسطيني “صالون هدى” الذي أجّج مشاعر الغضب لدى السواد الأعظم من الفلسطينيين، لمجرد مشهد وجدوا أنّه يخدش الحياء العام في ما الحياء الخاص من ممارسات يقوم بها بعض قادة هذا الشعب مستور عنها.

إحتدمت المعارك الكلامية بين الفلسطينين حول الحرب التي تقع في أوروبا والفيلم الفلسطيني الذي يتمّ عرضه في المهرجانات العالمية، على ذات الوتيرة وبذات السياق، بغياب حالة الحياد التي تمنح لتلك الأحكام موضوعيتها.

إنقسم الفلسطينيون هنا أيضاً وانجروا خلف غضبهم  لكسر الهالة المقدسة  حول المرأة الفلسطينية، التي لا يليق بصورتها (حسب ما يرونه) إلا الوقار والهيبة والمقاومة، في ما دافع البعض عن الفيلم وعن ذلك المشهد بحجة أنّه يخدم السياق الدرامي لفيلم إن تمّت محاكمته بصورة موضوعية لن يرقى للمستوى العالمي الذي يعملون على قولبته فيه.

إحتدمت المعارك الكلامية بين الفلسطينين حول الحرب التي تقع في أوروبا والفيلم الفلسطيني الذي يتمّ عرضه في المهرجانات العالمية، على ذات الوتيرة وبذات السياق، بغياب حالة الحياد التي تمنح لتلك الأحكام موضوعيتها.

نحن شعب في مأزق عميق ومستمر، ننجرّ خلف عواطفنا المرتبطة غالباً بقداسة القضية الفلسطينية والموروث الثقافي والديني والأخلاقي الذي لا نكلّ ولا نملّ من تصديره للعالم، في ما تتصارع في دواخلنا نزعة الإنسانية كوننا نؤمن بأنّنا نستحق أن نعامَل ونعامِل بها، ونزعة شخصنة الأحداث والمقارنة بيننا كشعب تتشارك كل القوى العظمى بدعم مواصلة احتلاله والتنكيل به، نشخصن الحرب والحب والفن كأنّنا طرفاً في كل شيء، بحيث يتوافق مع ذاكرتنا الجمعية وحلم العودة وتقرير المصير، إلا أنّ المنابر التي أصبحت متوفرة للتعبير وإبداء الرأي، كشفت عن الشرخ العميق في الجسد الفلسطيني وعن حالة الغضب الكامنة في صدر الفلسطيني، والتي تنفجر لأي سبب وتتحول إلى معارك كلامية، لا تُسمن هذا الجسد ولا تغنيه من جوع.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,