الإنتخابات النيابية اللبنانية ومصير اللاجئين: “عَوْدٌ على بَدْء”

التصنيفات : |
مايو 9, 2022 8:36 ص

*وسام عبد الله

خلال المناظرة الرئاسية للإنتخابات الفرنسية بين إيمانويل ماكرون ومارين لوبان، طُرحت عدة مواضيع تهمّ المجتمع الفرنسي ومن أبرزها قضية اللاجئين وكيفية التعامل معهم، فقدّم كل مرشح وجهة نظره، كون الإثنان يدركان تأثير المسألة في الحياة العامة الفرنسية، فهل يمكن أن ينسحب الأمر على لبنان أيضا، وتحديداً على البرامج الإنتخابية للمرشحين للإنتخابات النيابية المقبلة في الخامس عشر من هذا الشهر؟.

التشريعات نقطة إنطلاق

يعيش اللبنانيون أزمات إقتصادية وإجتماعية متراكمة، بحيث أصبح تأمين الخبز والكهرباء أولوية، وهو ما ينعكس بطبيعة الحال على البرامج الإنتخابية للمرشحين، التي بحد ذاتها لا تنطلق من تعريفات النظريات في علم السياسة، التي ترتكز بالمقام الأول على خطة تستند إلى الأرقام والوقائع لتبنيَ على أساسها طروحاتها وطريقة تنفيذها في حال وصولها إلى الحكم، ففي لبنان يبقى شدّ العصب الطائفي والخوف واستهداف الآخر هي معايير معظم البرامج، التي ترتفع وتيرتها خلال الأسابيع الأخيرة قبيل الإنتخابات، لتعود وتهدأ الخطابات النارية بعد صدور النتائج.

بدل تنظيم قوانين العمل بشكل إنساني يجري حرمان اللاجئين الفلسطينيين من أبسط حقوقهم، وتوجيههم لتحصيل أرزاقهم بطرق غير قانونية

لا ينعكس شكل المجلس النيابي والقوى الموجودة ضمنه، على حياة اللبنانيين فقط، بل يتعدّاه إلى مسألة اللاجئين وحقوقهم، فهو مصدر التشريعات في ما يتعلق بقانون العمل بشكل أساسي، مع القوانين الأخرى التي تحرمهم من ممارسة العديد من المهن، وبدل تنظيمها بشكل إنساني يجري حرمانهم من أبسط حقوق اللاجئ، وتوجيههم لتحصيل أرزاقهم بطرق غير قانونية. لذا، يهتم اللاجئون الفلسطينيون بالإنتخابات اللبنانية من ناحية التشريعات والحفاظ على حقّ العودة ومنع التوطين، وتحت حجة الأخيرة يُحرمون من الحقوق الإنسانية البديهية.

الهوية والنظام

تتمثّل طريقة تعاطي النائب اللبناني مع اللاجئ الفلسطيني كشكل مستتر من أشكال التعبير عن موقفه تجاه القضية ورؤيته لنظام الحكم، وهنا يكون إعطاء اللاجئ حقوقه الإنسانية إمتداداً لإعادة النظرة بهوية البلد. في نموذج تاريخي لكيفية العبور من إلغاء الآخر إلى الدخول في شراكة معه، تُعتبر كندا تجربة يمكن الإستفادة منها في مرحلة ما من تاريخها السياسي. فالبلد الذي يُشكّل طموحاً للكثير من العائلات متعددي الجنسيات، كونه حاضناً لمختلف الإثنيات، كان في ستينيات القرن الماضي، دولة عنصرية، تحت مُسمّى “كندا البيضاء” في طريقة تعاملها مع المهاجرين، والإسم يوضح بأنّ الأولوية لأصحاب البشرة البيضاء، والتطهير العرقي والثقافي لأصحاب الأرض الأصليين.

إنّ إعطاء اللاجئ حقوقه الإنسانية هو امتداد لإعادة النظرة بهوية البلد. في نموذج تاريخي لكيفية العبور من إلغاء الآخر إلى الدخول في شراكة معه

سنة 1968، مع وصول بيير ترودو إلى الحكم، وهو والد رئيس الوزراء الحالي جاستن ترودو، نهجت الحكومة الكندية سياسة مختلفة إنتقلت بها من مرحلة إلى آخرى، من التضييق على المهاجرين إلى الإنفتاح عليهم وإشراكهم في الدورة الإقتصادية. فكانت سياسة الهجرة تقوم على الترحيب بكل إنسان، وفوق أصول قانونية، وذلك لبناء هويات متعددة، شكّلت اليوم هوية كندا الجامعة، وليصبح هؤلاء المهاجرين جزءاً من دورة الحياة الإقتصادية في المقاطعات الكندية.

لماذا كندا هي النموذج؟

لأنّ العائلات اللبنانية التي هاجرت إليها بالآلاف، أي أنّهم في مرحلة معنية، كانوا لاجئين في بلد جديد، فماذا لو أنّ هذا البلد استمر في التعامل معهم على أساس سياسة الهجرة القديمة، ورفضهم أو حرمهم من العمل بكثير من المهن، هل ستبقى كندا طموح الشباب اللبناني، والجنسية الثانية “الضرورية” لكل عائلة لبنانية؟!.

إنّ اللاجئين وحقوقهم هم مرآة للنظام اللبناني، بسلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية.

البرامج والسلوك السياسي

ما قبل الإنتخابات وما بعدها، يكفي متابعة الخطاب السياسي، للقوى والأحزاب والمنظمات، في حال وصولهم إلى المجلس، لمعرفة كيفية تعاملهم مع اللاجئين، أي أنّ العملية الإنتخابية هي استمرار للنهج المتّبع وليست وليدة ردة الفعل المرتبط بالحملة الإنتخابية. من الأمثلة الواضحة على مصداقية الأحزاب بمعالجة ودعم اللاجئين، هو معايير التعامل مع موضوع التطرّف، فمع كل مشكلة تحدث يتمّ تسليط “بقعة الضوء” على المخيّمات فقط، واعتبار الفلسطينيين وحدهم مصدر المشاكل الأمنية. فالحل هو كيف تطرح هذه القوى والتيارات السياسية، ضمن برامجها الإنتخابية وسلوكها التشريعي، مسألة العدل والمساواة في الحقوق، هنا مكمن نزع فتيل التطرّف. فحين تؤسّس لبيئة حاضنة، من خلال التشريعات غير الإنسانية، أنت تعطي المبرّر وتهيّئ الظروف لنمو وانتشار المنظمات المتطرّفة، وهو أمر لا ينطبق فقط على المخيّمات الفلسطينية، وهنا أهمية مراقبة البرامج والسلوك، لأنّ الكثير من المناطق اللبنانية وخاصة الأطراف هي بعيدة عن السياسة التنموية للحكومات المتعاقبة وخارج دائرة خدماتها.

الإنتخابات هي جزء من الحياة السياسية والتغيير المنشود عبر القنوات الدستورية، ولكن العمل المجتمعي والثقافي ينطلق أيضاً من هذه العملية، فحين يصل إلى الندوة البرلمانية نواب على خلفية إنسانية وسياسية منفتحة، ستكون نتائج عملهم واضحة في اقتراحات القوانين، وكل هذا متربط ببنية النظام اللبناني القائمة على المحاصصة الطائفية والحزبية، أي أنّ اللاجئين وحقوقهم هم مرآة للنظام اللبناني، بسلطاته التشريعية والتنفيذية والقضائية.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , ,