الأمن الإسرائيلي يتهاوى.. إغتيال السنوار بين مؤيّد ومعارض

التصنيفات : |
مايو 11, 2022 10:21 ص

*خاص – صمود:

إعتادت المنظومة الأمنية الإسرائيلية تنفيذ الإغتيالات بحقّ القادة والمسؤولين في فصائل العمل الوطني الفلسطيني والمقاومة، أو أي قضية أمنية حساسة في الداخل الفلسطيني أو خارجه، بعيداً عن زجّ هذا الملف في خضم الصراع السياسي بين القوى والأحزاب الإسرائيلية الموجودين في الحكومة أو الطامحين للوصول إليها، حيث يكون الإعلان عن هذه الجرائم بعد تنفيذها، وتتولّى الحكومة ووزراؤها الترويج لها على أنّها بهدف الحفاظ على الأمن “القومي الإسرائيلي”، والأمثلة على ذلك أكثر من أن تُعدّ وتُحصى، وفي حالات كثيرة تبقى العمليات دون تبنٍّ رسميٍّ من قبل أجهزة الاحتلال لفترات طويلة، وكأنّها غير معنية بالإفصاح عما قامت به، والأمثلة كثيرة على ذلك.

في ظل ما تَقدّم، يبدو النقاش حول دعوات بعض قادة العدو من وزراء ونواب إلى اغتيال مسؤول حركة حماس في قطاع غزة، القائد يحيى السنوار، وما رافقه من جدال إعلامي وسياسي غير مسبوق حول تنفيذ هذه العملية، يؤشّر بأنّ الأمن الإسرائيلي بات لعبة بيد الساسة الإسرائيليين للحصول على مكاسب ما قد تقرّبهم أو تبعدهم عن صدارة المشهد السياسي الإسرائيلي، وهذا كان واضحاً في ما نقلته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن رئيس الحكومة نفتالي بينيت، الذي يسعى لضمان أكثر وقت في السلطة والذي يرفض الإنجرار إلى حرب مع المقاومة مؤيَّداً بدعم من الجيش والأجهزة الأمنية التي ترى أنّ الوقت غير مناسب لفتح هذه المعركة.

تريّثوا

وفي هذا السياق، جاء الخبر الرئيس في صحيفة يديعوت أحرونوت، في الثامن من الشهر الجاري تحت عنوان: “الجيش والشاباك لا يوصيان في هذه المرحلة بتصفية السنوار” بقلم يوسي يهوشع الذي كتب: “إنّ الجيش والشاباك لم يوصيا بجباية ثمن آخر من حماس – غزة، ووزير الدفاع بني غانتس، مثلما هو رئيس الوزراء نفتالي بينيت، يواصلان تأييد سياسة عزل الساحات مثلما جرى في الأشهر الأخيرة”، مبيّنا: “وفي إطار موجة الإرهاب أيضا، تحدّثت الساحة الإسرائيلية الأمنية والسياسية عامة بصوت واحد وبموجبه يجب الحفاظ على الهدوء.. فبينيت يعرف مثلاً بأنّ فتحَ جولة قتال من خلال تصفية السنوار، معناه إسقاط فوري للحكومة. بالمقابل، يعرف بينيت أيضاً بأنّ سِجل نهاية كهذا كفيل بأن يساوي بضعة مقاعد.”

الإغتيال ليس الحل

إذا، الخوف من سقوط الحكومة كبير جداً لدى قطبي التحالف المُشكِّل للحكومة، وهما يسعيان لكسب المزيد من الوقت لتثبيت حكومتهم، والقول بأنّ ما يقومان به هو في مصلحة الأمن الإسرائيلي ككل، لأنّ اغتيال السنوار لن يوقف العمليات ضد “شعب إسرائيل”، وهذا ما جاءت به صحيفة هآرتس في مقال لعاموس هرئيل تحت عنوان: “حتى الاغتيال الإسرائيلي للسنوار لن يضع حداً لموجة الإرهاب”، رأى فيه “عدم وجود أي ضمانة بأنّ إخراج السنوار من المعادلة سيوقف بصورة عجيبة جميع الإرهاب الحالي”.

ويضيف: “الإغتيال يعني جولة قتال مع غزة، التي لا تريدها “إسرائيل” في هذه الأثناء. إضافة إلى ذلك، وحتى الآن كانت لعمليات الإغتيال نتائج مختلطة في محاربة الإرهاب”. مبيناً أن عمليات الإغتيال التي قامت بها “إسرائيل” على مدى أعوام سابقة في بنية حماس التنظيمية “لم تدفع قدماً بأي إنجاز إسرائيلي مهم باستثناء إشباع شهوة الإنتقام لفترة قصيرة. بالتجربة، هذا الإشباع ينقضي على الفور بعد العملية المضادة الأولى”.

بل ذهب الكاتب أبعد من ذلك، موضحاً بأنّ السنوار كان أسيراً لعشرين عاماً في السجون الإسرائيلية، وأنّ من أطلق سراحه هو زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو، الذي كان حينها رئيساً للحكومة: “السنوار هو قاتل مجرم، قضى في السجن الإسرائيلي أكثر من عشرين سنة وقد أُطلق سراحه من السجن في صفقة جلعاد شليط، التي اتخذ القرار فيها بنيامين نتنياهو”.

تحت عنوان “كأنّ الإرهاب هو السنوار” طرح مقال للكاتب جدعون ليفي، في صحيفة هآرتس، فكرة أنّ اغتيال السنوار لن يحل المشكلة بالنسبة لـ”إسرائيل” وقد كان لها تجارب سابقة مع تصفية قيادات فلسطينية والنتيجة كانت ازدياد الأمور تعقيداً ومزيد من الإسرائيليين القتلى: “إنّ السنوار ليس أسوأ الأعداء. فمن سيأتي بعده سيكون أسوأ منه. والسنوار أيضاً لن يكون هو الـ”يحيى” الأول لحماس الذي تقوم “إسرائيل” بتصفيته عبثا. فاغتيال سلفه، يحيى عياش، لم يفد “إسرائيل” بأي شيء، بل تسبّب بعمليات إنتحارية قُتل فيها ستين إسرائيليا”، مضيفا: “تقليص مشكلة الإرهاب واقتصارها على شخصية الزعيم هو تهرّب جبان من مواجهة المشكلات الحقيقية”.

المعارضة لا تعارض

على الضفة الأخرى، ترى المعارضة بقيادة بنيامين نتنياهو أنّ الدعوة لاغتيال القائد السنوار فرصة لاتهام حكومة بينيت بالتقصير والشلل في التعامل مع ما تُسميه “إرهابا”، فـ”بيبي” الطامح للعودة إلى رئاسة الحكومة الإسرائيلية لا يوفّر فرصة إلا ويستغلّها من أجل إسقاط تحالف بينيت – لابيد، لذا، وفي ظل هذا الجدل القائم حول تصفية السنوار، تقدّمت المعارضة باقتراح لحجب الثقة عن الحكومة، ولكنّه سقط بعد تصويت القائمة المشتركة التي يقودها منصور عباس ضده، بذريعة عدم السماح لنتنياهو بالعودة إلى الحكومة، ولكنّ المعارضة لم تهدأ حيث حاولت من خلال الضغط الإعلامي تأليب الرأي العام ضد بينيت وحكومته، فجاء في صحيفة يديعوت أحرونوت، في مقال “إسرائيل ملزمة بتصفية السنوار” للكاتب شمعون شيفر بتاريخ السادس من الشهر الجاري: “لا يعقل أن يمليَ شخص واحد قواعد السلوك في المجال الذي نعيش فيه، وينثر الأكاذيب والتحريضات التي تشجع الفلسطينيين على الخروج إلى شوارع “إسرائيل” وقتل مواطنين أبرياء. ومحظور السماح بوضع تؤثر فيه تصريحات هذا “المخرّب” المجرم أيضاً على الرأي العام في الدول المجاورة، فتشجع سكانها على المشاركة في حرب دينية”. مضيفاً أنّ “الرسالة للسنوار يجب أن تكون قاطعة لا لبس فيها: يجب أن يصبح هدفاً أول لدى جهاز الأمن، وحان الوقت لتصفيته”.

“تلميذ نصرالله”

في ما ربطت صحيفة معاريف بين يحيى السنوار والسيد حسن نصرالله، الأمين العام لحزب الله. ففي مقال تحت عنوان: “تلميذ نصرالله”،  لجاكي خوري، حاول الكاتب التقليل من شأن التصريحات التي أطلقها السنوار، مبيناً أنّها تصريحات تنم عن اختناق وليس عن قوة، وأنّ حماس أو حزب الله لن يتمكّنا من الإنتصار على “إسرائيل”. صحيح أنّهم قد يربحوا جولة، ولكن في النهاية لن يستطيعوا أن يربحوا حرباً على “إسرائيل”، حيث قال: “السنوار، بمفاهيم معينة، هو تلميذ نصرالله. كلاهما يعرفان الواحد الآخر من بعيد، عبر الوسطاء. ومع اندلاع الحرب بوسعهم أن يزرعوا القتل في الجانب الإسرائيلي بل ربما أن يسجّلوا هنا وهناك إنجازاً عسكريا واحداً أو اثنين. لكنّ الذراع العسكري لحماس وشقيقه في لبنان ليس جيوشاً نظامية، والتفكير بأن يقاتلا ضد “إسرائيل” ويتمكنا منها ليس واقعيا”.

قاصصوا حماس

وطالبت صحيفة “إسرائيل” اليوم، المؤيّدة لنتنياهو، بالإقتصاص، في مقال بعنوان: “على قادة حماس أن يدفعوا الثمن”  بقلم يوآف ليمور حيث كتب: “فإذا كانت حماس بالفعل مسؤولة عن هذه العملية -إلعاد- وإن كان بشكل غير مباشر، فستكون “إسرائيل” مطالبة بأن تجبيَ منها الثمن. ويوجد أمامها طيف واسع جداً من الأعمال الممكنة، من ضرب البنى التحتية المدنية والإقتصادية لحماس في الضفة وحتى المسّ بقادتها في غزة، مضيفا: “وإن كان متوقعاً من الحكومة أن تتنفس عميقاً وأن تعدّ حتى الألف وأن تعمل من الرأس وليس من البطن، لكن عليها أن تتذكر أيضاً بأنّه يوجد جمهور يحتاج إلى الأمن، والردع يجب أن يبقى”.

أمام كل ما تقدّم، يمكن القول أنّ دخول علميات الإغتيال والتصفية، التي كانت لفترة طويلة تتغنّى بها سلطات الاحتلال الإسرائيلي وأجهزته الإستخباراتية، على أنّها الورقة الرابحة بيدها التي ترميها عند كل مأزق سياسي أو أمني، باتت اليوم تخضع للإبتزاز والمساومة والسجالات الإعلامية، والأهم، إنكشافها أمام الرأي العام، وخروجها من دائرة الإجماع والإتفاق، وهذا يؤكد أنّ عنصر الأمن الذي يحتمي خلفه كيان الاحتلال يتهاوى شيئاً فشيئاً، ولعل ما قاله رئيس أركان الاحتلال أفيف كوخافي بعد عملية يافا البطولية: “إنّ أمن مستوطني الكيان تضرّر، وإنّ هذا الحال سيستمر لفترة طويلة… سابقاً خشينا من الركوب في الحافلات، واليوم نخشى أن نسير في الشوارع، ومن المحتمل أن يطرق المنفّذون على أبواب بيوتنا” يؤكد ذلك.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , ,