عن الكذبة المستمرة باستمرار النكبة الفلسطينية

التصنيفات : |
مايو 14, 2022 11:02 ص

*وفيق هوّاري – صمود:

في الخامس عشر من شهر أيار/مايو من كل عام، يُحيي العرب عموماً والفلسطينيون خصوصاً ذكرى النكبة، أي ذكرى قيام الكيان الصهيوني على الأرض الفلسطينية التاريخية، منذ عام ١٩٤٨.

لكنّ النكبة الفلسطينية ما هي إلا محطة من محطات المشروع الصهيوني، الذي يبدو أنّه يستكمل خطواته التي بدأها في مؤتمر “بازل” في سويسرا عام ١٨٩٧، عندما تحوّلت الفكرة الصهيونية إلى حركة في المؤتمر المذكور، وصولاً إلى قيام الكيان.

في التصور الأول، كان هدف مشروع الكيان أن يصل إلى حدود متصرفية جبل لبنان، لكنّ الحركة الصهيونية أمكنها الحصول على قرار التقسيم ١٨١. وعند التنفيذ، استولت على أراضٍ أكثر مما أعطاها قرار التقسيم الأممي، ويومها ضمّت نحو ٢٣ قرية ومزرعة لبنانية.

هذا المشروع الصهيوني هو خيار غربي، ولم يكن ممكناً إقامة هذا الكيان بعيداً عن المصالح الغربية في المنطقة

وحتى وصلت الحركة الصهيونية إلى هذه المرحلة، مرّت بمحطة وعد بلفور الذي هو مشروع إنجليزي – أمريكي حُظي بموافقة فرنسية وإيطالية. ماذا يعني ذلك؟

يعني أنّ هذا المشروع الصهيوني هو خيار غربي، ولم يكن ممكناً إقامة هذا الكيان بعيداً عن المصالح الغربية في المنطقة.

عام ١٩٥٦، حاول الكيان الصهيوني الإستيلاء على مزيد من الأراضي العربية، لكنّ الوضع الدولي آنذاك أجبرها وحلفاءها على الإنسحاب.

وفي عام ١٩٦٧، التي يُطلق عليها العرب نكسة حزيران، كانت مزيداً من نكبة ألمّت بالمنطقة، وخسر الفلسطينيون كل أراضيهم التاريخية، إلى جانب الجولان وسيناء. ومضى المشروع الصهيوني في طريقه للإستيلاء على مزيدٍ من الأرض، ومحاولة إفراغها من السكان.

وفي حرب ١٩٧٣، لم يستطع العرب استرجاع الأرض، لكنّ عام ١٩٧٧ شهد نكبة جديدة عندما أُخرجت مصر من المعادلة، وتبعها الإجهاز على المقاومة الفلسطينية المسلحة في لبنان عام ١٩٨٢.

لم تلتزم “إسرائيل” ببنود الإتفاق وأكملت مشروعها الإستيطاني، أرادوا الضفة بكاملها، وتحويل الفلسطينيين إلى “هنود حمر” جدد في أرضهم التاريخية

في مدريد عام ١٩٩١، حدثت نكبة جديدة هناك تمثّلت باعتراف متبادل أخرج الأردن أيضاً من الصراع بدون الحصول على أرض فلسطينية تاريخية. وفي أوسلو عام ١٩٩٣، وُقّع إتفاق شكّل ما اعتبره الفلسطينيون، خطوة أولى لبناء سلطة وطنية مستقلة، لكنّ “إسرائيل” لم تلتزم ببنود الإتفاق وأكملت مشروعها الإستيطاني، أرادوا الضفة بكاملها، وتحويل الفلسطينيين إلى “هنود حمر” جدد في أرضهم التاريخية، مجموعة من المناطق المحاصرة والمسيطر عليها، تسكنها مجموعات بشرية يُدفع بها إلى الهجرة، بينما يستولون هم على الأراضي الفلسطينية.

في القمة العربية عام ٢٠٠٢، أطلقت المبادرة العربية ” الأرض مقابل السلام”، مبادرة صارت في خبر كان”، لأنّ الكيان الصهيوني اتّجه إلى التطبيع مع الكيانات العربية بدون أي تنازل عن أرض ما.

وفي لبنان، لا خروج من القرى اللبنانية المحتلة ولا انسحاب من مزارع شبعا، ومحاولة استيلاء على الغاز والنفط اللبناني بدون أي مقابل.

النكبة مستمرة، نعيشها يوميا، العدو لا يريد سلاماً ولا صلحا، بل يريد وطناً قومياً للصهاينة، وعليه، لا وجود لأصحاب الأرض الأصليين.

هذا الكلام السياسي العام تُثبته الوقائع التاريخية.

صباح الأربعاء ٢٦ تشرين الثاني/نوفمبر من العام ١٩٤٧، بدأت الجمعية العمومية مناقشاتها لمشروع قرار تقسيم فلسطين، المجموعة العربية كانت متفائلة بعدم حصول القرار على أغلبية الثلثين المطلوبة لإقراره، وأنّها قادرة على الحصول على أكثر من الثلث لتعطيل إقرار المشروع.

في ذلك اليوم، أعلن مندوب هايتي ومندوب الفلبين رفضهما الموافقة، بالإضافة إلى دعم اليونان وليبيريا وكولومبيا للموقف العربي.

لكن، في جلسة بعد الظهر أعلن رئيس الجمعية العمومية البرازيلي”أوزوالدو أرانها”، اقتراح تأجيل التصويت إلى يوم الجمعة ٢٨ تشرين الثاني/نوفمبر. رفض العرب هذا الإقتراح، لكنّ الرئيس أصر على اقتراحه بالتأجيل، الذي فاز بالتصويت وأُجّلت الجلسة.

بين الأربعاء والجمعة انهالت الضغوط الأمريكية وبدّلت هايتي والفلبين وليبيريا مواقفها، وأعلنت الموافقة على قرار التقسيم، وهذا ما دفع العرب إلى تقديم اقتراح بقيام دولة ديمقراطية واحدة تضمّ العرب واليهود، وأُجّلت الجلسة إلى السبت ٢٩ تشرين الثاني/نوفمبر ١٩٤٧ وجاءت نتيجة التصويت لصالح قرار التقسيم.

يشير أكثر من مصدر إلى حجم الضغوط الكبيرة، لتمرير هذا القرار، والذي تعرّضت له بلدان مثل: الهند، فرنسا والصين بالإضافة إلى ضغط الإتحاد السوفياتي على دول أوروبا الشرقية كل ذلك لتمرير قرار التقسيم، وكانت النتيجة: ٣٣ صوتاً لصالح التقسيم، ١٣ صوتاً ضده، وامتناع ١٠ دول عن التصويت.

جاء قرار التقسيم، الذي أسّس للنكبة، في سياق تاريخي للحركة الصهيونية التي عقدت مؤتمرها الأول بين ٢٩ و٣١ أب/أغسطس عام ١٨٩٧ في مدينة بازل السويسرية

كي لا ننسى

إنّ رواية القرار ١٨١ هي للقول: إنّ “إسرائيل” لم تنشأ نتيجة تطور طبيعي وتاريخي لمجتمع يهودي مقيم في فلسطين بشكل مستمر، بل حصل بوسائل القوة وتهجير السكان الأصليين واستبدالهم بسكان من مناطق ودول أخرى، وإنّها الدولة الوحيدة في العالم التي أُنشئت بقرار من الأمم المتحدة، في حين أنّ الدول تكون قائمة بحد ذاتها ويجري الإعتراف بها. وإنّ تأسيس هذا الكيان أتى بناءً لتوازنات دولية محكومة بتقاطع المصالح.

وجاء هذا القرار، الذي أسّس للنكبة، في سياق تاريخي للحركة الصهيونية التي عقدت مؤتمرها الأول بين ٢٩ و٣١ أب/أغسطس عام ١٨٩٧ في مدينة بازل السويسرية، ونصّ برنامج المؤتمر على العمل لإنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين. وإنّ هذا البرنامج كان موضوعاً قبل ٥٠ عاماً من قرار التقسيم، وقبل الهولوكست بفترة طويلة.

بعده كان وعد بلفور (٢ تشرين الثاني/نوفمبر ١٩١٧) والذي قال فيه: “إنّ حكومة جلالة الملك تنظر بعين العطف إلى إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين، وسوف تبذل ما في وسعها لتيسير تحقيق هذا الهدف، وليكن مفهوماً بجلاء أنّه لن يتمّ شيء من شأنه الإخلال بالحقوق المدنية للجماعات غير اليهودية المقيمة في فلسطين”.

إستخدم وعد بلفور تعبير الشعب اليهودي في حين لم يعطِ الفلسطينيين صفة الشعب، بل نظر إليهم كجماعات غير يهودية مقيمة في فلسطين.

وتضمّن صك الإنتداب البريطاني الصادر عن الأمم المتحدة بتاريخ ٢٤ تموز/يوليو ١٩٢٢ الإعتراف بوعد بلفور والعمل على إنشاء وطن قومي لليهود.

كيف كان الوضع في فلسطين عشية قرار التقسيم ١٨١ وحصول النكبة؟

كان عدد السكان يبلغ ١،٨٤٦،٠٠٠ نسمة، وكان الفلسطينيون منهم: ١،٢٠٣،٠٠٠ نسمة أي ٦٥%، وبلغ عدد اليهود: ٦٠٨،٠٠٠ أي ٣٣% و٣٥،٠٠٠ نسمة من فئات أخرى أي ٢%.

أعطى قرار التقسيم الفلسطينيين أقل من ٤٥% من مساحة فلسطين التاريخية، وأعطى ٥٥% ليهودٍ قدموا من دول العالم الأخرى.

على صعيد الأراضي، بلغ مجموع المساحة المملوكة من اليهود: ١،٨٢٠،٠٠٠ دونم أي ٧% من مساحة فلسطين، في حين أنّ قرار التقسيم منحهم ١٥ مليون دونم.

أعطى قرار التقسيم الفلسطينيين أقل من ٤٥% من مساحة فلسطين التاريخية، وأعطى ٥٥% ليهود قدموا من دول العالم الأخرى.

انتهى الإنتداب البريطاني يوم ١٥ أيار/مايو ١٩٤٨، واندلعت الحرب واحتلت المنظمات الصهيونية المسلحة المدعومة من الإنتداب البريطاني مساحات تجاوزت قرار التقسيم نفسه.

هذه الحرب التي عُرفت عربياً بـ”النكبة” ما زالت مستمرة في محطاتها الكثيرة، وبدون حدود للمشروع الصهيوني الطامح للسيطرة على المنطقة العربية، تحقيقاً للمصالح الغربية التي حاولت حلّ مشكلة اليهود في أوروبا على حساب البلدان العربية وخصوصا فلسطين.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,