تاريخٌ يتجدّد بوحشيّة.. شيرين ضحية “نظام الأبارتايد”

التصنيفات : |
مايو 19, 2022 7:54 ص

*منى العمري – صمود:

يكشف اغتيال الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، سجلاً واقعياً من القتل الممنهج الذي يستهدف به الاحتلال الإسرائيلي الصحافيين ومقرّات عملهم، في ما مرّت كل هذه الجرائم، حتى الآن، بدون محاسبة لجُناتها.

وفي وقتٍ سابق، أعلنت شبكة قنوات الجزيرة القطرية صباح الأربعاء 11-5-2022، عن استشهاد مراسلتها الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، برصاص الاحتلال الإسرائيلي، أثناء تغطيتها عملية إقتحام مخيّم جنين.

إستهدافٌ ممنهج للطواقم الصحفية

إنّ طاقم الجزيرة ليس وحده الذي سقط ضحية هذا الإستهداف، بل يمتلئ سجلّ الكيان المحتلّ باعتداءاتٍ سابقة على الصحافيين والعاملين في مجال الإعلام، راح ضحيّتها ما يزيد على 50 صحافياً ومراسلاً منذ العام 2000، بالإضافة إلى استهداف عددٍ من مقرّات وسائل الإعلام بغارات جوية خلال العدوان الأخير على قطاع غزة السنة الماضية.

وبحسب تقريرٍ أخير لمنظّمة “مراسلون بلا حدود”، تعرّض أكثر من 144 صحافياً فلسطينياً وأجنبيا، لاعتداءات جيش الاحتلال خلال تغطيتهم الأحداث في فلسطين المحتلّة خلال السنوات الـ4 الأخيرة، بما في ذلك إطلاق النار عليهم ورشقهم بالقنابل المسيّلة للدموع والقنابل الصوتية، والضرب بالعصي والسحل، مما خلَّف إصابات بليغة نتج عن أغلبها عاهات دائمة، كفقدان الأطراف والأعين، والتشوهات في الوجه.

وحتى الآن لم يُحاسب جيش الاحتلال الإسرائيلي على اعتداءاته ضد الصحافيين.

وفي ما سبق، أعلن كل من الإتحاد الدولي للصحافيين ونقابة الصحافيين الفلسطينيين والمركز الدولي للعدالة للفلسطينيين “ICIP”، تقديم شكوى إلى المحكمة الجنائية الدولية يتّهمون بها “إسرائيل” بارتكاب “جرائم حرب” بحقّ صحافيين في الأراضي الفلسطينية المحتلّة. (١)  

بلغت إنتهاكات الاحتلال خلال عام 2021 ما يزيد على 368 إنتهاكا، من بينها 155 إنتهاكاً مباشراً بين إصابات وقتل

شيرين لن تكون الأخيرة!

إستشهاد أبو عاقلة ليس الإنتهاك الوحيد من قِبل الاحتلال، فقد تواصلت إنتهاكات الكيان من اعتقالات وقتل وعرقلة في الأحداث الميدانية التي يغطيها الصحافيون على الأرض خلال الإجتياحات في الضفة الغربية والحروب على القطاع والإقتحامات في الأقصى والإنتفاضات السابقة، وحتى في الفعاليات السلمية الأسبوعية في المناطق المهددة. 

في حين، وثّق المركز الفلسطيني للحريات والتنمية “مدى” خلال عام 2021 ما يزيد على 368 إنتهاكا، من بينها 155 إنتهاكاً مباشراً بين إصابات وقتل، حيث استُشهد ثلاثة صحافيين خلال العدوان على القطاع وهم: محمد شاهين، عبد الحميد الكولك ويوسف محمد أبو حسين.

وأعلن مركز “مدى” أنّ: “إمعان قوات الاحتلال الإسرائيلي في إرتكاب مزيد من الجرائم والإعتداءات الجسيمة بحقّ الصحافيين الفلسطينيين ووسائل الإعلام الفلسطينية يؤكّد أنّ الهدف الأساس من وراء ذلك هو حجب جرائم الاحتلال اليومية بحقّ الشعب الفلسطيني عن الرأي العام العالمي”.(٢)

سلسلة الإغتيالات عمداً

كان الصحافي الفلسطيني ياسر مرتجى (31 عاما) -عمل صحفياً في وكالة “عين ميديا” في غزة- واحداً من ضحايا جرائم الاحتلال، حيث أصابته رصاصات العدو القاتلة وهو يقوم بعمله على حدود قطاع غزة عام 2018.

كما استُشهد الصحافي الفلسطيني عبد الله فضل مرتجى عام 2014، إثر قصف مدفعي من قِبل جيش الاحتلال أثناء تغطيته الإعلامية في حيّ الشجاعية شرق مدينة غزة في بداية العدوان الإسرائيلي على القطاع عام 2014.

“إسرائيل” تتعمّد إستهداف وسائل الإعلام التي تعتبرها جزءاً من المعركة التي تخوضها ضد الشعب الفلسطيني

وطالت جرائم الاحتلال كلاً من أحمد أبو حسين، معاذ العمارنة، نضال أشتيه، علي السمودي، يوسف أبو حسين وغيرهم كثيرين، من الذين كانوا أهدافاً لرصاص القنّاص الصهيوني، فمنهم من فقد حياته ومنهم من فقد عيناً أو ساقا، وآخر القائمة الشهيدة شيرين أبو عاقلة، دون أن تتمّ محاكمة أيّ من مرتكبي تلك الجرائم، التي غالباً ما يتمّ تصويرها بشكلٍ كامل.(٣) 

في حين، أكّد مدير مركز “مدى” للحريات الإعلامية، موسى الريماوي خلال مقابلة سابقة، أنّ: “”إسرائيل” تعمّدت خلال عدوانها المتكرر على قطاع غزة منذ عام 2008، إستهداف وسائل الإعلام التي تعتبرها جزءاً من المعركة التي تخوضها ضد الشعب الفلسطيني”.

وتابع: “إنّ اعتداءات الاحتلال الإسرائيلية عامل أساسي في تدهور الحريات المكفولة في المواثيق والقوانين الدولية، وخاصة المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان”.(٤)

تحريضٌ مستمرّ

قال عضو نقابة الصحافيين الفلسطينيين عمر نزّال، عقب اغتيال شيرين أبو عاقلة: “إنّ استهداف الصحافيين الفلسطينيين مستمرّ وهو مُغطّى من قِبل المستوى السياسي الإسرائيلي، وما يدلّ على ذلك تصريحات عضو “الكنيست” إيتمار بن غفير بأنّه يؤيّد إطلاق النار على كل صحافي يعيق عمل الجنود، وصحافيو الجزيرة يعيقون عملهم”، حسب قوله.

ماذا لو كنت “أنا” مكان شيرين أبو عاقلة؟!

وجاء استهداف شيرين أبو عاقلة وقتلها بهذه الوحشية، صدمة كبيرة للمجتمع الدولي والمحلّي، خاصةً لزملائها الذين عملوا معها على مدى سنوات في الميدان، وكلّ منهم يفكر أنّه كان من الممكن أن يكون مكانها.   

تحدّث الصحافي خالد بدير، الذي رافق شيرين أبو عاقلة في التغطية خلال الأيام الأربعة التي سبقت اغتيالها، عن الإعتداءات والعراقيل التي يضعها الاحتلال أمام الصحافيين، قائلا: “إنّ هذه الإعتداءات تزيد في مناطق المواجهات الأسبوعية، وفي جنين، حيث يستفرد الاحتلال بالصحافيين، ويضع أمامهم الحواجز العسكرية، ويمنعهم من التغطية، ويجبرهم على إخلاء أماكنهم، فضلاً عن إنتهاكات المستوطنين التي باتت تشكّل عبئاً إضافياً عليهم”، كما حدث معه هو نفسه ومع الشهيدة أبو عاقلة قبل أسبوع عند حاجز حوارة جنوب نابلس عندما اعترضهم مستوطن وقام بتكسير الكاميرا التي يعمل بدير بها”.(٥)

هل تُلاحَق “إسرائيل” على جرائمها ضد الصحافيين؟

خلال تشييع الصحافية شيرين أبو عاقلة أمام مقرّ مكتب فضائية “الجزيرة “في رام الله، علت الأصوات المطالبة بملاحقة “إسرائيل” ومحاكمتها لارتكابها جرائم ضد الصحافيين عبر المحاكم الدولية والجنايات الدولية، وهو المطلب الذي يتكرر بعد استشهاد كل صحافي فلسطيني.

هذا المطلب لم يقتصر على المشاركين في تشييعها، فقد تقاطعت هذه الدعوات مع أخرى لصحافيين وحقوقيين وسياسيين، فما الإمكانية القانونية لهذه المحاكمة؟

تقول المقرِّرة الخاصة حول فلسطين في الأمم المتحدة فرانشيسكا ألبانيز: “إنّها جريمة حرب وفق القانون الدولي، فالصحافيون يجب أن يكون لهم حماية مثل أيّ مواطن تحت الاحتلال أو في مناطق الصراع، إلى جانب الحصانة كصحافيين”.

وطالبت ألبانيز بـ”ملاحقة “إسرائيل” من خلال محكمة الجنايات الدولية وتقديم كافة الوثائق التي تُثبت أنّ ما تمّ هو عملية إعدام، إلى جانب الضغط على “إسرائيل” من قِبل الحكومات إقتصادياً وسياسيا”.

ووفق مدير مؤسسة الحق، شعوان جبارين، والذي تابعت مؤسسته تفاصيل ما جرى من خلال زيارة ميدانية للمكان ومعاينة زاوية إطلاق النار والسماع للشهود، قال: “إنّ الاحتلال من الصعب عليه إخفاء جريمته، والتي تُعد جريمة قتل متعمّد مكتملة الأركان”.

وتابع جبارين: “يمكن أن تؤدي ملاحقة هذه الجريمة قانونياً لمنعطف جدّي في مسار التحقيق بكلّ جرائم الحرب التي رفعتها فلسطين في العام 2021، وذلك بتضافر الجهود الإعلامية والحقوقية”.

من جهته، يقول حلمي الأعرج مدير مركز “حريات”: “يقع على الفلسطينيين دور مهم في توثيق وتقديم الملفات إلى المحاكم الدولية لمحاكمة “إسرائيل” على جرائمها ضد الصحفيين المدنيين على حد سواء”.

وتابع الأعرج: “سياسة إزدواجية المعايير الدولية، أن تقوم المحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق بجرائم الحرب، بينما عندما يتعلّق الأمر بـ”إسرائيل” يصمت الجميع”.(٥)

المصادر المتعلّقة:

  1. https://www.trtarabi.com/explainers/%D8%A2%D8%AE%D8%  
  2. https://www.aljazeera.net/news/humanrights/2022/5/11/47-  
  3. https://arabicpost.net/%d8%aa%d8%ad%d9%84%d9%8a%d9%84%  
  4. https://www.aljazeera.net/news/humanrights/2014/8/26/%D8%A5%D8%B3  
  5. https://www.aljazeera.net/news/humanrights/2022/5/12/%D8%A8%

وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , ,