لماذا يُخيفهم العَلَم الفلسطيني؟

التصنيفات : |
مايو 20, 2022 7:22 ص

*أحمد الطناني – غزة:

لم تُشكّل حادثة اغتيال الصحافية شيرين أبو عاقلة، التي نتج عنها استنكار شعبي وعربي ودولي، أي رادع للإجرام الصهيوني المتصاعد بحقّ الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، فبالرغم من توجّه كل عدسات الإعلام العربي والدولي إلى جنازة الشهيدة شيرين أبو عاقلة إلا أنّ جنود الاحتلال وشرطته لم تتوانَ للحظة عن مهاجمة بيت العزاء والمستشفى والجنازة، والإعتداء المباشر على نعشها الذي حماه حمَلَته بالصمود والمواجهة ولم يسقطوه رغم هول القمع بالهراوات والغاز المسيِّل للدموع والقنابل الصوتية.

ذات المشهد تكرّر في تشييع الشهيد المرابط وليد الشريف، الذي ارتقى متأثراً بجراحه الناتجة عن القمع الوحشي من شرطة الاحتلال للمرابطين في المسجد الأقصى، هذه القوات الهمجية التي قتلته هاجمت التشييع بالعشرات من مجنّديها لقمع المشاركين فيه، واقتحمت المقبرة وأوقعت عدداً كبيراً جداً من الإصابات في صفوف المشيّعين إلى جانب العشرات من الإعتقالات.

غالبية المعتقلين الفلسطينيين من سكان القدس، يعود السبب الرئيسي لاعتقالهم إلى تهمة رفع عَلم فلسطين

لم يكن هذا السلوك الإجرامي من شرطة الاحتلال غريباً أو حدثاً طارئاً على سلوكها الوحشي، فلا يطيق أي شرطي صهيوني أن يرى علم فلسطين مرفوعاً في أي محفل أو على أي مبنى أو حتى أن يكون جزءاً من ملابس يرتديها الشبان والأطفال، حيث تُجيِّش شرطة الاحتلال نفسها في ملاحقة عَلم فلسطين في كل بقعة من بِقاع القدس.

تنظر شرطة الاحتلال للعَلم الفلسطيني كرمز (يثير الإستفزازات ويخلق التوتر)، بحسب تعبير قادتها، التي تعرّضت لانتقادات كثيرة على سلوكها العدائي، وهي مستعدة لفضّ أي تجمّع واعتقال أي شابة أو شاب أو حتى طفل فلسطيني يرفع هذا العَلم، وتعتبره مهدِّداً لأمنها وأمن مستوطنيها.

من الناحية القانونية في الكيان، لا يوجد أي مسوغ قانوني تستند إليه الشرطة الصهيونية في ملاحقة عَلم فلسطين، غير أنّه سلوك راسخ في سياستها وحاضر في سلوكياتها، وقد تصاعد بشكل كبير في السنوات الأخيرة، حيث أنّ غالبية المعتقلين الفلسطينيين من سكان القدس، يعود السبب الرئيسي لاعتقالهم إلى تهمة رفع عَلم فلسطين، وبطبيعة الحال لا تخلوَ عمليات الإعتقال المذكورة من الإعتداءات الوحشية على المعتقلين.

لا ينفصل سلوك الشرطة الصهيونية في القدس المحتلة عن تصريحات قادة الاحتلال، حيث صرّح رئيس وزراء الكيان الصهيوني “نفتالي بينيت” مؤكداً على دعمه الكامل لجيشه وشرطته في مساعيها لاستهداف أي “فعل إرهابي” في القدس أو الضفة أو أي مكان آخر، حسب تعبيره.

هذا التصريح الذي أتى على أثر تصاعد القمع الصهيوني للفلسطينيين العُزّل في شوارع وساحات القدس المحتلة، وسبقتها المشاهد ذاتها في المسجد الأقصى خلال تأمين اقتحام قطعان المستوطنين، لا ينفصل عن كونه تعبيراً عن نهج صهيوني لدى قادة الاحتلال، إذ سبق وحرّض رئيس الوزراء السابق في كيان الاحتلال “بنيامين نتنياهو” في فترة حكمه على من يرفع العَلم الفلسطيني، وكتب على حسابه في حينها أنّ “رفع العَلم الفلسطيني في المظاهرة هو أفضل دليل على ضرورة تشريع قانون القومية(1)”.

لا ينفصل الموقف العدائي تجاه العَلم الفلسطيني عن سياق تاريخي يُعيد للأذهان مشاهد إنتفاضة الحجارة، التي كان رَفع العَلم الفلسطيني في كل زاوية وركن وعلى كل حجر وبيت ومنزل، جزءاً أساسياً من فعالياتها، حيث ارتقى الشهداء وسالت دماء الجرحى في سبيل رفع العَلم وتثبيته كمقوّم أساسي من هوية الشعب الفلسطيني ورمز من رموز صموده وتمسّكه بأرضه ووطنه على امتداد أماكن تواجده.

يرى قادة الاحتلال في محاربة رَفع العَلم الفلسطيني جزءاً من المعركة على الوعي

يُشكّل رَفع العَلم الفلسطيني استفزازاً كبيراً للصهاينة، وهو ما تؤكد عليه حالة الغضب الشديد التي انتشرت في أوساط عديدة في الكيان على أثر فعالية إحياء ذكرى النكبة، التي نظّمها طلاب فلسطينيون في جامعة “تل أبيب” ورُفعت فيها الأعلام الفلسطينية بكثافة في وسط العاصمة السياسية والإقتصادية للكيان الصهيوني، حيث عمّت حالة من الغضب في أوساط الرأي العام الصهيوني على أثر هذه الصور، وانطلقت موجات التحريض على منظّمي الفعالية مُطالبةً باعتقالهم ومحاكمتهم لرفعهم العَلم الفلسطيني.

يرى قادة الاحتلال في محاربة رَفع العَلم الفلسطيني جزءاً من المعركة على الوعي، التي بات الاحتلال يعي تماماً أنّه يخسر فيها وبشكل خاص في السنوات الأخيرة، التي شكّلت معركة “سيف القدس” لحظة فارقة فيها، غادر العديد من أبناء شعبنا على أثرها حالة الإنتظارية السلبية مُنطلقين نحو المزيد من الفعل الوطني، والصمود والمواجهة في وجه آلة القمع الصهيونية، وشكّل المقدسيون والفلسطينيون في الأراضي المحتلة عام 1948 رأس حربة في معركة التمسّك بفلسطينيّتهم وفلسطينيّة القرى والمدن المحتلة، وفلسطينيّة العاصمة الأبدية: القدس المحتلة.

يصمد حاملوه في وجه إجرام قوات الاحتلال كما صمد حاملو نعش الشهيدة شيرين أبو عاقلة الذي كساه عَلم فلسطين

وفي ذات السياق، ينتصر الفلسطيني في معركة الوعي، وينتصر الفلسطيني في معركة الصمود، فيرفرف عَلم فلسطين بعزيمة أبنائه في أرجاء فلسطين من نهرها إلى بحرها، ليزيّن العَلم الفلسطيني قبّة الصخرة والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة، ويُرفع في قلب جامعة “تل أبيب” وشوارع حيفا ويافا وأم الفحم، وفي قلب النقب المحتل، ويصمد حاملوه في وجه إجرام قوات الاحتلال كما صمد حاملو نعش الشهيدة شيرين أبو عاقلة الذي كساه عَلم فلسطين.

يحاول الاحتلال بإجرامه كيّ الوعي الوطني المتصاعد، فيعتقد واهماً أنّ تصاعد إجرامه وقمعه لأبناء الشعب الفلسطيني سيخلق له أمناً أو جيلاً يقبل الخنوع، فكان الرد من شوارع القدس التي وصفها الصحافيون الصهاينة، بالشوارع “الخارجة عن السيطرة” على أثر مشاهد المواجهة الواسعة ما بين مشيّعي الشهيد وليد الشريف وشرطة الاحتلال، التي هربت أمام السيول البشرية الهادرة التي رجمتهم بكل ما امتلكت أياديهم، حتى استخدموا “مشتاح الخشب” و”براميل الماء” في مشاهد انتشرت كالنار في الهشيم، وستبقى راسخةً في الوعي والوجدان الذي ينتصر فيه الفلسطيني مجدداً ويقترب خطوات أكثر من الإنتفاضة الشاملة في وجه آلة البطش الصهيونية.

(1) يعرّف قانون القومية “إسرائيل” على أنّها دولة قومية للشعب اليهودي، وبهذا تصبح اللغة العبرية هي اللغة الرسمية، كما يُشير القانون إلى أنّ الهجرة التي تؤدي إلى المواطنة المباشرة هي لليهود فقط.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,