فلسطينيو الداخل للاجئين: “بيوتكم وأغانيكم تنتظركم”

التصنيفات : |
مايو 22, 2022 12:35 م

*وسام عبد الله

“سنرجع يوماً إلى حيّنا” على ما تقوله الأغنية الشهيرة، وتتعدد طرق اللاجئين بالعودة إلى فلسطين، من الكفاح المسلح إلى العمل السياسي، ثمة نافذة مفتوحة، مهما خفت الأمل، يبقى يتسرّب منها، ألا وهي التواصل بين الداخل والخارج من خلال ربط الفلسطيني بجذوره، وكأنّ الطريق بين المخيّم وبيته في فلسطين أقرب من المتوقع.

طارق البكري.. كنّا وما زلنا

جسر تواصل بين اللاجئين وبلداتهم، هكذا تحوّل مشروع طارق البكري للتوثيق البصري في فلسطين، الذي يعرّفه على موقعه الرسمي “بأنّه مبادرة شخصية يركّز فيها على توثيق القرى المهجرة عام 1948 والبيوت والمعالم الفلسطينية، مرفقاً إياها بصورة قديمة قبل النكبة لإثبات حقّ الفلسطينيين بها”. طارق البكري، مهندس حاسوب من مواليد مدينة القدس عام 1986، تخرّج من جامعة عمّان الأهلية في الأردن، تبلورت لديه فكرة توثيق القرى الفلسطينية المهجرة، بعد احتكاكه باللاجئين الفلسطينيين.

لم تعد قصص طارق البكري حبيسة الصورة، إنّما تحوّلت إلى أحد الوسائل الأساسية لتفعيل حقّ العودة من الناحية الإجتماعية والإنسانية، التي لا يملك العدو القدرة على احتلالها. لتوضيح كيفية العمل بمشروعه، والذي أسماه “كنّا وما زلنا”، يمكن متابعة قصة أحد اللاجئين، المنشورة على موقعه، لرجل يُدعى ناصر الدقاق، تعرّف عليه في الكويت خلال محاضرة نظّمتها لجنة “كويتيون لأجل القدس”، فبعد إنهاء المحاضرة عرّف الفلسطيني عن نفسه لطارق البكري، ومع ربط إسم العائلة بعائلات فلسطينية وبالأماكن، أخبره ناصر عن بيت جده في حي القبعة الفوقا بالقدس والمبني سنة 1890، فطلب منه إرسال صورة المنزل له، وحين يزور القدس يمكنه البحث عنه، كون ناصر الدقاق فلسطيني يحمل الجنسية الأمريكية.

ناصر الفلسطيني: “هل حضرتكم سكان البيت؟”

العائلة الإسرائيلية: “اليوم هو أول يوم نسكن هذا البيت، إشترينا جزءاً منه، من حضرتكم؟”

ناصر الفلسطيني: “أنا صاحب البيت”.

زار ناصر وأولاده القدس، وكان قد أرسل الصورة إلى طارق في وقت سابق، وكان اللقاء بالقرب من باب العمود وتوجهوا إلى غرب المدينة، ليصلوا إلى سكة حديد القدس – يافا، وفي أثناء سيرهم بين البيوت القديمة، وصولوا إلى منزل آل دقاق، في شارع فرعي مظلّل بالشجر، مبنى ضخم من ثلاث طوابق، مع حديقة فيها شجر عمره أكثر من مئة سنة. يصف طارق السعادة على وجوه ناصر وولديه خالد وياسمين: “والله في بيوت بالقدس أحلى من أمريكا”، كلمات الولدين لأبيهم عند رؤية المنزل. لكن الزيارة لم تنتهِ هنا، يشير طارق إلى ظهور عائلة في طريقهم إلى مدخل البيت، حاملين أغراضهم ويلقون عليهم التحية بالعبرية، ليبادلهم ناصر السؤال: “هل حضرتكم سكان البيت؟”،

وليتلقّى الجواب: “اليوم هو أول يوم نسكن هذا البيت، إشترينا جزءاً منه، من حضرتكم؟”،

وكان ردّ ناصر: “أنا صاحب البيت”.

يصف طارق البكري لحظة الصمت التي سادت، وكيف أخرج الصورة من جيبه وهو يقول لهم: “شايف هالصورة القديمة؟ هون انولد واتربى والده وأهله وبنكبة فلسطين تهجروا من البيت”.

دلال أبو آمنة.. مشوار ستي

أتقنت المغنية الفلسطينية دلال أبو آمنة تطويع الموسيقى والتراث في صون الهوية الفلسطينية، فكانت جزءاً من تعريف اللاجئين الفلسطينيين والعرب وحتى الأجانب، على تراث بلدها، وبقيت متناغمة مع لباسها الفلسطيني التقليدي في حياكة خيوط التواصل والإتصال مع اللاجئ الفلسطيني أينما وُجد.

“إستنونا خلال دقائق، بمشوار جديد إستثنائي لإحدى المدن الفلسطينية التي تهجّر أهلها بالكامل خلال النكبة الفلسطينية، وهي مدينة طبريا”، كلمات نشرتها على صفحتها الشخصية، لدعوة الناس لمتابعتها ضمن برنامج “مشوار ستي” على تلفزيون العربي، وهو جزء من الزيارات التي تقوم بها للمدن والقرى، من خلال المشاركة بأداء أغاني شعبية وعبر الحوارات مع شخصيات وجمعيات فاعلة، للحديث عن العادات والتقاليد والطرق التي يحافظون بها على هويتهم.

كأنّ أهل البلاد يقولون لأهل المخيّمات: “لو كانت بيوتكم محتلة وأراضيكم مسلوبة فحقّكم محفوظ ونحن شهود على ذلك”

وكانت صفحة “إسرائيل بالعربية ” قد وضعت منشوراً جاء فيه: “المطربة العربية –  الإسرائيلية، دلال أبو آمنة، ستحيي غداً الخميس حفلاً في دار الأوبرا المصرية… فنانة موهوبة وشهيرة في إسرائيل”، ليأتيَ الرد من المغنية الفلسطينية سريعا: “جئنا إلى القاهرة، فلسطينيون صامدون على أرضنا، نحمل الهم الفلسطيني ونرفع الصوت الفلسطيني عاليا..هذه هويتنا، وهذه قضيتنا، التي لن نتخلى عنها”.

كما عبّرت أبو آمنة عن رفضها التطبيع من خلال الإعتذار عن مشاركتها لحفل في الإمارات، وأوضحت: “ردّاً على أهلنا في الإمارات ورسائلهم اليومية التي تصلنا حول إقامة عروض فنية، نحن نمتنع عن قبول عروض فنية حية، نلقاكم من خلالها، رغم التوجهات الكثيرة، والدعوات التي نتلقّاها من قبل عدة جهات رسمية، منذ العامين الماضيين وحتى يومنا هذا، لهوَ من باب المسؤولية الوطنية، وتحديدا، رفضنا المشاركة في معرض “إكسبو دبي 2020” وكان رفضها قد تزامن مع زيارة رئيس الاحتلال إسحق هرتسوغ إلى إمارة أبو ظبي.

إنّ ما يجعل من حقّ العودة أمراً غير قابل للتفاوض وخارج معادلات التسوية السياسية، هو عامل الجذب من الداخل الذي لم يتراجع يوما، بل تتصاعد وتيرة المقاومة لأجله وتتنوع أدواتها، كأنّ أهل البلاد يقولون لأهل المخيّمات: “لو كانت بيوتكم محتلة وأراضيكم مسلوبة فحقّكم محفوظ ونحن شهود على ذلك”.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,