الحروب لـ”صمود”: معسكر المقاومة في الضفة هو المسيطر والمحرك وتعبير “الذئاب المنفردة” خاطئ

التصنيفات : |
مايو 30, 2022 7:55 ص

*خاص – صمود:

تشهد فلسطين المحتلة بمختلف ساحاتها في القدس والضفة وغزة وأراضي الـ48 وفي السجون حراكاً كبيراً وعمليات فدائية نوعية واستنفاراً كاملاً لفصائل المقاومة وإعلان جهوزيتها في ضوء الممارسات الإسرائيلية القمعية والإجرامية بحقّ الفلسطينيين، هذه الحالة أدّت إلى حالة من التشتت لدى قادة العدو الإسرائيلي ولا سيما في التعامل مع العمليات الفدائية وتهديدات المقاومة بالجهوزية للرد على حماقة يمكن أن ترتكبها سواء في غزة أو ساحة أخرى.

ولتسليط الضوء على الواقع الفلسطيني في الداخل ولا سيما في الضفة الغربية أجرى مراسل موقع صمود لقاءات مع طيف من القيادات الفلسطينية للحديث عن ما يجري وكيفية الإستفادة منه للوصول إلى حالة وطنية جامعة يكون هدفها توحيد القوى والفصائل في مواجهة العدو الإسرائيلي.. ونختم مع القيادي في حركة الجهاد الإسلامي في جنين أسامة الحروب في الحوار التالي:

معسكر المقاومة هو المسيطر

*”صمود”: كيف تُقيّم الأحداث في الأراضي الفلسطينية من حيث وتيرة التصاعد؟

**الحروب: “لا شك أنّ الأوضاع في الضفة الغربية والقدس وفي أراضي الـ48 متوترة وتغلي، ولكن لنركز على الضفة الغربية بصفتها محور العمل والحركة والتصعيد في هذه المرحلة حتى لو حدث تصعيد في غزة فإنّ الكثير من الأطراف الدولية تتحرك لخفض التصعيد في القطاع دون أن نغفل أنّ الاحتلال والسلطة، الموجودة هناك بقيادة حماس، لا يرغبان في التصعيد وانفلات الأمور.

وبالتالي، فإنّ الساحة التي يرغب بها الكل بالتصعيد سواء الاحتلال وهي مفروضة عليه أو حركة حماس أو باقي فصائل العمل الوطني باستثناء سلطة أوسلو، هي الضفة الغربية.. ما يهمّنا نحن هو معسكر المقاومة في الضفة الذي هو المسيطر اليوم، والمحرك والناشط الفاعل في ساحة الضفة الغربية”.

لا إنتفاضة شعبية حالياً

*”صمود”: هل ترى بأنّ موجة التصاعد قريبة من تحوّلها لانتفاضة شعبية؟

**الحروب: “لا أعتقد، حسب تصوري، أنّ الأمور ستصل إلى مرحلة الإنتفاضة الشعبية لعدة أسباب:  

السبب الأول، وجود السلطة وإجراءاتها التي تحدّ من الإندفاعة الشعبية العارمة في الضفة الغربية.

“إنّ حركة فتح هي رديف للسلطة وإجراءاتها، حيث تستطيع السلطة عبرها ومن خلالها وبما تمتلكه أيضاً من وسائل إعلامية ومادية أن تُجهض أي انتفاضة شعبية، لذلك أعتقد أنّ الأمور في هذه المرحلة على الأقل لا تتجه نحو الإنتفاضة الشعبية”

والسبب الثاني، الأوضاع المعيشية لأهل الضفة. صحيح أنّ قطاع غزة يعيش أوضاعاً إقتصادية أسوء بكثير من الضفة، ولكن توجد هناك منظومة مقاومة هي التي تتحكم بمفاصل الحياة في القطاع، في حين أنّ هذه المنظومة في الضفة ضعيفة للغاية، والمنظومة المتحكمة، إذا استثنينا الاحتلال، هي منظومة السلطة بما تمتلكه من توظيف ورواتب وتنظيم واسع موجود في الضفة اسمه حركة فتح رديف للسلطة وإجراءاتها حيث تستطيع السلطة عبرها ومن خلالها وبما تمتلكه أيضاً من وسائل إعلامية ومادية أن تُجهض أي انتفاضة شعبية، لذلك أعتقد أنّ الأمور في هذه المرحلة على الأقل لا تتجه نحو الإنتفاضة الشعبية.

في ما بعد وبناءً على التطورات قد يكون من الممكن إنتفاضة شعبية بالذات في حالة جنين وما تُشكّله وما تمرّ به المقاومة فيها من تطور والتي دخلت عامها الثاني وعدد الشهداء الذين يرتقون إلى العلا والإجراءات الإسرائيلية والخسارة الإسرائيلية والمعاناة وحالة الندية والمقاومة التي أثبتت جدارتها وجذوتها ووجودها. لأنّ ثمة من يُشكك في حالة المقاومة في جنين ويدّعي بأنّها عابرة وغير موجودة وأنّها حالة هلامية وسريعاً ستذوب ولكن الواقع أنّ الأمور تتجه عكس هذه التحليلات، واليوم ونحن ندخل العام الثاني، نرى أنّ المقاومة أكثر تنظيماً وجذرية وتوسعاً وانتشاراً وما جرى منذ أيام من إسقاط ضابط كبير للاحتلال وهو قائد في وحدات الدودغان الخاصة وإصابة الكثير من الجنود وإعطاب الآليات دليل على ذلك.

إذا، نحن أمام حالة تجذّر في الأرض تتوسع بالأفق وتكتسب قوة يوماً بعد يوم وهي حالة المكون الأهم فيها هو الإلتفاف الشعبي الذي يمثّله الشعب الفلسطيني”.

جنين نموذج مختلف

*”صمود”: جنين تحوّلت إلى رمزية النضال الوطني، لماذا جنين ومخيّمها؟

**الحروب: “هناك عوامل تاريخية وعوامل إجتماعية جعلت من مدينة جنين تلعب هذا الدور إجتماعيا، في مدنية جنين لا يوجد عائلات كبيرة تتحكم بالوضع ونمط العيش فيها، وبمصطلح “إشتراكي” لا يوجد عائلات بورجوازية مسيطرة تتحكم بالنسق الإجتماعي في هذه المدينة كما هو موجود في بعض مدن الضفة الأخرى.. وحتى إذا تحدثنا عن العائلات الكبيرة في المدنية من آل السعدي والتركمان فهما عائلتان لاجئتان إلى المدينة وليستا من أصلها.

أضف إلى ذلك، أنّ الحاضنة الإجتماعية والسكان والنمط الإجتماعي الموجود فيها منذ ما قبل ثورة عام الـ1936 وغالبية الذين جاءوا إلى مخيّم جنين هم من الريف الذي عانى ما عاناه من العصابات الصهيونية وبطشها، وبالتالي هذه العائلات محمّلة بتاريخ وإرث جهادي وثوري، فعندما تتحدث عن عائلة السعدي مثلا ًنجد فيها القائد فرحان السعدي والقائد نمر السعدي ولديها عشرات الشهداء والأسرى الذين قُتلوا على يد العصابات الصهيونية والقوات البريطانية، طبعاً لن نغفل أنّ هناك الكثير من المخيّمات والمدن في الضفة فيها الكثير من المقاومين والمجاهدين ولكن تبقى جنين لها خصوصيتها التي ذكرت.

ومن ناحية أخرى، هذا المخيّم على طول سنوات النضال لم يتخلَّ عن المقاومة وهناك شهداء من قبل الإنتفاضة الأولى وحتى ما قبل 2005 و2006 عندما حصل الإنقسام وتوقفت نوعاً ما المقاومة في الضفة الغربية، نجد أنّ مخيّم جنين منذ 2002 وحتى اليوم لا يكاد يمرّ عليه شهر دون وجود شهيد أو أسير أو حالات مقاومة هنا أو هناك وبالتالي استمرار عمل المقاومة مع الإرث التاريخي مع البنية النضالية المحيطة بالمخيّم أوجدت هذا النَفَس وهذه الصورة المناضلة.

“أثّرت حركة الجهاد الإسلامي على الوضع المقاوم في جنين، وهنا لا ننكر وجود التنظيمات الفلسطينية كفتح وحماس في باقي المناطق، ولكنّنا لا نجد هذه الحالة الموجودة في جنين”.

أما بالنسبة للوحدة، لا شك أنّ هناك عامل آخر ولكن لا نريد أن نتحدث عنه حتى لا يُحسب علينا أنّنا حزبيين و”أنانيين” وهو وجود حركة الجهاد الإسلامي بتاريخها المشرف ووجود أبنائها في المقدمة من الـ2002 وحتى اليوم. وبالتالي، أثّر هذا الفصيل الفلسطيني على الوضع المقاوم في جنين، وهنا لا ننكر وجود التنظيمات الفلسطينية كفتح وحماس في باقي المناطق ولكنّنا لا نجد هذه الحالة الموجودة في جنين”.

*”صمود”: الظهور المسلح في الضفة الغربية تعرّض لملاحقة السلطة، كيف تتعامل السلطة مع ظاهرة المواجهة المسلحة؟

**الحروب: السلطة الفلسطينية كمشروع سياسي هو نتاج عملية سياسية دولية قائمة على التفاوض والتفاهم مع الاحتلال. فهي ترى كل مشروع مقاوم رافض للاحتلال يهدّد مشروعها، وبالتالي تنظر بقلق إلى وجود التنظيمات المسلحة، هذه السلطة لا تقبل بأي مظهر من المظاهر أياً كانت هذه المظاهر باستثناء مظهرها ومظهر حزبها، وعليه، تنظر بقلق بالغ لوجود التنظيمات المسلحة ولكن أُسقط من يدها، وهي تعمل على قمع وملاحقة المقاومة، لكن الحالة قويت واشتدت ولم يعد بمقدور السلطة أن تواجهها ولا زالت تستخدم أساليب أخرى ترغيباً وترهيباً وتضغط على المقاومين من جهة أقاربهم وموظفين في السلطة من أجل إنهاء هذه الحالة”.

القدس هي المحرك الرئيسي

*”صمود”: في معركة سيف القدس، كان المسجد الأقصى وأحياء القدس هما المحركان للمقاومة، برأيك، أحداث الأقصى هي المحفّز الأول لكل العمليات في فلسطين؟

**الحروب: “بالتأكيد القدس لها مكانة لدى الشعب الفلسطيني ومكانة عالية في الصراع الفلسطيني الصهيوني، وبالتالي فإنّ معركة سيف القدس كان محركها الأساسي هو الشيخ جرّاح ومحاولة الإعتداء على أهلنا في الحي المقدسي. وقد رأينا الحضور القوي للمقاومة وأنّها مقاومة واعية راشدة تحمي الجدران والإنسان فكان الإنتصار لحي الشيخ جرّاح.

“القدس والمسجد الأقصى، وكنيسة القيامة، وحتى شيرين أبو عاقلة، كل هذه الظروف تؤثّر في الشارع الفلسطيني وبالتالي القدس بجدرانها، بتاريخها وجغرافيتها هي المحرك الرئيسي للثورات والمقاومة وللمشاعر الفلسطينية الوطنية”

اليوم، القدس، والمسجد الأقصى، وكنيسة القيامة، وحتى شيرين أبو عاقلة، كل هذه الظروف تؤثّر في الشارع الفلسطيني وبالتالي القدس بجدرانها، بتاريخها وجغرافيتها بكل ما فيها هي المحرك للقضية الفلسطينية، ونحن بتاريخنا الفلسطيني نتذكر أولى الثورات التي انطلقت من موسم النبي موسى من شرق القدس وهبّة البراق التي أُعدم فيها ثلاثة من أبناء الشعب الفلسطيني. ما يعني أنّ القدس هي المحرك الرئيسي للثورات والمقاومة وللمشاعر الفلسطينية الوطنية”.

سقوط كبير للاحتلال

*”صمود”: المواجهات في القدس.. من الاعتداء على جنازة الشهيدين شيرين أبو عاقلة ووليد الشريف في أي سياق تضعها وما هي برأيك النتائج التي ستترتب على معركة القدس؟

**الحروب: برأيي هي تؤشر على أمرين: الأول، وصول الكيان الصهيوني من جيش وشرطة وأمن وكل ما له علاقة بالمنظومة الأمينة الإسرائيلية إلى قمة البغي والظلم، فما جرى من اعتداء على أناس مسالمين كشيرين أبو عاقلة ووليد الشريف وإعدامهما بدم بارد وهم يعرفون أنّهما ليسا مقاومين ولا يشكلان خطراً على الجيش أو السلطة.. يؤكد أنّ هذا الاحتلال وصل إلى قمة البغي.

والأمر الثاني، هو قمة السقوط الأخلاقي، فأن يتمّ الإعتداء على تشييع جنازة أموات قُتلوا باليد الإسرائيلية، وقد شاهد العالم ورأى بأمّ عينه كيف تعتدي شرطة الاحتلال على النعش والتركيز بالضرب على أرجل من يحمله حتى يسقط النعش هو قمة السقوط الإسرائيلي. طبعاً هذا الكيان منذ البداية لا يملك الأخلاق ولكن اليوم يعيش في الحضيض وانهيار أخلاقي غير مسبوق وقد أشار بعض الكتاب والإعلاميون الإسرائيليون إلى هذه الحالة بأنّها بداية سقوط أمني.

أمر آخر، الاعتداء على الجنازتين حصل في منطقة تُسمّى في السياسات الصهيونية العاصمة الأبدية للكيان، ولكن في قلب هذه العاصمة سارت الجموع الفلسطينية ورفعت الأعلام الفلسطينية وهتفت لفلسطين، سارت في القدس وشوارعها التي عمل الكيان الصهيوني كل ما بمقدوره لأن يطمس معالمها ومنع رفع العلم الفلسطيني رفي القدس.. وهذا برأيي سقوط كبير للاحتلال وسياساته وكأنّ هؤلاء الشهداء يقولون لنا “حتى بموتنا نناضل ويمكن أن نرسم الحرية لشعبنا””.

القلعة الحصينة

*”صمود”: غزة، ما دورها في حركة المواجهة القائمة اليوم والى أين تتجه الأمور على صعيد علاقة محور المقاومة بالمشروع التحرري؟

**الحروب: باتت غزة اليوم تُشكّل القلعة الحصينة للمقاومة والركن الشديد الذي يأوي إليه الشعب الفلسطيني، وبات الكيان الصهيوني ينظر إلى الضفة الغربية ليس بيد مطلقة ولا بفكر مطلق وإنّما من خلفية ردات فعل المقاومة في غزة. ففي السابق مثلاً هدم الاحتلال أربع أو خمس أبنية وكل عمارة فيها خمسة طوابق وعشرات الشقق لم يسأل عن أحد، ولكن اليوم بعد معركة سيف القدس تغيّر الوضع وتبدل جذرياً وأصبح العدو يحسب ألف حساب لغزة وردة فعلها على ما يجري، حتى باقتحام المستوطنين الأخير للمسجد الأقصى رأينا كيف قام الشرطي الإسرائيلي وهو يسحب العلم الإسرائيلي من المستوطن فما الذي دفعه إلى فعل ذلك أليس الخشية من ردة فعل المقاومة في غزة؟.

إذا، غزة بمقاومتها ووحدة غرفة عملياتها المشتركة، بصدق نهج مقاومتها غيّرت في المعادلة القائمة على أرض فلسطين وبات العدو الصهيوني يحسب ألف حساب لها وباتت غزة القلعة الحصينة والموجهة لهذه الجبهات المفتوحة في مقاومة المحتل”.

هؤلاء الأبطال أفراد ينتمون للشعب الفلسطيني وصحيح أنّهم غير منظّمين ولكن ليسوا بعيدين عن الفصائل سواء بفكرهم أو صداقتهم أو ارتباطاتهم الإجتماعية، فهم أبناء الشعب الفلسطيني”

“الذئاب المنفردة” تعبير خاطئ

*”صمود”: يقول مراقبون أنّ معظم منفّذي العمليات الفدائية الأخيرة بدون انتماء سياسي وفصائلي، هل نحن بالفعل أمام نموذج جديد من العمل الفدائي البعيد عن الفصائلية؟

**الحروب: نعم، من الناحية العملية، كل الشهداء والمقاومين الذين ارتقوا إلى العلياء أو أُسروا خلال العمليات الفدائية لا ينتمون إلى فصائل فلسطينية ولم ترسلهم هذه الفصائل لتنفيذ عمليات كما كانت تفعل سابقا، ولكن يبقى الإنتماء الأكبر للشعب الفلسطيني، هذه الفصائل التي قدّمت أمناءها العامين وخيرة شبابها وعلماءها ومفكّريها على مذبح الحرية هي تنتمي للشعب الفلسطيني، وبالتالي محاولة البعض إطلاق إسم “الذئاب المنفردة” على منفّذي العمليات هو كلام خاطئ، فهؤلاء الأبطال أفراد ينتمون للشعب الفلسطيني وصحيح أنّهم غير منظّمين ولكن ليسوا بعيدين عن الفصائل سواء بفكرهم أو صداقتهم أو ارتباطاتهم الإجتماعية، فهم أبناء الشعب الفلسطيني، وهدف هذه المقاومة تحرير الأرض واستقلال البلاد، وبالتالي هذه حالة سياسية يمرّ بها شعبنا نتيجة لحالة سحق المقاومة التي مارستها السلطة والاحتلال منذ الإنقسام الفلسطيني عام 2007 ولكّن هذه الروح لم تُسحق.. صحيح ما جرى قد أثّر على التنظيمات الفلسطينية ونشاطها ولكن روح المقاومة عند الشعب الفلسطيني لم تبهت، بدليل هؤلاء الشهداء وما نفّذوه من عمليات فدائية، وبدليل أيضاً ما تشهده مدينة جنين على الرغم من كل ما حصل معها في السابق”.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , ,