طلبة “بيرزيت” عاقبوا السلطة واختاروا المقاومة

التصنيفات : |
مايو 30, 2022 9:33 ص

*أحمد الطناني – غزة:

لطالما شكّلت إنتخابات مجلس الطلبة في جامعة بيرزيت مصدر إهتمام ومتابعة من كل الأطراف الفلسطينية، سواءً كأحزاب ونُخب ومهتمين، أو على صعيد الرأي العام الشعبي، الذي يرى في انتخابات جامعة بيرزيت مؤشراً مهماً حول أوزان القوى والفصائل المتنافسة، في ظل غياب المشهد الإنتخابي الشامل للمؤسسات الرسمية والتمثيلية الفلسطينية.

لماذا لـ”بيرزيت” أهمية إستثنائية؟

تأخذ “بيرزيت” وانتخابات مجلس الطلبة فيها إهتماماً مضاعفا، إرتباطاً بعدة أسباب نذكر أبرزها:

  • تُعتبر من اأم الجامعات الفلسطينية أكاديمياً ولطالما شغل خرّيجوها مواقع مهمة رسمية وفصائلية، وفي القطاعين الأهلي والخاص.
  • لها إدارة مهنية غير محسوبة على أي طرف سياسي، وتحافظ على استقلاليتها وهامش الحريات فيها، بما فيها العمل الطلابي ونزاهة العملية الديمقراطية.
  • طلبَتها من النخب ومن مختلف محافظات الضفة الغربية ومن خلفيات سياسية وإجتماعية متنوعة.
  • تقع الجامعة، جغرافيا، قرب مدينة رام الله، التي تُعدّ مركز الثقل السياسي للسلطة الفلسطينية.
  • إنّ الحياة النقابية في الجامعة حيّة وفاعلة وغير مقتصرة على العمل الطلابي، إذ أنّ فيها نقابة عاملين أيضاً تُجري انتخابات دورية، ولها مساهماتها الدائمة في الشقين النقابي والوطني، وتعمل كصمّام أمان للحفاظ على هوية الجامعة واستقلاليتها ووطنيتها.

نتيجة تاريخية

إنّ النتيجة التي حصدتها كتلة الوفاء الإسلامية، المحسوبة على حركة المقاومة الإسلامية حماس، هي سابقة في تاريخ الإنتخابات الطلابية في الجامعة، إذ حصلت الكتلة على 28 مقعدا، مقابل 18 مقعداً لكتلة الشهيد ياسر عرفات المحسوبة على حركة فتح، و5 مقاعد للقطب الطلابي الديمقراطي التقدمي المحسوب على الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، بينما لم تستطع كلاً من كتل الجبهة الديمقراطية وحزب الشعب من تجاوز نسبة الحسم.

عدد المقاعد الذي حصلت عليه الكتلة الإسلامية هو الأعلى في تاريخ جامعة بيرزيت منذ أن استعر التنافس ما بين الكتلتين الأكبر، إذ جاءت النتائج خلال آخر دورتين إنتخابيتين في الجامعة متقاربة جدا، وحصدت الكتلة الإسلامية على 24 مقعداً مقابل 23 مقعداً للشبيبة الفتحاوية في العام 2018، وتقلّص الفارق في العام 2019 ليكون 23 لكلا الكتلتين، مع تقدُّم بسيط جداً في عدد الأصوات لصالح الشبيبة الفتحاوية.

على صعيد النتائج الفارقة، فإنّ أكثر دورتين إنتخابيتين بارزتين، هما: دورة العام 2012 التي حصدت فيها الشبيبة الفتحاوية 26 مقعدا، مقابل 19 مقعداً للكتلة الإسلامية، ودورة العام 2015 التي انقلبت فيها النتائج لتكون 26 مقعداً لصالح الكتلة الإسلامية مقابل 19 مقعداً لصالح الشبيبة الفتحاوية، مع احتفاظ القطب الطلابي بحالة ثبات نسبي في الوزن على مدار السنوات، بحصوله على 5 مقاعد، باستثناء العام 2018 الذي تراجع فيه بمقعد واحد، ليستعيده في العام 2019.

أعوام حافلة بالأحداث المؤثرة

عُقدت الإنتخابات هذا العام في جامعة بيرزيت، بعد تعطيل لمدة عامين بسبب جائحة كورونا والإجراءات التقييدية، حيث كانت الفترة الفاصلة المذكورة حافلة بالعديد من المحطات المفصلية الكفيلة بتغيير كل المعادلات، نستذكر أبرزها وأكثرها تأثيراً على البيئة الطلابية في جامعة بيرزيت، والمزاج الشعبي عموما.

أولا، على صعيد سلوك السلطة وقيادة فتح المتنفّذة:

إنّ حالات الإعتداء على الحريات العامة التي ترافقت مع العديد من المناسبات، وكان أهمها وأبرزها، إلغاء الإنتخابات العامة وما رافقها من إجراءات تصعيدية من اعتقالات سياسية وقمع للفعاليات الجماهيرية، ليتلوَها اغتيال المعارض الفلسطيني نزار بنات على أيدي عناصر من الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية.

لم يتوقف السلوك الأمني عند اغتيال نزار بنات، بل تمادى وتصاعد بالاعتداءات العنيفة على المتظاهرين المندّدين باغتيال المعارض الفلسطيني والمطالبين بالقصاص له ومحاكمة قتلته والمتورطين في اغتياله، في مشهد بقي حاضراً في وجدان كل متابع.

ساهمت فضائح الفساد المتوالية في زيادة النقمة الشعبية تجاه السلطة بكل مكوناتها، وعزلتها أكثر وأكثر عن أي محيط جماهيري

من جانب آخر، لم تتوقف فضائح قضايا الفساد للسلطة، والتي كانت أبرزها فضيحة اللقاحات منتهية الصلاحية، التي عصفت بالحكومة الفلسطينية في رام الله، تلتها حديثاً فضيحة مستشفى خالد الحسن للأمراض السرطانية الذي اختفت تبرعاته دون أن يُنشأ المستشفى أو يرى النور.

ساهمت فضائح الفساد المتوالية في زيادة النقمة الشعبية تجاه السلطة بكل مكوناتها، وعزلتها أكثر وأكثر عن أي محيط جماهيري، وبشكل خاص عن الأجيال الشابة التي ساهمت بقوة في نقد هذا السلوك عبر منصات التواصل الإجتماعي المختلفة.

 رافق قضايا الفساد وإلغاء الإنتخابات والإعتداء على الحريات العامة، إصرار رئيس السلطة على عقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير واستبداله بالمجلس الوطني، والإصرار على استكمال عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، وسط معارضة واسعة من الفصائل الفلسطينية التي قاطعت الجلسة، بما فيها الفصيل الثاني في المنظمة، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي رفضت الجلسة ورفضت مخرجاتها، وما زالت ترفض التعامل مع كل ما نتج عنها.

عزّزت جلسة المجلس المركزي المذكورة الشعور بالإغتراب لدى الشباب الفلسطيني، الذي يرى كل أجسامه التمثيلية مسلوبة الشرعية وخاضعة للهيمنة والتفرّد بعيداً عن أي شراكة ممكنة.

ثانيا، على صعيد المواجهة مع الاحتلال:

شهد العامين الماضيين محطات مهمة على صعيد المواجهة مع الاحتلال، كان أبرزها معركة سيف القدس، التي خاضتها المقاومة وأبناء الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده، إنتصاراً للقدس والمقدسيين، حيث كانت محطة فارقة ومميزة في تاريخ الشعب الفلسطيني.

جرت معركة سيف القدس، والمواجهة اليومية للمقدسيين والفلسطينيين في كل مكان، وسط غياب كامل للسلطة الفلسطينية والقيادة الفلسطينية الرسمية، التي كان أكبر مساهماتها هي بيانات التنديد.

في ضوء غياب السلطة الفلسطينية والقيادة الرسمية (التي أخّرت اجتماعها من أجل القدس إلى أجلٍ يبدو أبديا)، كان هناك تقدم واضح وملموس لحركة حماس، التي قادت معركة سيف القدس، وفرضت حضورها في كل فعل ومواجهة

لم يتوقف الفعل الفلسطيني على معركة سيف القدس، بل تحولت سيف القدس إلى محفز لكل فلسطيني للمزيد من التحرك والإنتفاض، وعززت روح المبادرة لدى الشعب الفلسطيني، الذي أعاد مظهر المواجهات المسلحة مع قوات الاحتلال إلى شوارع الضفة المحتلة، والزحف الجماهيري الهادر إلى المسجد الأقصى وشوارع وأزقة القدس.

في ضوء غياب السلطة الفلسطينية والقيادة الرسمية (التي أخّرت اجتماعها من أجل القدس إلى أجلٍ يبدو أبديا)، كان هناك تقدم واضح وملموس لحركة حماس، التي قادت معركة سيف القدس، وفرضت حضورها في كل فعل ومواجهة، وانفتحت بشكل كبير على فصائل العمل الوطني والإسلامي لخلق أفضل قنوات التنسيق والمتابعة.

خلق هذا الغياب للقيادة الرسمية وبشكل خاص لحركة فتح وسلطتها، والتقدّم الواضح لحركة حماس بيئة جديدة من التفكير، ومساحات كبيرة من الحضور، إلى جانب ملامسة شرائح كبيرة ليست من الجمهور المعتاد لحركة حماس، بل هو جمهور المقاومة بمعناه الواسع، الذي خرج وهتف لمحمد الضيف، ليس باعتباره قائداً حمساويا، بل باعتباره الرمز المعبر عن الفعل المقاوم ككل في وجه المحتل.

ثالثا، على الصعيد الطلابي:

منذ بداية العام الدراسي وعودة الطلاب إلى مقاعد الدراسة، لم تهدأ جامعة بيرزيت، حيث كانت محطة للعديد من الأحداث الكبرى، بدأت مع تعيين المجلس الجديد للجامعة، الذي شمل في عضويته تكليف عميدة لشؤون الطلبة هي جزء من المنظومة الأمنية والرسمية للسلطة، وأحد قيادات حركة فتح.

العميدة الجديدة التي ترافق تكليفها بالمواجهة مع الأطر الطلابية وبشكل خاص الكتلة الإسلامية والقطب الطلابي، المحسوبين على حركة حماس والجبهة الشعبية، بالتضييق والإجراءات العقابية على منسّقيهم، وهو ما دفعهم، مع باقي الأطر الطلابية، إلى الدخول في اعتصام للمطالبة بإقالتها.

الشبيبة الفتحاوية التي خسرت كثيراً من رصيدها الطلابي، تمّ اقالة منسّقها السابق بسبب موقفه الرافض لاغتيال نزار بنات، واستبداله بمنسّق أكثر تماشياً مع سياسات السلطة ومواقفها، وهو ما انعكس على سلوك الكتلة الطلابية بشكل كامل

لم تلتحق الشبيبة الفتحاوية بالإعتصام منذ بدايته، بل هاجمته، وسبق هجومها عليه، هجومها على نشطاء الأطر الطلابية لكلاً من الجبهة الشعبية وحركة حماس والجبهة الديمقراطية، في سلوك بلطجي عنفي أدّى إلى نفور واسع من جمهور الطلبة بالجامعة.

الشبيبة الفتحاوية التي خسرت كثيراً من رصيدها الطلابي، تمّ اقالة منسّقها السابق بسبب موقفه الرافض لاغتيال نزار بنات، واستبداله بمنسّق أكثر تماشياً مع سياسات السلطة ومواقفها، وهو ما انعكس على سلوك الكتلة الطلابية بشكل كامل، وعلى تعاطيها مع مختلف القضايا في الجامعة، وعدم قدرتها على الفصل بين مطالب قيادتها والأجهزة الأمنية، وما بين الحاجة الطلابية.

نجح الإعتصام الطلابي، الذي التحقت فيه الشبيبة متأخرة، بعد اعتصام منسّقي الكتلة الإسلامية والقطب الطلابي من داخل الحرم الجامعي على يد قوة خاصة لجيش الاحتلال، وقد حقّق هذا النجاح، إضافة لعملية الإعتصام، حضوراً أوسع وأكبر للكتلة الإسلامية في الجامعة.

الإنعكاسات على نتائج الإنتخابات

انعكست الظروف السابق ذكرها على توجُّه الناخبين في الجامعة، فساهمت الظروف السياسية والاستياء الشعبي من سلوك السلطة وقيادة حركة فتح، والإلتفاف الشعبي الكبير حول المقاومة وفعلها، والتفاعل الجماهيري الكبير ما بعد معركة سيف القدس، في تحقيق انتصار واضح للكتلة الإسلامية على الشبيبة الفتحاوية في المعركة الإنتخابية داخل الجامعة.

هذا الإنتصار قد تضاعف فارقه وتضخّم إرتباطاً بالجمع الذي حصل ما بين الظرف السياسي والسلوك الطلابي، حيث أنّ سوء الفعل الطلابي للشبيبة، ومحاولة قيادة السلطة والأجهزة إجهاض نموذج بيرزيت وتكسيره إلى وجود رد فعل واسع من عموم الطلبة، الذين اتجهوا لمعاقبة حركة فتح وإطارها الطلابي، وتوجيه تصويتهم إلى خصمهم السياسي، الذي اعتقلت قوات الاحتلال مناظريه وجزءاً أساسياً من قيادته بنفس يوم الإنتخابات، وهو ما عزّز الرغبة الطلابية في تشكيل أوسع حاضنة لهم ولفعلهم، ليحقّقوا نتيجة هي الأعلى في تاريخ التنافس بين الكتلتين الأكبر.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,