معركة الأمعاء الخاوية.. الوسيلة الأنجع لنيل المطالب

التصنيفات : |
يونيو 2, 2022 8:04 ص

*منى العمري – صمود:

تعدّ قضية الأسرى الفلسطينيين إحدى القضايا المُلهمة للشعب الفلسطيني ورمز جوهري في مقاومة الكيان، فمنذ اللحظة الأولى لاحتلال الأراضي الفلسطينية قامت “إسرائيل” بتطبيق سياسة ممنهجة للحدّ من احتمالات حصول المقاومة في مواجهة الاحتلال، فكانت السجون الإسرائيلية بديل المشانق ومكان القتل الروحي والنفسي للفلسطينيين.  

وبين فترة وأخرى يخوض الأسرى الفلسطينيون في سجون الاحتلال معركة الأمعاء الخاوية، من خلال إضرابهم عن تناول الطعام، بغرض الضغط على إدارة السجون من أجل تحقيق مطالبهم المشروعة.  

حيث نجح الأسرى، ممن خاضوا معركة الإضراب عن الطعام بشكلها الفردي أو الجماعي، في إجبار السجّان الصهيوني على تلبية مطالبهم، وبالدرجة الأولى مطلبهم بالإفراج عنهم، بسبب الاعتقال الإداري.

خطوة نضالية مرموقة

إنّ الإضراب المفتوح عن الطعام أو ما يُعرف بـ “معركة الأمعاء الخاوية”، هي امتناع المُعتقل عن تناول كافة أصناف وأشكال المواد الغذائية الموجودة في متناول الأسرى باستثناء الماء وقليل من الملح، وهي خطوة نادراً ما يلجأ إليها الأسرى؛ إذ تُعتبر الخطوة الأخطر والأقسى التي يلجأ إليها المعتقلون لما يترتب عليها من مخاطر جسيمة سواءً كانت جسدية أم نفسية، حيث وصلت في بعض الأحيان إلى استشهاد عدد من  الأسرى.

ولا يلجأ الأسرى الفلسطينيون عادةً إلى مثل هذه الخطوة إلا بعد نفاذ كافة الوسائل النضالية الأخرى، وعدم الإستجابة لمطالبهم عبر الحوار المفتوح بين الكيان واللجنة النضالية التي تمثّل المعتقلين.

ويعتبر الأسرى أنّ الإضراب المفتوح عن الطعام، وسيلة لتحقيق هدف وليس غاية بحدّ ذاتها، كما تُعتبر أكثر الأساليب النضالية وأهمها، من حيث الفعالية والتأثير على إدارة المعتقل وسلطات الاحتلال والرأي العام لتحقيق مطالبهم الإنسانية العادلة، كما أنّها تبقى أولاً وأخيراً معركة إرادة وتصميم.(١)

وتجدر الإشارة إلى أنّ الأسير يُنقل منذ لحظة إعلانه الإضراب عن الطعام إلى الزنازين، ويُعزل بشكلٍ كامل، ويُجرّد من كل شيء، وبعد الأيام العشرة الأولى من الإضراب لا يستطيع الوقوف، وهنا تبدأ حالة التعب الجسدي والنفسي وسط هذا العزل التام.   

تاريخ الإضراب عن الطعام

خاض الأسرى في سجون الاحتلال أول إضراب جماعي عن الطعام في 11 أيلول/سبتمبر عام 1967 لمدة 65 يوما، ووفق إحصاءات هيئة شؤون الأسرى والمحررين فإنّ عدد الإضرابات الجماعية بلغ 23 إضرابا، آخرها كان عام 2019.  

ويُتّخذ قرار الإضراب الجماعي من مجموع الأسرى ويتمّ بأعداد كبيرة، وقد يشمل كل سجون الاحتلال، ويتعلّق عادةً بمطالب عامة ترتبط بمتطلبات معيشية.  

وفي سياقٍ متّصل، يقول الباحث في شؤون الأسرى، عبد الناصر فروانة: “توالت الإضرابات الجماعية، فكان أبرزها إضراب عام 1976 وهو الأطول، وإضراب سجن “نفحة” الشهير عام 1980 الذي استُشهد فيه أسيران”.

ويضيف: “وُصف إضراب عام 1992 بـ”أمّ المعارك”، حيث بدأ بسجن نفحة ثم شمل كل السجون وشارك فيه ما يزيد عن 10 آلاف أسير، ثم عادت الإضرابات أعوام 1998 و2004 و2012 وغيرها، إلى حد أن زادت الإضرابات الجماعية الأساسية عن 22 إضرابا”.(٢)

الإضراب في قلب المقاومة

تُعدّ معركة الأمعاء الخاوية شكلٌ من أشكال المقاومة السلمية، إذ اعتبرتها الحركة الأسيرة إحدى أدوات إثبات الذات وتحدّي السجّان وانتزاع حقوق المعتقل.

كما حقّق المعتقلون -من خلال هذه المعركة- العديد من الإنتصارات، لكن إضراب الأسرى اليوم يختلف عن الفترة السابقة، فباتت هذه المعركة خياراً أخيراً للأسير الفلسطيني كونها تجربة مؤلمة وقاسية.  

ومع كل هذه التحدّيات والمخاوف والآلام، إستطاعت الإضرابات الجماعية أن تعالج الكثير من قضايا الأسرى، وغيّرت الواقع الإعتقالي للأفضل، على صعيد تحسين الحياة المعيشية وتحقيق المطالب، حيث تعتبر وجهٌ مختلف لأوجه المقاومة داخل سجون الكيان.

الإضرابات الفردية ومحاولات إنهائها

في المقابل، وضمن محاولة انتزاع الحقوق من الاحتلال، إستحدث الأسرى الإضرابات الفردية التي تتعلّق بحقّ خاص بالأسير، وبرزت تلك السياسة ضمن محاولات إنهاء ملف الاعتقال الإداري.

حيث بدأت الإضرابات الفردية عام 2011 نتيجة ظروف موضوعية، بحسب الباحث في شؤون الأسرى عبد الناصر فروانة، الذي أشار إلى أنّ “الإضرابات الفردية بدأها خضر عدنان رفضاً لاعتقاله الإداري، ثم توالت، فخاض عشرات الأسرى الإضرابات حتى اليوم”.(٢)

وفي هذا الصدد، يرى مدير مركز الدفاع عن الحريات والحقوق المدنية حلمي الأعرج، أنّ “تعنّت الاحتلال في الإستجابة لمطالب الأسرى المضربين مردّه الصمت الدولي على جريمة الاعتقال الإداري التعسّفي، وإبقاء “إسرائيل” الكيان القائم فوق المحاسبة والمساءلة الدولية”.

ويضيف الأعرج: “إنّ الاحتلال أمام هذا الصمت يريد أن يكسر إضراب الأسرى ويفرغ سلاح الإضراب المفتوح عن الطعام من مضمونه”.

وبحسب الأعرج، “إنّ الاحتلال يريد إيصال رسالة ضمن حسابات واهمة للأسرى الإداريين بأنّ الإضراب عن الطعام غير مجدٍ وغير فعّال، وبالتالي محاولة إيقاف السلاح الأمضى في يد الحركة الأسيرة وبيد المعتقلين الإداريين، وإجبارهم على إنهاء إضرابهم، دون تحقيق الإنتصار الذي اعتادوا عليه”.(٣)

معاناة التجربة

يقول الأسير كايد الفسفوس -الذي خاض تجربة الإضراب عن الطعام لمدة 131 يوما- أنّه “في وقتٍ تتعامل فيه إدارة السجون بحالة من اللامبالاة مع الأسير المضرب، يهيمن الطعام والشراب على تفكيره طوال الشهر الأول للإضراب، فيسارع إلى شرب الماء لإشغال نفسه ومعدته”، ويضيف: “كنّا كلما نتذكر الطعام نشرب الماء بمعدل 5 لترات يوميا”.  

وأشار الفسفوس إلى أنّ “السجّانين الصهاينة يقومون بالحديث أمامه عن أصناف الطعام والمشاوي وروائحها، في محاولة لدفعه لتعليق إضراب”، وأضاف: “إنّ تعامل الاحتلال كان صعباً جداً من خلال سجنه في زنازين بلا تهوية وبدرجة حرارة عالية، والتنقّل بين الزنازين في السجون المختلفة، وتقييد اليدين خلف الظهر لفترات طويلة تصل إلى 6 ساعات داخل الزنزانة، وكل ذلك لجسد منهك ومتعب أصلا”.

ووفق الفسفوس “يحقّ للأسير، إستناذاً إلى قوانين أقرّها الكنيست الإسرائيلي، تناول 20 غراماً من السكر يوميا، و20 غراماً من الملح، ومدعمات غذائية، دون أن يُعتبر ذلك كسراً للإضراب”، وأكّد أنّه “رفض كل ذلك لأنّ القبول بها يطيل أمد الإضراب وعذاب الأسير المضرب”.(٤)

أما القيادي في حركة “الجهاد الإسلامي” خضر عدنان، والذي حُظي إعلامياً ومحلياً بلقب “مفجّر معركة الأمعاء الخاوية” نظراً للسبق الذي حقّقه في الإضراب الفردي عن الطعام، حيث خاض عدنان معركة الإضراب 6 مرات، لكل منها ظروفها الخاصة، لكنّ أهم إنجاز تحقّق هو تقليص فترة الإعتقالات بحقّه.

حيث يعتبِر عدنان أنّ “الإضراب هو سلاح رادع للاحتلال، وهذه المعركة هي الحاجة للحرية، معظمنا اعتُقل سابقا، وسُحقت عظامنا داخل السجون، الإعتقال يجمّد حياتنا، ويعدم خططنا للحياة، حتى الإجتماعية منها”.(٥)

هل تتحقّق مطالب الأسرى؟

يقول فؤاد الخفش، الخبير في شؤون الأسرى: “كلّ الإنجازات داخل السجون تحقّقت بالإضرابات، مع أنّها حقوق طبيعية للأسرى”.

ويضيف: “التلفزيون، الكانتينا (المتجر)، الزيارات ولقاءات المحامين، كلها إنجازات تحقّقت على مدى عقود من خلال الإضراب عن الطعام، لأنّ الاحتلال لا يقدّم شيئاً دون ضغط”.

ويوضح الخفش أنّ “سلاح الأمعاء لم يُكسر في أي معركة مع الاحتلال، وتحقّقت به 99% من مطالب الأسرى”.(٥)    

المصادر المتعلّقة:

  1. https://info.wafa.ps/ar_page.aspx?id=3796  
  2. https://www.noonpost.com/content/41253  
  3. https://www.aljazeera.net/news/humanrights/  
  4. https://www.aljazeera.net/news/humanrights/2022%  
  5. https://www.aljazeera.net/news/humanrights/2021/7

وسوم :
, , , , , , , , , , , ,