قانون التملّك لغير اللبنانيين عنصري بامتياز وربطه بالتوطين عنصرية مضاعفة

التصنيفات : |
يونيو 6, 2022 8:18 ص

*وفيق هوّاري – صمود:

قبل تاريخ ٣ نيسان/أبريل ٢٠٠١، كان يحقّ للاجئين الفلسطينيين تملّك عقارات في لبنان من دون ترخيص مسبق وبحدود معينة، حسب قانون اكتساب غير اللبنانيين الحقوق العينية في لبنان.

لكن في ذلك التاريخ، أقرّ مجلس النواب اللبناني القانون ٢٠٠١/٢٩٦، الذي عدّل بعض مواد القانون السابق الذي كان يجري تنفيذه وفق المرسوم ١٩٦٩/١١٦١٤.

في القانون الجديد تمّ ربط تملّك الفلسطيني بمسألة حساسة جداً في الحياة السياسية اللبنانية، ألا وهي “التوطين”.

جرّد التعديل القانوني الجديد، الفلسطينيين من حقّهم في اكتساب ملكية عقارية تحت ذريعة المعاملة بالمثل، لأنّهم لا يحملون جنسية صادرة عن دولة معترف بها.

جرّد التعديل القانوني الجديد، الفلسطينيين من حقّهم في اكتساب ملكية عقارية تحت ذريعة المعاملة بالمثل، لأنّهم لا يحملون جنسية صادرة عن دولة معترف بها. كما أوجد مشكلات إضافية بسبب تطبيقه الفوري، ومنع تسجيل عقود البيع المنظمة أصولاً عند كتّاب العدل، والتي لم يتمّ تسجيلها قبل تاريخ صدور القانون الجديد.

لكن بالعودة إلى واقع الملكية العقارية للفلسطينيين في لبنان، يتبيّن أنّها محدودة وذلك استناداً إلى النظام الممكنن للسجل العقاري التابع لوزارة المالية، ولا تتعدى ٥٥٠٠ شقة سكنية.

في ما يخصّ قانون تملّك غير اللبنانيين والمنفّذ وفق المرسوم رقم ١٩٦٩/١١٦١٤، فإنّ المادة الأولى منه تنص: “لا يجوز تملّك غير اللبنانيين للعقارات والحقوق العقارية إلا بعد الحصول على ترخيص يُعطى بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناءً على اقتراح وزير المالية”.

لكنّ المادة الثالثة من المرسوم استثنت مواطني الدول العربية بما في ذلك الفلسطينيين من شرط الترخيص.

بناءً على هذا القانون إشترى الفلسطينيون عقارات مبنية أو غير مبنية، وفق المساحات التي حدّدها القانون وهي ٣٠٠٠ متر مربع في بيروت، و٥٠٠٠ متر مربع كحد أقصى في باقي المحافظات.

لكنّ القانون الجديد الذي حمل الرقم ٢٠٠١/٢٩٦، نصّ على أنّه لا يجوز تملّك أي حقّ عيني من أي نوع كان لأي شخص لا يحمل جنسية صادرة عن دولة معترف بها، أو لأي شخص إذا كان التملك يتعارض مع الدستور لجهة رفض التوطين. أما بالنسبة إلى الباقين غير اللبنانيين فهم بحاجة إلى مرسوم وزاري.

إنّ مفهوم التوطين حسب مقدمة الدستور، يعني إعطاءهم الجنسية اللبنانية، في حين أنّ حقّ التملّك هو من الحقوق المدنية ولا يعني التوطين.

يقول أحد الناشطين اللبنانيين: “كان الهدف من قانون تملّك غير اللبنانيين القديم، تشجيع الإستثمارات وتشجيع قطاع الأبنية السكنية، لكن من تابع جلسة مجلس النواب بتاريخ ٢١ آذار/مارس ٢٠٠١، والتي ناقش فيها النواب القانون الجديد، يلاحظ طغيان الطابع السياسي على النقاش وتركيز النقاش على مخاطر التوطين”.

في نهاية الجلسة، وافق جميع النواب على القانون الجديد باستثناء النائب مروان فارس الذي كان رئيساً للجنة حقوق الإنسان آنذاك.

يومها، وفي اتصال مع أحد النواب اللبنانيين لسؤاله عن سبب موافقته على القانون المتعارض مع شرعة حقوق الإنسان، وأنّه دوماً يصرّح بوقوفه إلى جانب الشعب الفلسطيني، أجاب: “لم أطلع على مشروع القانون، وقد أخبروني أنّ التعديل يفرض رسوماً جديدة تؤمّن مداخيل للخزينة العامة”.

الأسباب الموجبة للطعن بالقانون

بتاريخ ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٠١، تقدّم عشر نواب ينتمون إلى كتل نيابية مختلفة بطعن لإبطال التعديل في قانون التملّك، أما الأسباب الموجهة للطعن فهي:

أولا، مخالفته لأحكام الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولبنان كان مشاركاً في صياغته.

ثانيا، مخالفته لميثاق الأمم المتحدة الذي يحظّر التمييز في معاملة الأشخاص أو الجماعات بسبب العِرق أو اللون، وهذا الميثاق صدر عام ١٩٦٣.

والنواب العشرة هم: نزيه منصور، محمد يحي، مروان فارس، جهاد الصمد، علاء ترو، محمد قباني، وليد عيدو، عبد الرحمن عبد الرحمن، سيرج طور سركيسيان، محمد رعد.

وبالعودة لمفهوم التوطين حسب مقدمة الدستور، فإنّه يعني إعطاءهم الجنسية اللبنانية، في حين أنّ حقّ التملّك هو من الحقوق المدنية ولا يعني التوطين.

لكنّ المجلس الدستوري في لبنان أصدر قراراً حمل رقم ٢٠٠١/٢ بتاريخ ١٠ أيار/مايو ٢٠٠٢، نصّ على أنّ الإتفاقية الدولية حول القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لا تنفي حقّ الدولة اللبنانية، على ضوء مصالحها العليا، في وضع القيود التي تحدّد مداها، أي أنّ المجلس الدستوري أعطى المشرع اللبناني حقّاً يفوق المعاهدات الدولية.

بعد ذلك، تقدّم تسعة نواب باقتراح تعديل معجّل مكرّر إلى مجلس النواب، لكنّ رئاسة المجلس نزعت صفة الإستعجال عنه، وأحالته إلى لجنة الإدارة والعدل، وبعد ذلك عمد رئيس المجلس نبيه بري إلى سحبه من النقاش بسبب حدة الخلافات بين الكتل النيابية.

إنّ مشاريع القوانين العنصرية لا تطال الفلسطينيين فحسب، بل تطال لبنانيين من طوائف مختلفة.

ويرى البعض أنّ الخلافات تعود إلى خوف ديموغرافي يطال بعض اللبنانيين.

للأسف، وبتاريخ ٣٠ كانون الأول/ديسمبر٢٠١٠، تقدّم النائب اللبناني آنذاك بطرس حرب بمشروع قانون حول تحديد الملكيات العقارية وشروط بيعها لأشخاص لبنانيين آخرين ينتمون إلى طوائف أخرى وذلك لمدة ١٥ عاما. وهذا يؤشّر إلى أنّ مشاريع القوانين العنصرية لا تطال الفلسطينيين فحسب، بل تطال لبنانيين من طوائف مختلفة.

من جهة أخرى، فإنّ الجمعيات والمؤسسات السياسية والمدنية التي وقفت ضد تعديل قانون التملّك اعتمدت في خطابها على النقاط التالية:

-ضرورة أن تلتزم المؤسسات الدستورية بتقديم المواثيق والمعاهدات الدولية على القوانين الوطنية.

-إنّ التعديل الذي أُقر، مخالف لبروتوكول الدار البيضاء الصادر عام ١٩٦٥ والذي دعا الدول العربية إلى معاملة الفلسطيني كرعاياها.

-إنّ القانون بصيغته الحالية يؤدي إلى تفاقم مشكلة السكن في المجتمع الفلسطيني، إذ من الطبيعي أن يشهد المجتمع الفلسطيني نمواً سكانياً في ظل ضيق مساحة المخيّمات، وتعذّر إدخال مواد البناء اليها.

-بالإضافة إلى مشكلة البيوعات العقارية التي حصلت بموجب عقود بيع ممسوحة قبل إقرار التعديل وعدم تسجيلها مباشرة.

هذا الوضع دفع بعدد من الفلسطينيين الذين يودون شراء عقارات أو أقسام عقارية مبنية إلى تسجيلها باسم أصدقاء أو أقارب لبنانيين، وهذا ما حصل كثيراً في منطقة صيدا.

ومن الملاحظ، أنّه بعد صدور القانون الجديد ونشره في الجريدة الرسمية، امتنع مباشرة، أمناء السجل العقاري من تسجيل عقود البيع المبرمة وغير المسجلة في دوائر السجل العقاري. كما امتنع كتّاب العدل من تسجيل عقود بيع للفلسطينيين استناداً إلى رأي صادر عن هيئة التشريع بتاريخ ١٩ حزيران/يونيو ٢٠٠١. هذا الوضع دفع بعدد من الفلسطينيين الذين يودون شراء عقارات أو أقسام عقارية مبنية إلى تسجيلها باسم أصدقاء أو أقارب لبنانيين، وهذا ما حصل كثيراً في منطقة صيدا.

بعد نفاذ القانون، ظهرت آراء كثيرة تتحدث عن حرمان المالك الفلسطيني من توريث الورثة الشرعيين، ولكن تبيّن بعد سنوات من إقرار القانون، أنّه بعد وفاة المالك تنتقل ملكياته إلى الورثة الشرعيين، وتمّ التأكد من ذلك من خلال ملاحقة معاملة لورثة في منطقة وادي الزينة، التابعة لجبل لبنان وأخرى في الغازية التابعة للجنوب، وأنّ امتناع بعض الموظفين عن إجراء نقل ملكية للورثة في منطقة الشمال يعود لحالة الفساد المستشري في الإدارة.

إنّ عدداً من الفلسطينيين ما زال حتى اللحظة مقتنعاً بأنّ الفلسطيني لا يستطيع التوريث، وهذا غير صحيح.

غير أنّ عدداً من الفلسطينيين ما زال حتى اللحظة مقتنعاً بأنّ الفلسطيني لا يستطيع التوريث، وهذا غير صحيح.

كما أنّ أي مواطنة لبنانية متزوجة من فلسطيني تستطيع توريث أبنائها في حال وفاتها. ولكنّ المرأة الأجنبية المتزوجة من فلسطيني لا يحقّ لها التملّك، إلا إذا كان زوجها الفلسطيني يحمل جنسية أجنبية تخوّله التملّك في لبنان وفق الشروط المطلوبة.

ماذا يملك الفلسطينيون؟

اعتماداً على سجلات المديرية العامة للشؤون العقارية، والسجل العقاري الممكنن في وزارة المالية وذلك بتاريخ ١٨ تشرين الأول/أكتوبر ٢٠١٦، فإنّ عدد الفلسطينيين المالكين يبلغ ١١٦٢٠، يملكون ٧٠٨٩ عقارا، تبلغ مساحتها ٢،٥٧٢،١٦٢ متراً مربعا.

وحسب السجلات، ٧٦% من المالكين يملكون شققاً سكنية ومحلات، ١٩% منهم يملكون عقارات غير مبنية، و5% يملكون عقارات مبنية.

وفي ما يخصّ العقارات، فإنّ ٧٧% منها هي شقق سكنية ومحلات، ١٩% هي عقارات غير مبنية و٤% عقارات مبنية.

واعتماداً على المساحة، فإنّ ٧٢% من المساحات المملوكة هي عقارات غير مبنية، ١٤% من المساحات هي شقق سكنية ومحلات، و١٤% هي عقارات مبنية أيضا.

إنّ قانون التملّك اللبناني هو قانون عنصري بامتياز لأنّه يخالف الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولا يلتزم بميثاق الأمم المتحدة، وهو تعبير عن أزمة النظام السياسي الطائفي في لبنان.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,