دور المؤسسات التربوية في تشكّل الوعي السياسي في بيئات اللاجئين

التصنيفات : |
يونيو 11, 2022 7:42 ص

*وسام عبد الله

تُشكّل المؤسسات التربوية صلة وصل بين الفرد والنظام السياسي الذي يحدّده نظام الحكم في البلاد، فلا يقتصر دورها على المناهج التعليمية بل يكون لها تأثير على السلوك المجتمعي، ومن خلال الجو العام الذي يؤثّر على الطالب إن كان عبر القوانين المدرسية وأسلوب المدرّسين وحتى شكل البناء المدرسي.

المدرسة والتنظيم المجتمعي

تعكس المدرسة فلسفة المجتمع وطريقة تنظيم علاقات الأفراد بين بعضهم البعض ومع المؤسسات الرسمية، ما لهم من حقوق وعليهم من واجبات، فتساهم في ضمان استمرارية المجتمع من خلال هويته وتقاليده. في الحالة اللبنانية لا يمكن الحديث عن نظام تربوي موحّد لكل المدارس، كون المؤسسات التربوية متعددة بما يعكس انقسام المجتمع اللبناني، فهناك المدرسية الرسمية، والمدارس الخاصة التي بدورها تتبع الطوائف أو رجال الأعمال وغيرها من الجهات الخاصة، والمعضلة الدائمة في الإنقسام هي غياب كتاب التاريخ الموحّد مما يعكس التباعد والشرخ في النظرة إلى الهوية المتجانسة وبالتالي الاختلاف بالرأي حول المواقف والأحداث.

مراحل تشكّل الوعي السياسي

الأسرة هي المواجهة المباشرة الأولى للطفل مع محيطه، فتساهم بتشكيل شخصيته وهويته الإجتماعية، خلال السنوات السبع الأولى من عمره، فيلعب الأهل والعائلة، الدور الأكثر تأثيراً عليه وليس بالضرورة الأب والأم فقط، في زرع بذور التوجهات السياسية لدى الطفل وكيفية تحديد مشاعره الوطنية والقومية. ومع التقدّم بالعمر تتوسع دائرة العلاقات الإجتماعية، التي تبقى إلى حد كبير متصلة بتوجهات العائلة، إذ يبقى الطفل يتلقّى رسائل محددة وأحادية الإتجاه، وخاصة إن كان الأهل من النوع الذي يقيّد ابنه وابنته باعتبارات لا تعطيه مساحة كافية من الحرية أو إمكانية التفكير بشكل مختلف عن محيطه، وهو الذي يُشكّل له مصدر “راحة نفسية”، فلا يتعرّض لأي انتقاد أو رفض لأفكاره.

من المعروف أنّ السياسة جزء أساسي من حياة الأسرة الفلسطينية، فالطفل ينمو وينضج داخل هذا الفضاء السياسي والأيديولوجي العقائدي

ومع دخوله المدرسة وغيرها من المؤسسات والنوادي التربوية والشبابية، يتّجه تشكُّل الوعي السياسي إلى منحى جديد، فهنا يبدأ بالخروج نوعاً ما عن سلطة والديه خاصة في ساعة الدوام المدرسي، ليبقَ التأثير الأهم للنظام التربوي، ونهج المدرسة وخلفيات تلامذتها. فمثال مدرسة لبنانية في منطقة من لون طائفي واحد ولها توجّه حزبي معين، حينها سيبقى الطفل محاطاً بأفكار محددة من الصعب الخروج منها إلا بامتلاكه الشخصية القوية القادرة على الاختلاف عن أقرانها. والأمر كذلك بالنسبة لأطفال اللاجئين، فمن المعروف أنّ السياسة جزء أساسي من حياة الأسرة الفلسطينية، فالطفل ينمو وينضج داخل هذا الفضاء السياسي والأيديولوجي العقائدي.

التعليم وحقّ العودة.. والتوطين

يمثّل تعليم اللاجئين جزءاً من حقّ العودة، فالتربية تساهم في المحافظة على الهوية الوطنية والقضية المركزية ومعرفة العدو ومواجهته. أسّست الأونروا برامج إغاثية لتأمين خدمات تربوية للاجئين، لمختلف المراحلة التعليمية، وفي قراءة للخط البياني لعدد التلامذة نجد أنّها في حال ارتفاع وانخفاض في عدد المسجلّين، وخاصة الذين يكملون دراستهم للمرحلة الثانوية، ويُشكّل تردّي الأوضاع الإقتصادية سبباً أساسياً للتسرّب المدرسي وميل الأسرة لتوجيه أولادها نحو المهن الحِرفية لمساعدة العائلة في تأمين مورد مالي للعائلة.

هل استعمال القوانين الإقصائية بين التلامذة والفصل بينهم، يمنع التوطين؟، أم أنّه جزء من محاولة تكريس الكره والعنصرية بين الشعبين ودفع اللاجئ نحو العمل غير الشرعي؟

كل فريق لبناني يدعم حقّ العودة انطلاقاً من نظرته السياسية، فمن يخاف من التغيّر الديمغرافي والتوطين يدعم هذا الحقّ لمنع إحداث أي تبدّل إجتماعي وسياسي في النظام العام، ومن يدعم حقّهم لأنّه مؤمن بالقضية الفلسطينية، فإن كان هناك إجماع على أهمية التعليم في المحافظة على مفهوم حقّ العودة، والتزام معظم الجهات رغم اختلاف منطلقاتها، فما الحجة لتدنّي المستوى التعليمي والتربوي، واستعمال القوانين الإقصائية بين التلامذة والفصل بينهم، هل هذا يمنع التوطين؟، أم أنّه جزء من محاولة تكريس الكره والعنصرية بين الشعبين ودفع اللاجئ نحو العمل غير الشرعي؟.

كما هي المدرسة بوابة النظام السياسي لتكريس مفهومه وقيمه، فهي كذلك نافذة لسوق العمل، من خلال رفع المستوى التعليمي والمهني، وهنا يدخل دور المشرّع، الذي يحدّد المهن المسموح لهم العمل بها، لندخل في الدوامة المستمرة، محدودية فرص العمل تنعكس على التراخي والإنسحاب من الرغبة بالتعلم.

العدالة السياسية

تتنوع النظريات التي تحدّد الخطوة الأولى لحل الإشكالية، لكنّها ليست نقطة واحدة والباقي يتبعها، وإنّما مجموعة عمل متكاملة، تبدأ من العائلة والمدرسة وصولاً إلى التشريعات والقوانين.

فما نحتاج إليه هو عدالة سياسية وإنسانية تبدأ من المدراس، وهو بحث طويل في ما يتعلق بالنظام التربوي اللبناني، ولكنّ الأمر لا يتعلق فقط باللاجئين، وإنّما هو في عمق الأزمة اللبنانية، في مسألة الهوية وتقبّل الآخر، والأمثلة واضحة، كيف تتبدّل معظم وجهات النظر حين يتّجه الطلاب إلى المرحلة الجامعية ويتعرفون على مروحة واسعة من الاختلافات الثقافية في بلادهم، مما يساعدهم على الخروج من “كانتوناتهم” الضيقة. فالتربية على العدالة الإجتماعية تساهم في إعطاء اللاجئ حقّه في التعلّم، والذي لا يتعارض مع حقّ العودة ولا يساهم في التوطين، وتأمين منافذ عمل يساعد في تفريغ المخيّمات من الآفات الخطيرة التي كلما انتشرت أكثر كلما زادت في إفراغ القضية من مضمونها.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,