“فزّاعة المؤامرات والإستهداف” الوصفة الجاهزة لتجميع الصف الفتحاوي

التصنيفات : |
يونيو 17, 2022 7:40 ص

*أحمد الطناني – غزة:

شهدت ساحة الضفة الغربية تطورات متلاحقة على الصعيد الداخلي، وبشكل خاص في الأسبوعين المنصرمين حيث تصاعدت وتيرة الإعتقالات السياسية والإعتداءات والبلطجة من قِبل عناصر محسوبين على الأجهزة الأمنية على عدد من الأنشطة والفعاليات.

لم يأتِ هذا التصاعد في الوتيرة ارتباطاً بتطور سياسي محدد قد يكون شكّل منعطفاً لدى قيادة السلطة وأجهزتها الأمنية، أو خلافاً متصاعداً وإجراءات متبادلة بين طرفي الإنقسام نتج عنها هذا التصعيد الميداني في الاعتقالات وحالات البلطجة.

في كلٍّ من بيتونيا الواقعة بمحيط رام الله، وجامعة النجاح في نابلس، كان الحدثان الأكثر بروزاً من حيث تصاعد عمليات الإعتقال السياسي والزعرنة والإعتداءات المباشرة على خلفية الإنتماء أو الموقف السياسي، ولكن هل كان في هذين الحدثين علامات فارقة استوجبت هذه الحدّية والعنف المفرط بحسب الأجهزة الأمنية؟ (التأكيد على أنّ الإعتداء واستخدام العنف مرفوضان أياً كان مبرّرهما).

حيث يبرز التساؤل الرئيسي، هل استدعت منظومة السلطة كل فزّاعات الإنقسام والإستهداف وصعّدت من وتيرة الإعتقالات وقمعها، وبدأت بترويج مناخ المؤامرات وسيناريوهات الإقتتال لتجميع صفوفها خلف الترتيبات التي يجري تجهيزها في الكواليس لمستقبل السلطة والرئاسة؟.

إنفجار بيتونيا

حدث إنفجار لم تُعرف ماهيته في منجرة للأخشاب في منطقة بيتونيا الواقعة في ضواحي مدينة رام الله، هذا الإنفجار الذي اكتفت الأجهزة الأمنية بالإعلان أنّه قيد التحقيق وتمّ التحفظ على صاحب المنجرة ومكان الحدث لحين انتهاء التحقيق، وإلى هنا توقفت التصريحات الرسمية، حيث رافق الحدث وما تبعه مجموعة كبيرة من الإعتقالات بحقّ نشطاء وكوادر في مدينة رام الله وضواحيها طالت ما يقارب الـ19 معتقلاً بحسب المصادر الصحفية.

إنهالت العديد من التسريبات كان من الواضح أنّها “موجّهة” عبر وسائل التواصل الإجتماعي، والتي تدّعي أنّ ما وُجد داخل مكان الحدث هو مخطّط “إنقلابي” يستهدف الأجهزة الأمنية ومقر إقامة رئيس السلطة ومجموعة من الأهداف الأخرى، ورافقت هذه الإشاعات مجموعة من الصور التي تظهر فيها معدات وخرائط وسلاح وكتاب يحمل عنوان “داعش” في إطار تعزيز ما ورد بالإشاعات أو “التسريبات” المذكورة.

إتّضح من نشطاء ووسائل إعلام عملوا على التحقّق مما نُشر من إشاعات أنّ غالبية الصور المتداولة تعود لأحداث سابقة، سواءً أكانت في غزة أو غيرها مما تمّ إثباته عبر منصات التحقّق والصحافيين، ما أعطى إشارات أولية حول عدم صحة هذه الإدعاءات والإشاعات التي نُشرت على نحو واسع تحت عنوان “تسريبات من مجريات التحقيق”.

ما قطع الشك باليقين حول عدم صحة هذه الإدعاءات هو تصريحات المحاميين الذين حضروا جلسات المحاكمة وحقّقوا مع جزء من المعتقلين، والذين نفوا نفياً قاطعاً أن يكون سبب الإعتقال مرتبط بما يتمّ ترويجه من إشاعات وإتهامات، مع تأكيدهم أنّ الإعتقالات هي على خلفية سياسية، إلا أنّ اللافت هو توضيح منسّق “محامون من أجل العدالة” المحامي مهنّد كراجة، عن استحضار تهمة لم يتمّ التعامل بها منذ سنوات، وهي تهمة الإنتماء إلى “القوة التنفيذية” التابعة لحركة حماس!.

جامعة النجاح

من جانب آخر، كانت المشاهد الواردة من جامعة النجاح صارخة في الإعتداءات المتكررة بعنف مفرط إستهدف الطلبة الذين دعوا إلى نشاط طلابي، حيث قامت عناصر محسوبة على الأجهزة الأمنية إلى جانب عناصر أمن الجامعة بالاعتداء الوحشي على الطلبة في فعاليتين طلابيتين داخل الحرم الجامعي وخارجه.

هذه الإعتداءات بحقّ الطلبة والتي استهدفت قمع أي صوت طلابي غير صوت حزب السلطة لم تكن بريئة ولم تكن منطقية وليست خلافاً طلابياً بين كتلتين طلابيتين وتطور لاستخدام العنف، بل هي نية مبيّتة قد تقّصد فاعلوها إستخدام درجات عالية من العنف وإطلاق الرصاص في مشهد يضرب كل قيم التعليم الجامعي والحرم الجامعي بعرض الحائط.

ما زاد الطين بلّة ويؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أنّ أحداث جامعة النجاح ليست حدثاً عابراً بل هي ضمن سياق متّسق وممنهج، أنّ إدارة الجامعة في إطار المعالجة قد قررت فصل جزء من الطلبة الذين تعرّضوا للإعتداء! مما ساهم في زيادة التوتر والحنَق لدى جموع الطلبة وأولياء الأمور وكل الحريصين المتابعين.

نمط متصل، وليست أحداثاً منفصلة

لربما يكون الرأي الأولي أنّ الحدثين منفصلان ولا علاقة بينهما، سوى أنّ الطرف المعتدي هو السلطة وأجهزتها الأمنية، إلا أنّ هذا رأياً قاصراً بعد النظر لمجموعة التفاصيل في كلٍّ من الحدثين المذكورين والتفاعلات معهما.

شملت التفاعلات المذكورة استحضار العديد من الأمثلة التي غابت عن لغة الخطاب في السنوات الأخيرة وأبرزها استحضار مشاهد الإنقسام في غزة، والترويج بقوة لفكرة المخططات “الإنقلابية” وكيْل الإتهامات المباشرة وغير المباشرة حول وجود مخططات لإثارة “الفوضى” و”الفلتان” في الضفة من قِبل الخصوم السياسيين وبشكل خاص حركة حماس، وتحشيد الرأي العام الفتحاوي بشكل خاص للتفاعل مع هذه الأفكار.

إنّ الهدف هو بثّ شعور “الإستهداف” لدى قواعد حركة فتح وجماهيرها، بهدف توحيدها، وجمع شتاتها لمواجهة فزّاعة “المخططات الإنقلابية” التي يجري تسويقها وتقديمها.

إنّ المستهدف بدرجة أساسية من كل السلوكيات والعنف المفرط والضغط المتصاعد بوتيرة متسارعة على أنصار حماس بشكل خاص، والفصائل المعارضة بشكل عام ليس هؤلاء الأنصار (رغم أنّ سياق الإعتقالات السياسية لم يتوقّف وبل عاد ليتصاعد)، إلا أنّ الهدف هو بثّ شعور “الإستهداف” لدى قواعد حركة فتح وجماهيرها، بهدف توحيدها، وجمع شتاتها لمواجهة فزّاعة “المخططات الإنقلابية” التي يجري تسويقها وتقديمها.

هذه الفزّاعة التي يتمّ استحضارها نتجت بعد استشعار خطر حقيقي من قِبل منظومة الأمن في السلطة التي رصدت بالتأكيد تنامي الأصوات المعارِضة داخل فتح، وبشكل خاص بعد الخسارات المتلاحقة في الإنتخابات البلدية والطلابية والنقابية، والتي لم يكن آخرها نتيجة جامعة بيرزيت الساحقة، والإرتدادات التي تتركها هذه النتائج وصدى الأصوات المعارضة في القواعد، في وقت حسّاس ودقيق وفق اعتبارات هذه الأجهزة وقيادتها ومن خلفهم من يمتلك مقاليد القرار، لأنّ المطلوب بالنسبة لهم في هذه اللحظة إنجاز ترتيبات ما بعد رئيس السلطة محمود عباس، والتجهيز لخلافته، بل والحشد لخليفته المُفترض والذي يُعتبر موضع خلاف واختلاف داخل صفوف حركة فتح وخارجها.

إجمالا، بات من الواضح أنّ المشهد الفلسطيني مقبل على مخاض عسير في المرحلة القادمة وهو مخاض تتضارب فيه العديد من التوجهات، يسعى البعض لفرض أمر واقع حول مستقبل المواقع القيادية الرئيسية في المؤسسة الرسمية الفلسطينية سواءً كانت في منظمة التحرير أو السلطة الفلسطينية، بحيث يحافظ هذا الأمر الواقع على هيمنة القيادة الحالية وبرنامجها وشبكة مصالحها على حساب الإرادة الوطنية والرغبة بالتغيير وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير وللمشروع الوطني الفلسطيني.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,