في يوم اللاجئ العالمي: اللاجئون إنعكاس لصورتنا

التصنيفات : |
يونيو 20, 2022 8:30 ص

*وسام عبد الله

حين لا تكون الأزمة تمسّنا بشكل مباشر، نتعامل معها بتضامن إنساني قد ينتهي بعد فترة من الزمن، أو يحفّز بعضنا لمحاولة المساعدة بطريقة معينة. في بلادنا، نعيش حروب وأزمات متلاحقة، جعلت اللجوء والنزوح جزءاً من حاضرنا وتاريخنا، فكيف تشكّل ردة فعلنا تجاه اللجوء، صورة عن شخصيتنا الفردية والجماعية؟

ثلاثية اللجوء..

حوارات بين شباب من ثلاثة بلدان، سوريا، فلسطين ولبنان، لها عناوين محددة، حتى اللبناني في الداخل نتيجة الظروف الإقتصادية يعيش أحوالاً صعبة، أو من عاصر أهله مآسي النزوح في الحرب الأهلية. أول تلك العناوين، هي الصورة المتبادلة بينهم، نتيجة الأحداث السياسية والأحكام العنصرية، إذ شكّل اللجوء للكثير من الشباب أول مواجهة مباشرة يومية بينهم، أبعد من مواقف الأحزاب والسياسيين والوسائل الإعلامية. فتكون محاولة الفصل بين سلوكنا الحالي تجاهه وموقف أهالينا، ليست بالعملية السهلة، كونها تتطلب مصالحة مع الذاكرة الجماعية وعدم إنكارها. منعت الحروب والحدود  الزيارات المتبادلة بين شعوب المنطقة، فكان السفر إلى أوروبا مثلً أكثر سهولة من زيارة بلد مجاور، ليس بسبب إقتصادي إنّما لواقع سياسي.

هناك فرق بين السوري والفلسطيني من حيث آفاق اللجوء، فالسوري، له دولة مهما كانت الظروف الحالية، تشكّل مرجعيته القانونية، والأرض التي سيعود إليها يوماً

هناك فرق بين السوري والفلسطيني من حيث آفاق اللجوء، فالسوري، له دولة مهما كانت الظروف الحالية، تشكّل مرجعيته القانونية، والأرض التي سيعود إليها يوما، أما مستقبل الفلسطيني، فتغيب المرجعية الرسمية في الشتات بظل صراع الفصائل وضبابية تنفيذ “حقّ العودة”.   

هل من حلول؟

في قراءة الواقع السياسي والإجتماعي والإقتصادي، تتشكّل الأرضية التي يمكن الإنطلاق منها لتجاوز التحديات وخلق الفرص للحلول.

حقّ العمل، ينقسم إلى شقين: الأول، يتعلق بالقوانين اللبنانية التي تحدد المهن التي يستطيع اللاجئ العمل بها، فلسطينياً كان أم سوريا، والتشريعات قبل أن تُبنى على نص قانوني يكون أساسها اجتماعيا، كالخوف من السيطرة على المهن من قِبل اللاجئين كونهم يشكّلون اليد العاملة الأرخص بالنسبة للرواتب مقارنة باللبناني.

أما الشق الثاني، هو اجتماعي مبني على رفض الآخر والمواقف العنصرية تجاهه. إذ يعاني سوق العمل في لبنان من صعوبات ليس بسبب اللاجئين، إنّما لعدم وجود هيكل ونظام إقتصادي للدولة، بينما كان من الممكن الإستفادة من اليد العاملة والخبرات لبناء وتجديد القطاعات الصناعية والحِرفية، فالحكومات اللبنانية بحاجة دائمة للمساعدات المالية الدولية التي توزّع على الجمعيات.

حقّ التعليم، كونه يشكّل البناء الفكري لشخصية اللاجئ، ليس بهدف طلب العلم فقط، إنّما للخروج من الأزمات النفسية التي تراكمت آثارها في السنوات الماضية، حتى يستطيع التوجه نحو المهنة التي يحب أو يبرع فيها ويبني بها مستقبله، وهذا ينعكس بدوره على الإمكانيات المتاحة في سوق العمل.

الحوار، وهو أحد المفاتيح المفقودة والمحصورة على نطاق جلسات النقاش والندوات للمنظمات داخل الفنادق، في ما الحاجة إلى توسيعها سياسياً وإعلاميا، وهو أمر يتطلب جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً حتى يأتي بنتائجه.

تُعتبر مشهدية اللجوء المتبادل، درساً ونموذجا، فنحن لسنا الإستثناء في الأزمات، وأي مشكلة حدثت لشعب ما، يمكن أن تصيبنا يوما..

أرض وناس

إنّ جغرافية جنوب لبنان وشمال فلسطين وجنوب غرب سوريا، متداخلة بجبالها ومياهها وسكانها، فكانت بوابة دمشق أحد أبواب المدينة القديمة في القدس، ومثلها نابلس التي تُسمّى دمشق الصغرى. شريان حيوي لا يتعلق فقط بعلاقات سياسية بين الدول، إنّما مرتبط بدورة العلاقات الإجتماعية والإقتصادية بين المجتمعات. بدأت مأساة اللجوء الفلسطيني،  شمالاً نحو لبنان وسوريا، كونهما الأقرب جغرافيا، وحيث يتواجد الأقارب من العائلات المشتركة. تلاه اللجوء اللبناني نحو سوريا خلال الحرب الأهلية، فبرّاً أغلق الاحتلال البوابة الفلسطينية، ولم يبقَ إلا الجو أو التوجه شرقاً نحو الشام. ثم وصلت المأساة إلى سوريا، فكان النزوح نحو لبنان، إلى المخيّمات أو إلى بيوت الأقارب. تُعتبر مشهدية اللجوء المتبادل، درساً ونموذجا، فنحن لسنا الإستثناء في الأزمات، وأي مشكلة حدثت لشعب ما، يمكن أن تصيبنا يوما.. وتتحوّل المشكلة إلى فرصة، وربما امتحان، لإرادتنا على الإستئناف، حتى لو أثّرت السياسة على مواقفنا ومستقبل بلادنا وأولادنا.

وحتى لو شرّعنا القوانين وبنينا الجدران، فإنّ وجود وسائل التواصل الحديثة يضعنا في قلب الحالة الإنسانية، ولو كنّا لا ننتمي إلى عقيدة قومية وسياسية واحدة، فالقصص تصل إلينا، لنجد تضامن مع حالات الأطفال أينما كانوا، تنتهي مع تراجع “الترند” وشعبيتها، لكننا لا نُعر انتباهاً أنّ تلك القصص تحدث على مرأى من شاشاتنا وأنظارنا بشكل يومي، وعجزنا أو تحرّكنا يعكس قِيمنا وأخلاقنا التي تُسهم إلى حد بعيد برسم مستقبلنا.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , ,