نتنياهو يُذلّ ائتلاف بينيت الحكومي عبر تعميق مأزق تمديد قانون الطوارئ

التصنيفات : |
يونيو 21, 2022 8:17 ص

*أحمد الطناني – غزة:

فشل الائتلاف الحكومي في الكيان الصهيوني في تمديد ما يسمى بقانون “أنظمة الطوارئ لتطبيق القانون الجنائي في يهودا والسامرة”، هذا الفشل هو الأول من نوعه في تاريخ الكيان الصهيوني لتمديد القانون الذي يمس العديد من الجوانب وينظّمها في المستوطنات الصهيونية القابعة على أراضي الضفة المحتلة.

يسري القانون منذ احتلال العدو الصهيوني للضفة الغربية عام 1967، ويمنح المستوطنين في الضفة نفس الحقوق التي يتمتع بها “المواطنون في إسرائيل”، واعتاد الكنيست تمديده بهدوء ومن دون أن يثير نقاشاً حاداً كل 5 سنوات، حيث لم يسبق أن تحوّل تمديد هذا القانون لأزمة أو شكّل أي عثرة منذ إقراره، فما الذي حدث هذه المرة؟

رغم أنّ الائتلاف الحكومي الحالي هو ائتلاف هشّ لا يتمتع بأغلبية بعد استقالة رئيسته عضو الكنيست عيديت سليمان وانقلابها على الائتلاف، إلا أنّ الحالة الطبيعية أنّ تمديد هذا القانون لا يخضع لحسابات المعارضة والموالاة في الكنيست الصهيوني، وبشكل خاص أنّ المعارضة هي من المعسكر اليميني الذي يتعاطى بإيجابية كبيرة مع التوسّع الإستيطاني ويولي أهمية لتعزيز الحضور الصهيوني في المستوطنات.

بالرغم من أنّ الوضع المنطقي كان من المفترض أن ينافي فرضية تعطيل التمديد للقانون، إلا أنّ هناك عاملين أساسيين ساهما في خلق هذا الحدث الفريد من نوعه في تاريخ الكنيست الصهيوني، الأول أنّ جزءاً أساسياً من الائتلاف الحالي يقوم على وجود حزب عربي في الائتلاف الحكومي وهو ما يجعل تصويتهم مع القانون نوعاً من التحدي لبرامجهم وشعاراتهم المُعلنة التي تناهض الإستيطان، والجزء الثاني والجوهري هو تصريحات وزير العدل الصهيوني وأحد أقطاب الائتلاف الحكومي جدعون ساعر حول اعتبار التصويت على تمديد القانون هو اختبار لقدرة الائتلاف على الصمود والإستمرار.

لم ينجح القانون في قراءته الأولى في الكنيست حيث كان التصويت ضد مشروع القانون بأغلبية 58 صوتاً مقابل 52

وجدت المعارضة، بقيادة “نتنياهو”، فرصتها في تصريحات “ساعر” الذي حّول التصويت الإعتيادي على تمديد القانون إلى محكّ لاختبار الائتلاف الحكومي وتماسكه، وبنفس الوقت مثّلت نوعية وطبيعة القانون كونه أولا، قانوناً مرّ تجديده بكل الائتلافات الحكومية السابقة بهدوء، وثانيا، كونه قانوناً يمسّ المستوطنين بشكل مباشر، في ظل أنّ رئيس الحكومة هو نفتالي بينيت الذي شغل سابقاً موقع رئيس مجلس المستوطنات في الضفة الغربية، وبالتالي فإنّها الفرصة الأمثل ليس لهزّ أركان الائتلاف فقط، بل لإذلال “بينيت” كرئيس للوزراء علنياً أيضا.

لم ينجح القانون في قراءته الأولى في الكنيست حيث كان التصويت ضد مشروع القانون بأغلبية 58 صوتاً مقابل 52، وكانت الضربة الأصعب للائتلاف الحكومي في تصويت اثنين من أعضاء الائتلاف ضد القانون، وهما: مازن غنايم من القائمة الموحّدة التي يرأسها منصور عباس، وغيداء الزعبي من حزب ميرتس. هذا عدا عن تغيّب غالبية أعضاء القائمة الموحّدة عن جلسة التصويت.

الهدف الأساسي لحشد المعارضة للتصويت ضد مشروع القانون، لمجرد إظهار عدم ثقتها في الحكومة على الرغم من عدم وجود أي خلاف معها من حيث المبدأ، وهي خطوة تُعتبر إستعراضا للقوة في مواجهة الائتلاف الحاكم الهشّ وتعزيزاً لفرص الإطاحة بالائتلاف الحكومي مستقبلا.

إنّ عدم تجديد “أنظمة طوارئ يهودا والسامرة” يعني إنفصال مستوطنات الضفة المحتلة تماماً عن القانون “الإسرائيلي”، وهو ما يعني إخراج المستوطنين عملياً من سجل سكان الكيان الصهيوني

من المهم الإشارة أنّه لو لم يتم تمرير القانون حتى نهاية حزيران/يونيو الحالي ستكون حالة غير مسبوقة في تاريخ الكيان الصهيوني الذي سيجد نفسه أمام واقع لم يسبق له مواجهته، إذ أنّ عدم تجديد “أنظمة طوارئ يهودا والسامرة” يعني إنفصال مستوطنات الضفة المحتلة تماماً عن القانون “الإسرائيلي”، وهو ما يعني إخراج المستوطنين عملياً من سجل سكان الكيان الصهيوني، ولن يحصل أكثر من 475 ألف مستوطن على نفس الحقوق التي يتمتع بها بقية “الإسرائيليين” ومن بينها حقوق التصويت.

لا يمكن حصر التبعات القانونية والميدانية على عدم التمديد للقانون المذكور، إذ أنّ الوزراء والمختصين في حكومة الاحتلال قد هرعوا لإعداد سيناريوهات التعامل مع احتمالية عدم التمديد للقانون، حيث أصدر وزير الجيش في حكومة الاحتلال بيني غانتس تعليماته للمؤسسة الأمنية بالبحث عن الحلول الممكنة لحل المشاكل الناتجة، وضمان الإستمرارية القانونية لمستوطني الضفة الغربية، وذلك تخوفاً من سيناريوهات محتملة لا يتم فيها فعلياً تمرير مشروع القانون، إقترح “غانتس” خياراً بأن يصدر القائد العسكري الأعلى في الضفة الغربية مرسوماً لتطبيق الأجزاء ذات الصلة من القانون الجنائي والمدني “الإسرائيلي” على المستوطنين، وقد يشمل ذلك إجراءات مطالبة قائد المنطقة بإصدار أمر بتوسيع الضمان الإجتماعي للمستوطنين الذين يعيشون في الضفة الغربية.

لن تتوقّف التبعات القانونية عند حد حقوق المستوطنين، بل ستتوسع إلى جوانب أخرى، حيث أنّ نائبة المستشارة القضائية للحكومة الصهيونية أفيطال سومبولينسكي كانت قد أرسلت برسالة طارئة إلى وزارة العدل الصهيونية تشير فيها إلى أنّ انتهاء سريان القانون يعني أنّه لن تكون لدى “إسرائيل” صلاحية أن تحتجز في سجن “إسرائيلي” الذين أُدينوا بمخالفات في محكمة عسكرية بمن فيهم 3 آلاف و500 أسير فلسطيني، إذ يتوجّب على تل أبيب نقلهم إلى سجون داخل الضفة الغربية، كما سيؤثّر منع تجديد القانون في إمكانية محاكمة مستوطنين يسكنون في الضفة إثر مخالفات وجرائم ارتكبوها، وبذلك ينبغي محاكمتهم في محاكم عسكرية مثل الفلسطينيين، وبموجب القانون العسكري، ويجب سجنهم في سجون تقع داخل الضفة الغربية فقط.

في حال سقطت الحكومة الحالية قبل انتهاء مدة سريان الحكومة سيتم التجديد للقانون تلقائياً إلى حين التئام الائتلاف الجديد والتصويت على تمديده رسمياً

زعيم المعارضة الطامح للعودة إلى مقعد رئاسة الوزراء بنيامين نتنياهو سيحاول الإطاحة بالحكومة الحالية على قاعدة الذهاب إلى إئتلاف حكومي يميني جديد قبل الوصول لخيار حل الكنيست والذهاب إلى انتخابات جديدة، حيث يفاوض أعضاء الائتلاف الساعين إلى القفز من سفينة الحكومة الحالية الغارقة، وبشكل خاص عضو الكنيست نير أورباخ، ومن المهم الإشارة أنّه في حال سقطت الحكومة الحالية قبل انتهاء مدة سريان الحكومة سيتم التجديد للقانون تلقائياً إلى حين التئام الائتلاف الجديد والتصويت على تمديده رسميا.

ختاما، يبقى السيناريو الأكثر ترجيحاً أنّ المعارضة اليمينية لن تمنع تمديد القانون المؤيد للإستيطان، لكنّها ستسثمر كل الفرص في محاولات التصويت عليه لإضعاف حكومة بينيت الداعم بدوره للتوسّع الإستيطاني، من خلال إظهار أنّ تحالفه لا يمكنه تمرير مشروع قانون معتاد حول الحقوق الأساسية للمستوطنين في مستوطنات الضفة.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,