في ذكرى نزار بنات: “لو رحل صوتك ما بترحل حناجرنا”

التصنيفات : |
يونيو 29, 2022 6:55 ص

*أحمد الطناني – غزة:

مرّ عام كامل، على اغتيال المعارض الفلسطيني الحرّ نزار بنات، عام كامل لم تتوانَ قيادة السلطة وأجهزتها الأمنية عن التمادي بسلوكها القمعي تجاه الشعب الذي يعاني الأمرّين، احتلال، وتسلط وقمع.

لم تتحمّل الأذرع الأمنية للسلطة الفلسطينية الصوت الحرّ لنزار بنات، فأرادت إسكاته مرة واحدة وللأبد، ليسكتَ هو، ويكون عبرة لغيره، فتكون ضربة بهدفين، الأول آني، والثاني بعيد المدى، لتحسمَ كل هامش ظنّ بعض المعارضين أنّه موجود، وتتجاوز كل خط أحمر قد توهّم أحد أنّه قد يُشكّل رادعاً أخلاقياً أو قانونياً ليد البطش والقمع.

صحيح أنّ نزار قد قضى شهيداً وفاءً لكلمته وموقفه المعارض وقناعاته الوطنية والإصلاحية، وقد حقّقت منظومة القمع هدفها الآني بقتله، إلا أنّ الرياح لم تأتِ كما تشتهيها السفن بالهدف البعيد المدى، فقد فتح اغتيال نزار بنات الباب واسعاً أمام حركة معارضة نزلت إلى الشارع ورفعت صوتها برفض القتل والبطش، وحاملة شعار “كلنا نزار”، لتستمرَّ منظومة البطش في غيّها بقمع الحراك في محاولة لإسكات صوت المعارضة مرة وإلى الأبد.

تحت الضغط الجماهيري والإعلامي، تراجعت قيادة السلطة خطوة خجولة للوراء واعتقلت قتلة نزار بنات المباشرين (القوة الأمنية التي نفّذت الجريمة)، ليبدأَ مسلسل جديد من القتل البطيء للملف في محاكمة طويلة ومليئة بمحاولات الإلتفاف والتجاوز لحقّ الشهيد وعائلته، بل ومحاولات التشويه والإستهداف واستخدام سياسة العصا والجزرة مع عائلته للتنازل عن حقّه.

تزامن قرار إطلاق سراح قتلته، مع الذكرى الأولى لاغتياله، وكأنّ قيادة السلطة وأجهزتها الأمنية تريد أن تُرسل رسالة مضمونها (نعم نحن قتلناه، ولن نحاسب أحدا).

لم تتوقف الجريمة عند اغتيال نزار، ولا قمع الحراك المطالِب بمحاسبة قتلته، بل تمادت إلى محاولات الإغتيال المعنوي لعائلته، وملاحقة إسمه في كل بقعة وميدان، وليس انتهاءً باعتقال إبن عمه والشاهد الرئيسي في قضيته، ومنع فعالية إحياء ذكرى اغتياله الأولى، بل وحتى تهديد عائلته لمنعهم من الوصول إلى قبره مع الجماهير حسب ما كان مخططا، مما حدا بالعائلة إلى اتخاذ قرار بإلغاء النشاط منعاً لحقن الدماء.

ولكنّ إصرار منظومة القمع والبطش والإجرام على جريمتها لم يتوقف عند كل ما ذكرنا، بل تمادى بدون أدنى ذرة خجل من دماء نزار، ولا من آلاف الحناجر التي صدحت للمطالبة بمحاسبة قتلته، ولا بدموع أبنائه وعائلته، وصولاً إلى اتخاذ قرار بإطلاق سراح قتلته بكفالة تحت حجج واهية “إنتشار وباء كورونا في السجن”، حيث تزامن هذا القرار مع الذكرى الأولى لاغتياله، وكأنّ قيادة السلطة وأجهزتها الأمنية تريد أن تُرسل رسالة مضمونها (نعم نحن قتلناه، ولن نحاسب أحدا).

لم يعلم قتلة نزار بنات أنّ رحيله عن دنيا الأحياء، لن يُعدم الصوت والكلمة، لا صوت نزار، ولا صوت أبناء وأصدقاء ورفاق نزار، بل سيكون الصوت المعارض أعلى وأكبر في نقد منظومة القمع والقتل والبطش، في نقد منظومة التنسيق الأمني وملاحقة المقاومين والمعارضين، في نقد سلطة مهترئة لا حول لها ولا قوة إلا على أبناء شعبها.

تحوّل نزار إلى البصمة الحاضرة في كل عقاب للسلطة ومنظومتها الأمنية

لم تخلُ ساحة ولا تجمُّع ولا إنتخابات محلية أو نقابية أو طلابية من صور نزار وإسمه، بل تحوّل نزار إلى البصمة الحاضرة في كل عقاب للسلطة ومنظومتها الأمنية، فكل موقع هُزمت فيه منظومة السلطة وحزب السلطة، في كل انتخابات، كان نزار الحاضر الأبرز في المواد الإعلامية وفي خطاب المعارضين في هذه الإنتخابات أياً كان انتماؤهم، فنزار عابر للتنظيمات والأيديولوجيا، إسم نزار وصورته أضحيا صورة ورمز المعارضة الوطنية.

لربما راهن قادة السلطة وأجهزتها الأمنية على عامل الوقت لقتل ذكرى نزار، كما قتلوا نزار، إلا أنّهم لم يعوا الدرس جيدا، فشعبنا الفلسطيني لا يعرف قانون إسقاط الحقوق بالتقادم، ولا يقبل الضيم ولو بعد حين، ولن يقبل الأحرار أن يفلتَ قتلة نزار بفعلتهم وجريمتهم، فمن عذّب باسل الأعرج ورفاقه في السجون، وقتل نزار بالعتلات والهراوات، وحقّق مع آلاف المقاومين وعذّبهم، سيحاسبه الشعب حتما، ولو بعد حين، بشكل أو بآخر، فمن لم يحاسبه القضاء ولا منظومة القصاص، سيحاسبه الشعب في كل صندوق إنتخابات، وكل محطة تقيّمه، وكل فرصة ليقول (لا) كبيرة في وجه آلة القمع والبطش والهراوة.

كما لم يمُتْ ناجي العلي مع إنطلاق طلقات الغدر على رأسه، وأصبحت رسومه ومقولاته خالدة إلى يومنا هذا، لتبقَ تلاحق كل فاسد ومتنازل، ومنارة للأجيال، أيضاً لم ولن يموت نزار لا بالعتلة ولا بالهراوات، فكلمات نزار أصبحت خالدة وحاضرة في كل محفل، يستشهد بها العديد في كل سلوك للسلطة وللمنظومة الأمنية، فمنظومة القمع هي حتماً إلى زوال، والأحرار وأصحاب الكلمة هم خالدون لا تقتلهم أدوات البطش، بل تُخلّدهم عقول ووجدان الشعب الحي الوفي.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,