“الناتو الشرق – أوسطي”: لا عدوّ إلا فلسطين!

التصنيفات : |
يونيو 30, 2022 7:20 ص

*أحمد حسن

كل عمليات التدليس والتلبيس التي ترافق عملية توليد “الناتو الشرق – أوسطي” العتيد، وإن بمسمّى آخر، بهدف ردع الأعداء وتعزيز الدفاعات “عبر دمج دفاعات دول منطقة الشرق الأوسط اتجاه “الإعتداءات” الإيرانية، لا تستطيع أن تخفيَ الحقيقة الكامنة بين سطور أهدافه وتوجّهاته وآماله، والقائلة: “لا عدوّ للناتو”، وبالتالي للمنطقة وأمنها واستقرارها -بحسب تعريفه للأمن والإستقرار- إلا فلسطين، ومن آمن بها.. بنود مشروع إعلانه المطروحة أمام الكونغرس الأمريكي تكاد أن تفصح علناً عن ذلك.

وبالطبع، ليست هذه المرة الأولى التي يجري فيها الحديث عن “ناتو شرق – أوسطي”، لكنّها المرة الأولى التي يبدوَ فيها أقرب إلى التجسّد على أرض الواقع باعتباره أصبح، أو يكاد، بنداً أساسياً على جدول زيارة جو بايدن القادمة للمنطقة.

وبالطبع، أيضاً ليست هذه المرة الأولى التي يُعطى فيها الأردن قصب السبق في الإعلان عن تحوّل استراتيجي ما في المنطقة، فالملك الذي نال سابقاً شرف التحذير من “الهلال الشيعي” واقترح الرد عليه بـ”هلال سني” -في إطار خطة “تطييف” الصراع في المنطقة وجعله خلافاً على السماء لا الأرض- هو من مُنح اليوم حقّ التبشير بـ”بدر” الناتو الجديد الذي سيجمع بلاده مع الدول التي لديها التفكير نفسه، أي بكلام مباشر العدو نفسه.

إنّ الأردن، خاصة بعد توقيع “معاهدة التعاون الدفاعي” مع واشنطن، لا يمكن له سوى أن يكون فاعلاً في المشاريع الموجّهة ضد أعداء “إسرائيل” وواشنطن

واستطرادا، فإنّ الأردن، بجغرافيته السياسية الوظيفية وارتباطاته المعروفة، وخاصة بعد توقيع “معاهدة التعاون الدفاعي” مع واشنطن، وهو دفاع لا يُقصد به “إسرائيل” طبعا، لا يمكن له سوى أن يكون فاعلاً في المشاريع الموجّهة ضد أعداء “إسرائيل” وواشنطن. إستضافته لـ”غرفة الموك” ضد سوريا مثالاً لم يمر عليه الزمن بعد.

بيد أنّ بعض التدقيق السريع في الأمر وأسماء الدول المقترحة لدخول “جنّته” سيكشف عن حقائق عدة، أولها، أنّ الناتو الجديد يبدو كاستعادة جديدة لفكرة “إسرائيلية” قديمة لدمج التكنولوجيا “الإسرائيلية”، وهي هنا الجيش الحديث، مع المال/الرز الخليجي، واليد العاملة، إقرأ الدماء البشرية العربية، من فقراء الأردن ومصر وسواهما، أي أنّه يطمح رسمياً لوضع بعض أبناء إبراهيم ضد بعضهم الآخر، خدمة، بالمحصّلة النهائية، لـ”العم سام” ومخفره المتقدّم في المنطقة “إسرائيل”.

أما ثانيها، وهذا الأخطر، فإنّ بنود المشروع، بحسب نصّ المشروع المقدّم للكونغرس -كما تكشف صحيفة عربية- تتحدث أيضاً عن مواجهة الهجمات “التي تنفّذها مجموعات متشددة مدعومة من طهران”، وهذه الجملة تحديداً تفسّر الهدف الحقيقي منه، أمريكياً و”إسرائيليا” -باقي الدول لا يعنيها منه إلا حماية عروشها وسلالاتها الحاكمة-، إنّه فلسطين وقضيتها، في ما لا تُستهدف إيران إلا من هذه البوابة، أي إيران الثورة وفلسطين، بمعنى أنّ عودة حكم الشاه -كرمز لا حقيقة- ستجعل من طهران، حكما، طرفاً مؤسساً له، وكلنا يذكر “نادي السفاري” الشهير في خمسينيات القون الماضي بأطرافه، وأولها إيران الشاه، وأهدافه، وعملياته القذرة ضد أي حركة تحرر وطني في المنطقة وصولاً إلى إفريقيا ذاتها.

واشنطن تريد منح “إسرائيل” ودول المنطقة “وهم الناتو” للتخفيف من صدمتهم بعودتها الإضطرارية للإتفاق النووي مع إيران

بيد أنّ التوقيت يحمل أكثر من مفارقة، ويوحي بأكثر من هدف، لكنّه أيضاً يحمل بعض بذور فشل المشروع ذاته، فـ”إسرائيل” لا تريد منه سوى منحها مكانة الدولة الطبيعية في المنطقة، وهذا ما تحقّقه لها إتفاقات أبراهام مثلا، وواشنطن لا تطمح سوى للتخفّف من بعض حمولات المنطقة -تحضيراً لمعركتها الكبرى في الشرق- ورميها على ظهر “إسرائيل” ودول المنطقة ذاتها، ومنحهم، في الآن ذاته، “وهم الناتو” للتخفيف من صدمتهم بعودتها الإضطرارية -نتيجة تداعيات حرب أوكرنيا- للإتفاق النووي مع إيران، بيد أنّ المفارقة اللافتة هنا أنّ هذه الأخيرة، باعتبارها العدو المعلَن لـ”الناتو” العتيد، تستقبل هذه الأيام تحديدا، وبمباركة أمريكية -ولكن بمسعى أوروبي أولا، خوفاً من تداعيات حرب أوكرانيا ذاتها- مسؤول السياسة الخارجية الأوروبي جوزيب بوريل الذي يزورها للمرة الأولى بعد انقطاع طويل، لاستكشاف فرصة جدية لإنعاش “النووي” مع إدخال بعض التعديلات عليه!.

بقيامته المنتظرة ستُضطر بقية أطرافه للدفاع رسميا، بقواتهم العسكرية، عن أي تهديد لـ”إسرائيل”، أي أنّنا يمكن أن نشهد قوات سعودية وأردنية ومصرية تواجه الفلسطينيين في القدس أو غزة

واقعيا، هذا “الناتو” موجود ويمارس عمله منذ فترة ليست قليلة، لكنّ ولادته رسمياً معلّقة على تطورات خارجية عدة، دون أن يعنيَ ذلك إغفال الخطورة الكامنة في مجرد طرحه للعلن بما يعني إستعداد البعض لشقاق إقليمي جديد ولزمن عربي وفلسطيني أقسى وأصعب مما سبق، فبقيامته المنتظرة ستُضطر بقية أطرافه للدفاع رسميا، بقواتهم العسكرية، عن أي تهديد لـ”إسرائيل”، أي أنّنا يمكن أن نشهد قوات سعودية وأردنية ومصرية تواجه الفلسطينيين في القدس أو غزة مثلا، أو تواجه القوات السورية في ما لو قررت هذه الأخيرة، في يوم ما، إستعادة الجولان بالقوة!.

بالمحصّلة، وسواء تمّت الولادة أم لا، هذا زمن “الناتو” حيث لا عدو للمنطقة إلا فلسطين ومن آمن بها.. إذاً لمَ لا نكرم الجامعة العربية بدفنها؟!.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,