فلسطينيا، ماذا بعد زيارة بايدن؟

التصنيفات : |
يوليو 15, 2022 6:36 ص

*أحمد الطناني – غزة:

بات واضحاً للجميع أنّ زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى المنطقة بما فيها الأراضي الفلسطينية المحتلة، لها العديد من الأهداف والطموحات الأمريكية في المنطقة التي تحمل في جوهرها تحقيق مصالح الكيان الصهيوني، والحفاظ على المصالح الأمريكية في المنطقة وتلبية إحتياجاتها في وقت حرج تلقّت فيه هذه الإدارة العديد من الضربات وفشل العديد من المشاريع وهي مُقدمة على انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأمريكي وسط استطلاعات رأي تثبت تراجعه، وهو ما يؤكد حاجته لتحقيق إنجازات سريعة تعوّض حجم الفشل المتصاعد للإدارة الديمقراطية في البيت الأبيض، إلا أنّ الثابت الأساسي الواضح أنّ الملف الفلسطيني ليس أحدها ولا ضمن أولوياتها لا جوهرياً ولا حتى على صعيد خطوات مجاملة سياسية ملموسة.

إمدادات النفط والغاز وأمن الكيان الصهيوني جوهر الزيارة

المؤكد أنّ زيارة بايدن إلى المنطقة تحمل بُعدين رئيسيين: الأول، رفع مستوى إنتاج النفط والغاز من دول الخليج لتغطيَ النقص الناتج عن الحرب الروسية – الأوكرانية خصوصاً بعد الإهتزازات التي ضربت السوق العالمي وأثّرت على أسعار المحروقات بالعالم، والضرر المباشر الذي لحق بدول أوروبا والتي بدأ ينتج عنها أزمات داخلية متعددة قد تطيح بالعديد من الحكومات وبشكل خاص مع قرب فصل الشتاء الذي سيكون برده قارصاً ما لم يتم حل أزمة نقص المحروقات وإيجاد بدائل للنفط والغاز الروسي.

البُعد الثاني، هو ضمان أمن دولة الاحتلال، واستكمال دمجها بالمنطقة، ليس عبر تثبيت حضورها فقط في المحيط الشرق أوسطي، والعربي تحديدا، بل فعلياً هو العمل على تسييدها على هذا المحيط وتسليمها مفاتيح المنطقة في ضوء إعادة الإنتشار الأمريكي وتركيز جهود الإدارة الحالية على مواجهة الصين وروسيا، وهو ما يعني وجوب أن يكون “الإسرائيلي” هو القائد لمنظومة حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة في وجه النفوذ والتمدّد الإيراني وتوسّع محور المقاومة وتطوّر قدراته وبشكل خاص في شقّي التطور الصاروخي والطيران المُسيّر الذي بات يشكّل خطراً متنامياً على دولة الاحتلال ومصالحها، وعلى دول الخليج المنخرطة في حروب مباشرة مع أطراف هذا المحور (الحرب السعودية – الإمارتية في اليمن) والضربات التي تلقّتها المنشآت النفطية والإقتصادية السعودية والإماراتية من قبل الحوثيين.

هذا الحلف (الناتو الشرق أوسطي) هدفه الرئيس الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني، والمصالح الأمريكية في المنطقة، ونقل إتفاقيات التطبيع من حيّزها الحالي المتّسم بالبعدين الدبلوماسي والإقتصادي، إلى البعدين العسكري والأمني اللذين يضمنان التفوق الصهيوني في المنطقة

هذا الحلف (الناتو الشرق أوسطي) هدفه الرئيس الحفاظ على أمن الكيان الصهيوني، والمصالح الأمريكية في المنطقة، ونقل إتفاقيات التطبيع من حيّزها الحالي المتّسم بالبعدين الدبلوماسي والإقتصادي، إلى البعدين العسكري والأمني اللذين يضمنان التفوق الصهيوني في المنطقة وتزعّم الكيان لدول الشرق الأوسط من منطلق الإحتياجات الأمنية لحلفاء أمريكا وحاجتهم إلى تعاون إستخباراتي دفاعي في ضوء الهوس المتصاعد من الخطر الإيراني.

ذرّ للرماد الأمريكي في العيون الفلسطينية

بعيداً عن الإستغراق في التحليل للأهداف الأمريكية، والأمريكية – الصهيونية في المنطقة من هذه الزيارة، والعودة إلى المربع الفلسطيني وما تحمله هذه الزيارة للفلسطينيين، فإنّ الإدارة الأمريكية لم تحمل أي جديد يُذكر سوى الإنسجام مع رؤية حكومة الاحتلال المرتكزة على خيارات “تقليص الصراع” والمضي قدماً في الحلول الإقتصادية والتسهيلات على حساب أي حل سياسي ممكن، وهو ما تتبناه الإدارة الأمريكية التي تغلّف هذا التوجّه بأنّه يهيّئ الأجواء من أجل المضي في ما يُسمّى “حل الدولتين” في المستقبل، وهو فعلياً ما يعني المضي قدماً في صفقة القرن التي دشّنها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ولكن بصيَغ أكثر دبلوماسية وهدوء.

لم يتجاوز اللقاء الأمريكي مع رئيس السلطة الـ30 دقيقة، وهو لقاء بروتوكولي هدفه حفظ ماء وجه رئاسة السلطة لا أكثر ولا اقل، ودون أي أبعاد سياسية حقيقية

لم تحمل الإدارة الأمريكية أجوبة حول غالبية الوعود التي سبق أن قُدّمت لقيادة السلطة الفلسطينية، لا على صعيد فتح القنصلية الأمريكية في شرقي القدس المعنية بشؤون الفلسطينيين، ولا في استئناف الدعم الأمريكي للسلطة، واشتراط دعمها للأونروا باتفاق الإطار الذي يحمل شروطاً سياسية، ولا حتى في إعادة فتح المكتب التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وإزالتها عن قوائم الإرهاب الأمريكية.

لم يتجاوز اللقاء الأمريكي مع رئيس السلطة الـ30 دقيقة، وهو لقاء بروتوكولي هدفه حفظ ماء وجه رئاسة السلطة لا أكثر ولا اقل، ودون أي أبعاد سياسية حقيقية، لا في دفع ما يُسمى بـ”عملية السلام” في المنطقة، ولا بتحقيق مطالب السلطة الفلسطينية التي في جوهرها تهدف في أقصى طموحاتها إلى ضمان التراجع عن الخطوات التي اتخذها الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بحقّ الفلسطينيين.

المطلوب فلسطينياً بعد فشل الرهانات على الإدارة الامريكية

المطلوب اليوم أن تقف القيادة الرسمية الفلسطينية أمام مسؤولياتها وأن تغادر مربع الرهان على الإدارة الأمريكية وانتظار تحقّق إزاحة في موقف قادة حكومة الاحتلال الحالية أو المستقبلية، وهو ما يتطلب البدء السريع بلملمة شتات البيت الفلسطيني والعودة للتحصّن الحقيقي بالوحدة الوطنية الفلسطينية.

تستلزم الوحدة الوطنية الفلسطينية المنشودة الإتفاق فلسطينياً على شكل وطبيعة وأولويات المشروع الوطني الفلسطيني وأداوته الكفاحية النضالية، وإعادة الاعتبار لمنظمة التحرير باعتبارها مشروع تحرري وليس مشروعاً لسلطة حكم ذاتي لا حول لها ولا قوة ومقيّدة باتفاقيات هدفها الرئيسي الحفاظ على أمن الاحتلال بعيداً عن أي بُعد وطني تحرري حقيقي.

 من غير المقبول إستمرار القيادة المتنفّذة في الرهانات الخاسرة على التغيّر في الموقفين الأمريكي والصهيوني والعودة لدائرة المفاوضات العقيمة، فحجم التحديات الماثلة أمام المشروع الوطني الفلسطيني ومخططات التصفية كبيرة جداً وتتطلب قيادة بحجم ما تحتاجه المرحلة من تضحية واقتدار، تتوحّد خلفها كل مكونات الشعب الفلسطيني للنهوض والدفاع عن قضيته بكل ثوابتها وفي مقدّمتها القدس التي تعاني الإستهداف اليومي الهادف لتقسيمها زمانياً ومكانيا، وقضية اللاجئين التي تتعرض لخطر التصفية المباشرة عبر القضاء على المخيّمات بما تشكّله من رمزية، ومحاولات تصفية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “الأونروا” بما تمثّله كشاهد على قضية اللجوء الفلسطيني، ورشوة باقي الشعب الفلسطيني بتسهيلات إقتصادية وحياتية هادفة لتحييدهم وإخراجهم من دائرة المواجهة والإشتباك اليومي.

إن استمرار القيادة الرسمية في حبس نفسها في دائرة “الإنتظارية السلبية” والرهان على تغييرات قادمة سواء على صعيد السياسة الأمريكية الحالية، أو انتظار نتائج الإنتخابات الجديدة في دولة الاحتلال بهدف البحث عن “الشريك المفترض”، كل ذلك يشكّل إيذاناً حقيقياً باستمرار مخططات التصفية المتصاعدة للقضية الفلسطينية وشواهدها الكبرى، وشرعنة بالصمت والتواطئ لتبديد كل ثوابت الشعب الفلسطيني.

المطلوب اليوم من القوى الفلسطينية ممارسة أقصى ضغط ممكن لاستعادة البيت الفلسطيني الجامع (منظمة التحرير الفلسطينية)، وإعادتها لموقعها الطبيعي، وإيقاف مسلسل التفرد والهيمنة، لتشكيل قيادة وحدوية قادرة على استنهاض القدرات الكبرى الكامنة لدى الشعب الفلسطيني في مخيّمات الشتات والأراضي الفلسطينية على امتدادها من النهر إلى البحر بما يشمل المشاركة الفاعلة للفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1948 في النضال الوطني على قاعدة تكامل ساحات الفعل الفلسطيني سياسياً وكفاحيا.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,