تمكين العائلات الفلسطينية.. حماية للاجئين وللبلد المضيف.

التصنيفات : |
يوليو 18, 2022 8:06 ص

*وسام عبد الله

في ظل الأزمة الإقتصادية التي تعاني منها البلاد وآثار وباء كورونا، ومع تشريعات لا تمنح حقّ العمل في العديد من المهن، تصبح العائلة حاضنة  لمنع تدهور الأوضاع الأخلاقية قبل المادية، وتشكّل فرصة لإعادة تمكين أفرادها وليس فقط دعمهم بالمساعدات المحدودة.

نوعية المشاريع

تؤمّن الدورات التدريبية والتوعوية أساساً مهماً لتطوير القدرات لدى المستفيدين في الجلسات، ولكنّ التحدي يبقى في المراحل اللاحقة، كيف تنفّذ على أرض الواقع ويكون لها نتائج ملموسة وخاصة على  الصعيد المادي. في البداية، الحاجة إلى مشاريع توجّه الشباب نحو ذواتهم وعائلاتهم هو أمر محوري، كونه يساهم في منع انحرافهم نحو السلوكيات غير القانونية، وتنمية القدرات يوازيه التعدّد في المواهب الفكرية والعملية، فنصبح أمام جماعة متنوعة في أفكارها، لنكون بذلك قد أسّسنا لحالة فكرية بعيدة عن التطرّف، واشتغلنا على تطوير الإمكانيات المهنية والأكاديمية المتواضعة.

إنّ تنمية قدرات اللاجئين تصبح مع الوقت قاعدة بيانات ضخمة، من الضروري أن تتحوّل من مجرد أرقام وأسماء مهمتها فقط طلب المساعدات والمعونات، إلى آلية تواصل وتشبيك لبناء مشاريع تجارية وإقتصادية، تنطلق من الواقع نحو تصورات مستقبلية تؤمّن للأسر الفقيرة ضرورات العيش. فأي نوع من المشاريع نحتاج إليها؟

نحن بحاجة لمفهوم الوحدات العائلية الصغيرة التي تساعد وترفد بعضها البعض بالإمكانيات، والتي قد تنوجد بطريقة عفوية وما تحتاجه فقط هو تنظيم واضح لاستثمارها بطريقة صحيحة

حين نتحدث عن مشاريع لدعم وتمكين النساء، يكون التوجّه فوراً نحو ورشات تعليم الخياطة، وهو أمر مهم كونها مهنة تحتاجها المرأة حتى في يومياتها، إنّما الفجوة تتلخّص بحصر النساء ضمن مجموعة مشاريع أصبحت صفة مرتبطة بالمنظمات التي تقوم بتنفيذها. قد يأتي الرد بأنّ بيئة المخيّمات، من أماكن السكن والعمل، لا تسمح بتأسيس مشاريع كبيرة، كون البنية التحتية معدومة. وهو توصيف دقيق، لكنّ بيئة الأعمال التجارية المرتبطة بالعائلات تكون مختلفة بعض الشيء عن المشاريع الإقتصادية. فنحن بحاجة لمفهوم الوحدات العائلية الصغيرة التي تساعد وترفد بعضها البعض بالإمكانيات، والتي قد تنوجد بطريقة عفوية وما تحتاجه فقط هو تنظيم واضح لاستثمارها بطريقة صحيحة.

لو امتلك الفلسطيني القدرات المادية التي تمكّنه من بناء منشآت صناعية، حينها لا يصبح مهدِّداً للديمغرافيا ولا يأخذ من درب العمالة اللبنانية، أما حين يكون بسيطاً في مدخراته المالية، تُطبَّق عليه قوانين العمل، وهنا تصبح الحاجة إلى سوق لبيع المنتجات والخدمات، فيكون الشريك اللبناني هو المساهم، من ناحية التملّك والقدرة على الشراء والبيع وحتى الإستيراد والتصدير. وهو بطبيعة الحال يحتاج إلى اتفاق بين الطرفين يؤمّن لكل منهما حقّه، فلا يستغل أي طرف الآخر.

العائلة نواة الإقتصاد

إنّ تحديد الروابط التنموية التي تساهم في دعم العائلات، تساعد أيضاً في تنظيمها لحل التحديات، فالرياضة تشكّل مساحة لتوجيه الطاقات الشبابية وربط الناس بالمجتمعات المختلفة، ودروس اللغة الأجنبية توسّع آفاق التواصل والإتصال بين اللاجئين والخارج، وتظهير التراث الفلسطيني من خلال تحويله إلى جزء من مهارات سبل العيش والتماسك المجتمعي إنّما تشكّل فرصة هامة للإعتماد على الذات إقتصادياً والتعارف مع الجيران. إنّ الأميّة تبقى العائق الكبير، حتى قبل إجحاف القوانين، فالأطفال هم بحاجة إلى التعليم الأساسي ليتمكنوا من بناء مستقبل يعتمد على خلق فرص وخيارات عمل أوسع، فهنا تكون الدورات التعليمية أحد الروافد الإقتصادية، بين المدرّس والطالب، بشكل لا يلغي دور المؤسسات التعليمية.

حين طُرد الفلسطيني من بلاده، أُجبر على ترك ممتلكاته وأرضه، ولكن ليس مهاراته ومعارفه وحبّه للتعلّم، فنحن أمام إرث ثقافي وإجتماعي يسمح بالعيش والإنتاج

حين طُرد الفلسطيني من بلاده، أُجبر على ترك ممتلكاته وأرضه، ولكن ليس مهاراته ومعارفه وحبّه للتعلّم، فنحن أمام إرث ثقافي وإجتماعي يسمح بالعيش والإنتاج، بمساعدة اللاجئين لأنفسهم والمساهمة بتنمية الدولة المضيفة لهم. فهم يحتاجون إلى التمكين، ودورهم في تعليم مجتمعهم وتنمية قدراتهم يتجاوز دور معظم المنظمات، أي أنّهم يملكون التوصيف للتحديات والفرص، وهم ليسوا بحاجة إلى التعريف بأهمية بناء المبادرات والمشاريع، فهم السبّاقون إليها، ولكن هم بحاجة للإعتراف بهم وبقدراتهم وإعطائهم الدعم الذي يستحقّونه، حينها يكون الخير والعطاء متبادلاً بين اللاجئ وعائلته والمجتمع المضيف.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , ,