هل يغتنم الفلسطينيون لحظة “الوكالة اليهودية”؟

التصنيفات : |
يوليو 27, 2022 7:28 ص

*أحمد حسن

بالطبع لا تتعلق الدعوى القضائية التي أقامتها السلطات الروسية، ممثلة بوزارة العدل، ضد “الوكالة اليهودية” في موسكو مطالبة بإغلاقها، بتضامن عملي، متأخر، مع فلسطين، وبالأحرى ليست، إذا، خطوة على طريق تحريرها، أو البدء، كأضعف الإيمان، بالضغط الفعلي لتطبيق القرارات الدولية الصادرة بشأنها، فالإجراء الروسي ضد “الوكالة” جاء (وبعيداً عمّا قيل رسمياً إنّه جاء على خلفية “جمعها معلومات بشكل غير قانوني عن المواطنين الروس” فهذا يحصل علناً ومنذ تأسيسها) كرد فعل أولي على المواقف “الإسرائيلية” التصعيدية ضد روسيا في حربها الأوكرانية/الغربية، وبالتالي علينا أن نتوقع التراجع عنه، أو تجميده على الأقل، في ظل تقاربهما مرة جديدة.

بيد أنّ ذلك لا يعني أنّ ما يحصل على خط موسكو- تل أبيب ليس أمراً لافتا، وبالتالي يمكن له، في ظل الإستقطاب الدولي الحاد، أن يوفر فرصة جديّة للفلسطينيين لاغتنامها والبناء عليها بما يفيد قضيتهم، خاصة أنّ بعض مندرجات القرار الإتهامي الروسي تتحدث عن سعي الوكالة “إلى وضع خطط لنقل عدد من رجال الأعمال منشآتهم إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة”، وبالطبع هذا يجري لمصلحة الإسرائيلي -وخططه التهويدية الإستيطانية- لا الفلسطيني، وهذا دافع إضافي للفلسطينيين كي يتحركوا.

عمل “بوتين” لسنوات طويلة على بناء علاقات وثيقة مع “إسرائيل” والجالية اليهودية في بلاده، و”نظّم” معها اعتداءاتها على سوريا بما يناسب مصالحهما معا، وبالتحديد فإنّ هذه “الحميمية السابقة” والإنقلاب الحالي عليها هي من يؤكد لنا “مفصلية” هذه الخطوة الروسية الأخيرة

ولكنّ الدافع الأهم للفلسطينيين يجب أن ينطلق من خلفية الإدراك الروسي الرسمي والشعبي كما الإدراك الدولي العام لمفصلية هذه الحرب بالنسبة لروسيا وللعالم بأسره، وبالتالي لحقيقة أنّ تحرّك حكومتها ضد “الوكالة اليهودية” يحدث، كما وصفه أحدهم، “وسط تحوّل سريع في الجغرافيا السياسية لبوتين وفي المشهد السياسي المحلي”، خاصة وأنّ الرجل، عمل لسنوات طويلة على بناء علاقات وثيقة مع “إسرائيل” والجالية اليهودية في بلاده، ووقف خلف “بناء متحف يهودي في موسكو واستضاف بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، كضيف شرف في موكب يوم النصر في الحرب العالمية الثانية في موسكو عام 2018″، بل و”نظّم” معها اعتداءاتها على سوريا بما يناسب مصالحهما معا، وبالتحديد فإنّ هذه “الحميمية السابقة” والإنقلاب الحالي عليها هي من يؤكد لنا “مفصلية” هذه الخطوة الروسية الأخيرة.

بهذا المعنى يمكن القول، إنّ ما يحدث يقدّم فرصة كبرى يمكن، ويجب على، فلسطين الإستفادة منها خاصة بعد فشل الرهان، البائس، على “بايدن” وهو ما عبّر عنه بدقة، وخيبة أمل واضحة، الرئيس محمود عباس حين وصف نتيجة الإجتماع الأخير بينه وبين الرئيس الأمريكي بأنّها كانت “صفراً كبيرا”، ولم تحقّق للفلسطينيين أيّ شيء، مستغربا، حسب ما نقل كاتب عربي عن دوائره المقربّة، “أنّه لم يستطع أن يحصل من الضيف الأمريكي على جملةٍ واحدة يسوّق من خلالها أنّ هناك تقدُّماً في الملف السياسي، وملف المفاوضات مع الاحتلال”، في الوقت ذاته الذي أعاد فيه رأس الدبلوماسية الروسية، وزير الخارجية سيرغي لافروف، وضع القضية الفلسطينية على الطاولة الدولية من على منبر الجامعة العربية حين قال: “نريد أن نحيي إتفاق القدس (إتفاق أقرته اللجنة الرباعية الدولية الخاصة بالقضية الفلسطينية) وحلّ الأزمة الفلسطينية”.

بيد أنّ هذا “الإغتنام” لم يحدث حتى الآن، ويبدو أنّه لن يحدث قريبا، فالفلسطينيون، سلطة وفصائل، لا يبدو أنهّم في وارد استغلال ما يحصل، لأسباب مختلفة..

وبالتأكيد، فإنّ هذا الطرح الروسي يمكن قراءته ككلام دبلوماسي معتاد، إنطلاقاً من موقع ومكان “قوله”، وهو، بالتأكيد أيضا، قيل خدمة لمصلحة الروس الوطنية، وهذا أمر لا نقاش فيه، لكنّ المهم الآن في ظل هذه اللحظة الدولية الحرجة أن نحاول اغتنامه لمصلحتنا، وذلك هو ألف باء السياسة وعلى الأقل على مبدأ عدو عدوي صديقي.

بيد أنّ هذا “الإغتنام” لم يحدث حتى الآن، ويبدو أنّه لن يحدث قريبا، فالفلسطينيون، سلطة وفصائل، لا يبدو أنهّم في وارد استغلال ما يحصل، لأسباب مختلفة، يتعلق بعضها، بالنسبة للفصائل، بتعقيدات تنظيمية و”مناكفات” داخلية وارتباطات إقليمية خارجية تجعل من حراكها، وبصورة دائمة وخطيرة، حراكاً فصائلياً جزئياً لا وطنياً جامعا، وتمنع بالتالي انفتاحها الكامل على موسكو أو بكين مثلا، ويتعلق بعضها الآخر، بالنسبة لسلطة رام الله، من ارتباط هذه الأخيرة الكامل بالمركب الأمريكي بحجة دوافع “الواقعية السياسية” وفرضية الـ”99%” من الأوراق الساداتية الشهيرة، والتي، وإن منحتها سلطةً ما عبر “أوسلو” إلا أنّها -وذلك هو هدف أوسلو الحقيقي- “كبّلتها” أيضاً بها وبمكاسبها، ما أدى بالسلطة إلى الإكتفاء بالسير على خطين أساسيين: أولهما، الإستمرار بتغذية “وهم التسوية” الأمريكي الطابع لأنّ التراجع عن “أوسلو” سوف يفقدها امتياز السلطة وامتيازاتها المعروفة، والثاني، وهو تابع للأول، الإستناد إلى الطرف العربي التاجر والبائع والمطبّع الذي يمنعها بأمواله أحياناً من الخروج عن هذا الطريق.

محصّلة القول، هذه فرصة ونافذة دولية يفتحها تغيّر “الظروف وتبدّل المواقف والتموضعات والمصالح، التي تبدو سيّالة جداً في زمن المتغيّرات وتَشكّل الكتل والأحلاف الدولية”، وبالطبع فإنّ من واجب أي سلطة وطنية في أي بقعة من بِقاع العالم أن تسعى لاستغلالها، فكيف بشعب يرزح تحت احتلال غاشم ويرى في الآن ذاته أنّ علاقة المحتل بدولة كبرى تمرّ بمنعطف قد يكون تأثيره خطيراً على علاقاتهما كما قال رئيس الوزراء الإسرائيلي ذاته؟!.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,