مائة عام على صك الإنتداب على فلسطين.. بين محاكمة الأخطاء القانونية والعدالة للفلسطينيين

التصنيفات : |
أغسطس 3, 2022 7:06 ص

*رامي سلّوم

أطلقت الرابطة السورية للأمم المتحدة وعدد من الجمعيات والمنظمات دعوات واسعة لعدم تمرير ذكرى مئة عام على صك الإنتداب على فلسطين (24/7/1920 – 24/7/2022) من دون تسجيل موقف حاسم، وتحويله إلى تظاهرة عالمية لنقد ثلاث مخالفات أساسية في صك الإنتداب واستخلاص اعتذار أممي عن وعد بلفور المشؤوم (1917).

وتذكر الدعوات، التي حُظيت ببعض الإستجابة، كل دولة شاركت في هذا الصك بأنّ جريمتها لن تمرّ بمرور الزمن وأنّها شريكة في كل نقطة دم سُفكت على أرض فلسطين، وأنّ قضية فلسطين لن تسقط بالتقادم، وعلى الرغم من تحقيق الدعوة إستجابة من فعاليات عربية وفلسطينية خلال إحيائها الذكرى الشهر الماضي، غير أنّها لم ترقَ إلى فرض أمر واقع يُحرج المجتمع الدولي ويضعه أمام التزاماته لفرض مراجعة دولية شاملة لمائة عام على صك الإنتداب، وتسجيل الأخطاء في القواعد والممارسات التي أدّت إلى تهجير نصف الشعب الفلسطيني وبقاء النصف الآخر يعاني من أشكال العنصرية والهمجية الإسرائيلية، وهو ما يشكّل بعداً سياسياً هاماً في المواجهة الدولية، مع استمرار المواجهة الحقيقية على الأرض، والتي تفرضها آلة القتل الإسرائيلية التي لا تلتزم بأي قرار دولي، حيث من المطلوب أن يعرف كل من وقع على هذا الصك العنصري تداعيات جريمته المستمرة.

مائة عام من الهمجية

ووفقاً للرابطة السورية، فإنّ مراجعة مائة عام من تعامل المجتمع الدولي مع شعب فلسطين  هي وقفة قانونية وسياسية وإنسانية بعد قرنٍ على إقرار وعد بلفور من قِبل عصبة الأمم -الذي يُعتبر الجريمة الكبرى والرئيسية بحقّ الشعب الفلسطيني- والتي حوّلت وعد بلفور إلى مشروع ملزِم لأعضاء العصبة الأممية وقتها.

ويتحدث المعنيون بالدعوة عن أنّ المرحلة الزمنية من عام 1920 إلى 1930 كانت مرحلة  إنتدابات بشكل عام، غير أنّ الإنتداب على فلسطين كان مختلفاً ومخيفاً لأنّه تضمّن جريمة وعد بلفور اللاقانوني، والذي أصبح جزءاً من القانون الدولي الملزِم بمساعٍ بريطانية، بحيث أصبحت كل دولة لا تعمل على تحقيق وعد بلفور تُعتبر خارجة عن قانون عصبة الأمم وقتها، لافتين إلى مخالفات كبرى لأصل صكوك الإنتداب وغايتها.

إنّ لأي شعب في أي بلد الحقّ في اختيار الدولة التي يرغب في انتدابها عليه خلال المرحلة الزمنية، وتغييرها في أي وقت، وهو الأمر الذي لم يحصل أبداً في أي دولة عربية، ومنها فلسطين.

المخالفات القانونية الثلاث

وتُعدّ صيغة “صك الإنتداب” وفقاً للقانونيين تجربة أساسها جنوب إفريقيا، قامت على مبدأ مساعدة الشعوب على بناء دولها، ضمن العديد من الأطر القانونية التي تضبط التجربة والتي لم يتم تطبيق أياً منها فعليا، حيث تضمّنت قواعد “صك الإنتداب” أسساً أهمها، أنّ لأي شعب في أي بلد الحقّ في اختيار الدولة التي يرغب في انتدابها عليه خلال المرحلة الزمنية، وتغييرها في أي وقت، وهو الأمر الذي لم يحصل أبداً في أي دولة عربية، ومنها فلسطين، والتي تُعتبر المخالفة الأولى لقواعد صكوك الإنتداب.

كما أشار القانونيون إلى أنّ النص الثاني من الإنتداب كان تشريعه لصالح الشعب في البلد الذي يتم الإنتداب عليه، أما في فلسطين فجرى تشريع الإنتداب لصالح شعب يتم جلبه من الخارج على حساب الشعب الأصلي، الأمر الذي يخالف الغاية الأساسية والهدف من إقرار تجربة الإنتداب في أساسها القانوني، والتي تُعتبر المخالفة الثانية. 

أما المخالفة الثالثة والجريمة الحقيقية فهي تضمُّن صك الإنتداب على فلسطين نصاً بعودة اليهود إلى فلسطين وهي فكرة دينية يهودية تمّ إقحامها في ورقة سياسية مدنية، كما تُعدّ تشجيعاً لطائفة ودين وعرق على أخرى، وهو الأمر الذي يُعتبر خارج المواثيق الدولية، وفقاً للقانونيين والذين اعتبروا أنّ كل تلك الأسباب والمخالفات تُعتبر مطاعن قانونية لا بد من العمل على مراجعتها وإقرارها وصدور إعتذارات رسمية من الدول التي مارست تلك المنهجية المنحرفة وأدّت إلى تشريد شعب كامل يعاني الموت والقهر والظلم والعنصرية منذ سنوات.

ويؤكد أصحاب الدعوة أهمية العمل على بناء المسارات الحقيقية للقضية، فالواقع الدولي متحوّل ومتبدّل وستكون هناك فرصة لاستعادة الحقوق في وقت ما طالما أنّها في صدارة المطالبات والواجهة السياسية والشعبية.

وأقرّ عدد من المعنيين بالدعوة لموقع “صمود” بأنّ الواقع الراهن قد لا يشكّل بيئة إيجابية لتطبيق القرارات والقواعد غير أنّها تبقى توثيقاً سياسياً لمرحلة دولية ستكون مفصلية في تأمين واستعادة الحقوق، ولا بد من استمرار العمل والتذكير بالقضية الفلسطينية والجريمة الكبرى التي افتعلتها عصبة الأمم

الحراك السوري

وأقرّ عدد من المعنيين بالدعوة لموقع “صمود” بأنّ الواقع الراهن قد لا يشكّل بيئة إيجابية لتطبيق القرارات والقواعد غير أنّها تبقى توثيقاً سياسياً لمرحلة دولية ستكون مفصلية في تأمين واستعادة الحقوق، ولا بد من استمرار العمل والتذكير بالقضية الفلسطينية والجريمة الكبرى التي افتعلتها عصبة الأمم، والتي تفوق وعد بلفور إجراما، ألا وهي إقرار هذا الوعد في عصبة الأمم نفسها ليكون ملزِماً لجميع الأطراف في المجتمع الدولي وقتها، والذي لم تتواجد أية دولة عربية في اجتماعاته كونها جميعها كانت تحت الإنتداب.

وأكد المعنيون أنّ الرابطة السورية تعمل على فتح مناقشة صك الإنتداب على مستوى دولي خصوصاً أنّه لم تتم مناقشته فعلياً حتى اليوم، لافتين إلى أهمية حشر الكيان الصهيوني وفضحه، خاصة أنّ ردود فعل هذا الكيان واستماتته لإغلاق الملفات الدولية التي تلاحقه واستماتة رُعاته الدوليين يوضح الفاعلية الحقيقية لمثل هذه القرارات حتى ولو لم تكن فاعلية آنية سريعة.

“قد يكون تاريخنا مشرّفاً لنا غير أنّه ليس مشرّفاً للكثير من الدول في العالم”

(جاك سترو)

وأشار أصحاب الدعوة إلى وجود العديد من الروابط والفعاليات التي تعمل على دعم القضية الفلسطينية لكنّ غالبيتها لا تُفضي إلى نهايات جدية للعديد من الأسباب، ولذلك لا بد من العمل المنهجي الذي ينتهي إلى تحقيق نتائج حقيقية، مشيرين إلى أنّ حوادث بسيطة لا تزيد عن كونها مقالات في صحيفة تمّ استثمارها بالشكل الأمثل والعمل عليها بأساليب منهجية حقّقت مكاسب كبرى ومنها مقال عن الإعتذار لفلسطين بعد إعتذار بلجيكا من الكونغوليين عن الظلم الذي وقع عليهم خلال الاحتلال والذي تمّ ربطه بالحالة الفلسطينية، ما دعا وزير خارجية بريطانيا جاك سترو للإعتذار من الشعب الفلسطيني في 2/10/2002، تحت مُسمّى “الإقرار بالذنب” عن وعد بلفور والممارسات البريطانية، بقوله: “قد يكون تاريخنا مشرّفاً لنا غير أنّه ليس مشرّفاً للكثير من الدول في العالم”، ما دعا رئيس وزراء بريطانيا في وقتها توني بلير إلى الإنسحاب من الإعتذار واعتباره تصرفاً شخصياً بعد أن تناقلته وسائل الإعلام العالمية.

يأمل أصحاب الدعوة بأن تكون الذكرى المئوية لإقرار نظام الإنتداب في 24/7/2022 وبعدها، نقطة مفصلية في مواجهة المشروع الإستيطاني الصهيوني

كل ذلك يقود وفقاً للمعنيين لأهمية استغلال الفرص السياسية والبناء على تراكم القرارات الدولية وعدم ترك الجريمة بحقّ الفلسطينيين تمرّ أمام المجتمع الدولي، مؤكدين على أنّ مئوية صك الإنتداب لا بد أن تكون أبعد أثراً دوليا: “أردنا أن تكون أبعد من العمل الداخلي في دمشق من خلال شحذ الهمم والتأكيد والدعم والتعزيز، وبدأنا منذ 19/4/2020 بمطالبة الأمين العام للأمم المتحدة بإجراء مراجعة لمائة عام من المصادقة على وعد بلفور، وهي الرسالة التي نعيد إرسالها في كل عام للتذكير بالجريمة، وأنّه بعد قرنٍ ونتيجة للقرارات الدولية بات نصف الشعب الفلسطيني خارج أرضه والنصف الثاني يعاني العنصرية”.

ويأمل أصحاب الدعوة بأن تكون الذكرى المئوية لإقرار نظام الإنتداب في 24/7/2022 وبعدها، نقطة مفصلية في مواجهة المشروع الإستيطاني الصهيوني، لافتين إلى أهمية إنشاء مركز دراسات بحثية حول مواجهة الاستعمار الإستيطاني.

ويواجه الشعب الفلسطيني أصعب مرحلة تاريخية بفعل التراجع العربي الواضح في المطالبة بحقوق الفلسطينيين ولهثهم وراء التطبيع مع العدو الإسرائيلي، واختلال كبير في البصيرة الأممية، الأمر الذي يواجهه الفلسطينيون كالعادة بالصدور العارية، ويقفون وحدهم في مواجهة آلة القتل والإجرام التي لا تلتزم بأي معيار إنساني أو دولي وتتجاهل القرارات الأممية لعدم جديتها وتدّعي الإنسانية لإخفاء حقيقتها الدموية القذرة.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , ,