عن الجوهر الأبعد للنور!

التصنيفات : |
أغسطس 15, 2022 7:09 ص

*بسّام جميل

يشدّنا إلى البلاد، ما يشدّنا إلى النور الإلهي، فهذا الشوق لها، ما هو إلا طريق إليه. ونعرف كيف نقرأ تاريخنا الحاضر، لا من خلال النكسات وخيانات تجهد للنيل من ثقتنا وصمودنا، بل عبر هذه الوجوه المضيئة العابرة بنا إلى المعنى المتجلّي في الشهادة ونواصيها.

ليس أنّ إبراهيم النابلسي قد فعل ما عجز عنه باقي أبناء هذه الأرض، بل لأنّ رسائل الشهداء وكلماتهم الأخيرة، تعم، ومحال أن تتأخر في الوصول بيننا. ننظر إليهم -الشهداء- على أنّهم بأسمائهم، حجة لنا وعلينا، فكيف بتلك الأم الصابرة أن تزفّ ابنها وتحمل نعشه، ولا تُزفّ لها بشرى الرؤيا، رفعة المقام الأبدي لهذا العرس السماوي.

تأخرتُ في كتابة هذه السطور، ولم أستطع أن أشارك هذا الكم الهائل من الصور والعبارات المتفاخرة بهذا الشاب على وسائل التواصل الإجتماعي، لكنّني أخذت أفكر في مفرداته وعبارات والدته التي ينشرها الإعلام، كأن تخبرنا هي عن الفرق بين مُطارِد و مُطارَد، في حين أنّه لم يبلغ ربيعه العشرين، وأمضى قرابة ثلاث سنوات، يرصد فيها عدوه ويذيقه الرعب.

يتخلل كل هذا، نظرة فتى صغير، يراقب هذا الجبل وهو يعبر في مسيرة أو جنازة لشهيد، يحمل سلاحه على كتفه، ويرمي بنظراته إلى الأمام، تماماً كما يريد لهذه البوصلة أن تكون، وللقدوة أن تمضي إليه.

يدركون معنى أن لا تكون الراية قطعة قماش، بل فعل إدهاش ونصر يُختصر بمعركة ضارية بين مئات الجنود وفدائيٍّ وحيد، يظنّون أنّهم بأسلحتهم وطائراتهم يحاصرونه، لكنّه يحاصر معناهم، وجودهم، تاريخهم الملفّق، بل وما يظنّون أنّه مستقبلهم في فلسطين.

لا ينظر الفتى إلا لقدوته الحية، لشهيد تختال الأرض بخطوه عليها، فيعرف الرائي أنّ لدى هذا الشعب، المزيد من الدروس والعبرات، فهي حية ويومية في وجوه شباب يعرفون جيداً هذه الأرض الطيبة، ويدركون معنى أن لا تكون الراية قطعة قماش، بل فعل إدهاش ونصر يُختصر بمعركة ضارية بين مئات الجنود وفدائيٍّ وحيد، يظنّون أنّهم بأسلحتهم وطائراتهم يحاصرونه، لكنّه يحاصر معناهم، وجودهم، تاريخهم الملفّق، بل وما يظنّون أنّه مستقبلهم في فلسطين.

هكذا يكون الفعل، راية تدوم، تدل، تدرك، وتُثار بها زوابع الرعب في قلوب الأعداء.

لم تنتهِ صفحة هذه البلاد، ولن تنتهي، فقافلة الشهداء مستمرة حتى نيل عصمة التحرير لكامل الأرض ولكل إنسان فلسطيني/ عربي عليها.

يحذّرنا إبراهيم من كثرة الخونة والجواسيس، يعلنها صراحة، أنّنا قادرون على هزيمة العدو، ولا نحتاج لأكثر من حصار هؤلاء، الذين يتمثّلون الوطنية، ويغدرون بها، يقودون الهوية/ المعنى إلى ظلال الذئاب، وهم، بيننا، في كل مكان، لا في مناصب قيادية فحسب، بل في أبسط المراكز، ليتحكّموا بكل شيء، لينالوا من كل شيء.

يدلّنا الشهيد على طريقته، في وصيته: “لا تتركوا السلاح ولا تأمنوا غدر “الرفاق””، إذا ما صحّ لي أن أستخدم هذا المسمى لبعض العملاء!.

هل من بديل آخر؟ وهل أنجز التنسيق الأمني مهمته لوأد هذا الإنبعاث في دم الضرورة القصوى، والدفاع المقدس؟!.

لا، ولن يستطيع، لأنّنا سنسمع عن معارك جديدة، وسنكون جزءاً من أخرى قادمة، تلوح في الأفق القريب، وسننصت جيداً لهيبة الصمت قبل ارتعاش البنادق الملتهبة، وننظر صوب اليمين، صوب اليسار، لنحذرَ التخلّي، التراجع وانهزام “وحدة الساحات”!

يدرك هذا الشعب أنّ المقاومة فعل انتصار للنفس أولا، وعليه، فإنّ انتظار النصر من كتف ليست في جسدك، لا يعوّل عليه، وأنّ الغدر الذي نالنا في كل مرحلة، يعلّمنا أن لا نأمن لظلنا في عتمة هذه الفورة التكنولوجية العسكرية التي يفاخر بها عدونا.

الإنتصار في هذا المشهد هو التالي:

الذئاب المنفردة تُربك الجيوش، فلا تدع أثراً لأي خذلان من أحد، وليكن فعلنا عاجلاً دون انتظار.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , ,