الرؤية المشتركة لمستقبل اللبنانيين والفلسطينيين حاجة وضرورة في بلد الأزمات المتصاعدة

التصنيفات : |
أغسطس 20, 2022 8:05 ص

*وسام عبد الله

قد نمتلك الثقافة لتحليل الأحداث التاريخية، وتوصيف أسبابها بحسب وجهة نظرنا، ولكن نفقد القدرة على قراءة الغد، فنحن عاجزون عن وضع رؤية للمستقبل، ونختصرها بعناوين جذابة، تُفرّغ من محتواها بمجرد محاولة تنفيذها، فهل يستطيع اللبناني والفلسطيني وضع تصوّر للأيام المقبلة على مختلف المستويات؟.

التحرّر من الماضي.. أم التصالح معه؟

إحداث قطيعة بين الإنسان وتاريخ بيئته، على المستوى الفردي يتمّ تحقيقه وتحديده بشكل واضح، ويمكن أن يكون ضمن مدة زمنية قصيرة، كأن يكون قراراً شخصياً برفض المعتقدات التي اعتنقها الآباء والأجداد، أو بالخروج من المحيط الجغرافي بشكل كامل. أما الخيار على المستوى الجماعي فهو يحتاج إلى نظرة مختلفة، فهو يمسّ الهوية بشكل أساسي، أي يقترب من الخطوط الحمراء التي لا يحصل تغييرها بسهولة، ففي بعض الأحيان تأخذ منحىً دموياً على شكل حروب أهلية. هذا الموقف من الماضي، هو مسار مجتمعي أكثر ما يكون ندوات فكرية وجلسات تدريبية، فكم عدد ورشات العمل التي تُقام في السنة داخل لبنان، تحت عنوان “المواطنة والحوار”، ويبقى الأثر والنتيجة ضعيفة التحقّق على المستوى الجماعي، دون إنكار أهمية القيم التي تُطرح في معظمها. 

إنّ الموروث الديني له حضور قوي في التكوين العقائدي للمجتمع، فهناك استعداد للتأثّر عاطفياً بالخطاب الطائفي أكثر من الإنجذاب نحو الخطاب العقلاني، والإنتخابات النيابية اللبنانية خير مثال، يكفي متابعة المصطلحات المستخدمة من قبل أحزاب وتيارات سياسية في تبادل الإتهام بإلغاء كل طرف للآخر، ويمكن سحب هذا الخطاب نفسه، على المواجهة بين بعض الجهات السياسية اللبنانية واللاجئين الفلسطينيين، حين يتمّ تصنيفهم ضمن فئة دينية واحدة، وتعميم خيار هذه الفئة، وهذا يتجاوز التنوّع الفكري والديني للحالة الفلسطينية التي يصعب حصرها  في بوتقة عقائدية واحدة.

إنّ القطيعة بشكل نهائي ليست قابلة للتحقّق في المرحلة الحالية أقلّه، وربما يكون التصالح مع تاريخنا هو الأكثر قابلية للطرح والنقاش

إنّ القطيعة بشكل نهائي ليست قابلة للتحقّق في المرحلة الحالية أقلّه، وربما يكون التصالح مع تاريخنا هو الأكثر قابلية للطرح والنقاش، فلا يمكن إنكار الأخطاء التي تحمل في تفاصيلها معارك دموية، ولكن تنقية الذاكرة الجماعية والتأسيس على المشتركات يساهمان في وضع خطوة أولى نحو بداية عهد جديد يتّسم بتوحيد الرؤية اللبنانية – الفلسطينية للمستقبل، وهنا يظهر تحدّ جديد أمامنا، إذا، ما هو دور البلد الذي نعيش فيه بتحديد أين وكيف ننتجه؟.

لعنة الجغرافيا

لو وضعنا أمامنا خارطة منطقة الشرق الأوسط، وقمنا بتسجيل عدد الحروب التي اندعلت على أرضها، مع تحديدها بالتواريخ، فكم عدد السنين التي مرّت على شعوب هذه المنطقة وعاشت بسلام تام؟، الجواب لا يحتاج للحسابات، فهي سنوات قليلة نعمت بالإستقرار النسبي إلى جانب الحروب المحيطة بكل دولة أو مملكة في مختلف المراحل.

فهل نحن “أسرى” هذه الجغرافيا وقدرها بعقدة صراعات متواصلة، أم الأمر يرتبط بالإنسان والمجتمعات وقرارها الحر؟.

في لبنان، يدور الحديث دائماً عن اتهامات متبادلة بارتباط كل طرف بجهة خارجية، فهل تملك هذه الأطراف القدرة على فك الإرتباط مع تلك الدول؟، يحتمل الجواب الوجهين: الإيجاب والرفض. فهذه الجغرافيا شكّلت في مراحل معينة عقدة وصل وربط بين شعوب العالم القديم (آسيا، أوروبا وإفريقيا)، وممراً تجارياً للبضائع والحملات العسكرية والعقائد الدينية، أي أنّها تملك المقومات الغنية، إن أضفنا لها الثروات الباطنية من نفط وغاز. وهذه المنطقة، المصابة بما يشبه لعنة الحروب، هي بحالة فوضى لا يمكن التنبّؤ متى تبدأ وكيف تتنهي. وهنا يتداخل ما تحدثنا عنه في الجزء الأول عن الهوية المجتمعية والموروث مع العامل المكاني، فتتداخل مصالح الدول مع أطماعها بخيرات بلادنا من خلال السيطرة على مكونات مجتمعنا.

التجربة الأوروبية

في قراءة سريعة للتجربة الأوروبية، تبدو القارة التي أبادت شعوبها نفسها بملايين الضحايا، في حروب تداخلت فيها المطامع الإقتصادية مع الإمبراطوريات والغرائز الدينية، أقله من القرون الوسطى حتى الحربين العالميتين، ورافق تلك الحقبات ظهور أفكار فلسفية، يعود بها البعض إلى الحضارة اليونانية مع سقراط وأرسطو وصولاً إلى نظريات العقد الإجتماعي. وكانت النتيجة إنشاء الإتحاد الأوروبي، بمحاولة لإحداث نوع من المصالحة مع تاريخهم وقطيعة مع كل الحروب، والبرلمان الأوروبي، قبل أن يكون مجلساً سياسياً وحالة إقتصادية، هو هيئة تسعى لتقريب مصالح الشعوب الأوروبية من بعضها حتى لا تعود الحروب من جديد، وإن نظرنا إلى الحرب على أوكرانيا وما أثارته لدى شعوب القارة العجوز من تخوّف من عودة الحرب إلى بلدانهم، ندرك أن المواطن الأوروبي يدفع الضرائب ويختار مرشحيه لتحقيق حاجاته وإحداها، “منع قتل بعضنا مرة أخرى”.

إنّ العوامل الجامعة التي نستطيع البناء عليها للمستقبل هي بتأمين مصالحة مشتركة، إجتماعية وإقتصادية متبادلة، وحمايتها بالقوانين والتشريعات اللازمة ومن خلال إعلام متوازن

قراءة المستقبل.. الشعب والقيادة

كيف نتمكن من قراءة هادئة للمستقبل ونحن نعيش حالة غليان وعدم استقرار، والمطلوب حالياً هو تأمين القوت اليومي قبل التحدث عن الغد الضبابي؟!. والمشكلة الأكبر في هذه القراءة، بتحديد من المرجعية المسؤولة عن قيادة الشعب ومعرفة مصالحه. إنّ القواسم بين اللبناني والفلسطيني عديدة، وما عاشه اللاجئ من انعدام بديهيات العيش من الكهرباء والأمن والأمان إلى منعه من العمل، يعيشه اللبناني في بيته ومؤسساته اليوم، وهذا ما يمكن أن يشكّل على المدى الطويل تعاوناً قد يثمر، فالعوامل الجامعة التي نستطيع البناء عليها للمستقبل هي بتأمين مصالحة مشتركة، إجتماعية وإقتصادية متبادلة، وحمايتها بالقوانين والتشريعات اللازمة ومن خلال إعلام متوازن. هذه المتطلبات قد تبدو صعبة في المرحلة الحالية، ولكن قساوة الحياة والأزمة قد تجبر الكثيرين إلى الذهاب باتجاها لأنّ البدائل “لا تُسمن ولا تغني من جوع”.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , ,