جزيرة الحياد العُمانية، لا تطبيع ولا فتح أجواء للاحتلال

التصنيفات : |
أغسطس 25, 2022 6:19 ص

*أحمد الطناني – غزة:

أُصيبت مستويات صنع القرار في حكومة الاحتلال بخيبة أمل كبيرة جراء رفض سلطنة عُمان فتح أجوائها أمام الطيران الإسرائيلي، حيث لم يكن القرار بوارد الحسبان لدى شركات الطيران الصهيونية وفي مقدمتها شركة طيران العال، التي سبق أن أعلنت أنّها ستبدأ في تسيير رحلات في الأجواء العُمانية خلال مدة قصيرة.

في واقع الأمر كانت مستويات صُنع القرار في حكومة الاحتلال تفترض مسبقاً أنّ الأجواء العُمانية ستكون مفتوحة لطائرات الاحتلال بمجرد صدور القرار السعودي بفتح الأجواء السعودية، إلا أنّ الواقع قد جاء مغايرا، إذ سمحت السعودية بفتح أجوائها أمام الطيران على اختلافه بما فيه الإسرائيلي ولكن لم تأتِ الرياح كما تشتهي السفن بالموقف العُماني الرافض.

أثار الموقف العُماني الجدل مرة أخرى حول سياسات السلطنة الخارجية وإدارتها لعلاقاتها الخارجية، إضافة للنقاش حول ما حقّقته دول التطبيع حتى الآن والمواقف العربية الأخرى من إمكانية التطبيع مع الاحتلال، بشكل خاص في ضوء تمسّك السعودية بموقفها بعدم المضي في التطبيع رسمياً  والإكتفاء بالعلاقات غير الرسمية بالوقت الحالي، والموقف العُماني الحالي من فتح الأجواء، والموقف السابق من رفض التطبيع الرسمي مع العدو الصهيوني.

العلاقات العُمانية- الإسرائيلية

لم تكن عُمان على قطيعة كاملة مع كيان الاحتلال، بل هي في واقع الأمر تربطها علاقات قديمة تعود إلى سبعينيات القرن الماضي، وأخذت الشكل العلني في تسعينيات القرن الماضي، بدءاً من زيارة إسحاق رابين للسلطنة بالعام 1994، وزيارة وزير الخارجية العُماني للقدس والمشاركة في جنازة رابين، وافتتاح المكتب التجاري التمثيلي بين البلدين في العام 1996.

لم تكن العلاقة العُمانية مع الاحتلال الإسرائيلي مستقرة ومتوازنة على الدوام، بل جُمّدت في العام 2000 على إثر اندلاع إنتفاضة الأقصى وأُغلقت مكاتب التمثيل التجاري، غير أنّ السلطنة استقبلت وزيرة خارجية الاحتلال تسيفي ليفني في العام 2008، كما شارك ممثلون رسميون عُمانيون في جنازة رئيس الكيان شمعون بيريز عام 2016.

كان الحدث الأكثر زخماً في العلاقات الإسرائيلية- العُمانية في العام 2018 إثر استقبال رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في السلطنة، ولقائه مع السلطان العُماني الراحل قابوس بن سعيد، حيث عمد الاحتلال ووسائل إعلامه لخلق بروباغندا إعلامية مرافقة للزيارة بهدف تشجيع قطار التطبيع بالمنطقة العربية.

بالرغم من هذه العلاقة منخفضة التمثيل في غالب الوقت لم تُلبّي سلطنة عُمان الطموح الصهيوني بأن تكون ثالث دولة خليجية تُطبّع علاقاتها مع الاحتلال بعد الإمارات والبحرين، حيث ما انبرت وسائل الإعلام العبرية تُبشّر بقرب الوصول لاتفاق التطبيع والتحاق عُمان بركب اتفاقيات أبراهام التطبيعية.

جاء موقف السلطنة مخيّباً لآمال الصهاينة، والذي أعلنه وزير خارجيتها مؤكداً رفض التطبيع الرسمي مع الاحتلال وتمسّك السلطنة بالمبادرة العربية للسلام وربط التقدّم بالعلاقات بتقديم خطوات حقيقية من قِبل الاحتلال في إطار تحقيق حلّ الدولتين

ساهم موقف عُمان المرحّب باتفاقيات التطبيع الإماراتية والبحرينية وفي ما بعد المغربية مع كيان الاحتلال في رفع آمال وطموحات الاحتلال بالوصول لاتفاق التطبيع مع السلطنة، إلا أنّ موقفها الذي جاء مخيّباً لآمال الصهاينة، والذي أعلنه وزير خارجيتها مؤكداً رفض التطبيع الرسمي مع الاحتلال وتمسّك السلطنة بالمبادرة العربية للسلام وربط التقدّم بالعلاقات بتقديم خطوات حقيقية من قِبل الاحتلال في إطار تحقيق حلّ الدولتين، مؤكداً أنّ بلاده “مكتفية بمستوى العلاقات الحالي مع كيان الاحتلال”.

العلاقات الإيرانية- العُمانية

تأخذ العلاقات العُمانية بإيران طابعاً تاريخياً خاصا، لعدة اعتبارات أهمها جيوسياسية وإقتصادية، حيث تجمع سلطنة عُمان بإيران حدود بحرية مشتركة، وعلاقات تجارية واسعة، لا تنوي عُمان التخلي عنها بأي حال من الأحوال، وترى فيها مميزات كبرى من المهم التمسّك بها، بالإضافة للحاجة الإيرانية للحفاظ على المميزات التي توفرها عُمان والإيجابية الكبيرة التي لا تتوفر عند أي طرف خليجي آخر.

لطالما لعبت عُمان دور قناة الإتصال الإيرانية بالعالم، وكانت محطة مهمة لاستقبال المحادثات السرية بين الإيرانيين وخصومهم، بدءاً من المحادثات السرية بين إيران والعراق إبان الحرب العراقية- الإيرانية، والحوار بين إيران ومصر بعد الثورة الإيرانية، والدور الذي لعبته عُمان في المفاوضات السرية مع إدارة أوباما وصولاً للاتفاق النووي، واستضافتها للحوارات بين الحوثيين ودول التحالف العدواني تجاه اليمن.

لطالما رفضت عُمان الإنضمام لكل الدعوات العربية والخليجية لمقاطعة إيران ومحاصرتها

ولطالما رفضت عُمان الإنضمام لكل الدعوات العربية والخليجية لمقاطعة إيران ومحاصرتها، وجنّبت علاقتها بإيران أي توتر ممكن، وفي ذات الوقت ورغم المعارضة الإيرانية لتواجد القواعد العسكرية الغربية في عُمان، إلا أنّها تتجنّب التحريض العلني ضدها رغبة بالحفاظ على العلاقات الثنائية القوية.

وفي آب/ أغسطس 2021 شارك وزير الخارجية العماني، بدر بن حمد بن حمود البوسعيدي، في حفل تنصيب الرئيس الإيراني الجديد إبراهيم رئيسي، وكان أرفع ممثل من دول الخليج العربية، في إشارة أخرى إلى اهتمام السلطنة بعلاقاتها مع إيران.

السياسة الخارجية العُمانية (جزيرة الحياد العربية)

حسمت عُمان طبيعة سياستها الخارجية منذ سبعينيات القرن الماضي بأخذها لنهج الحياد المطلق، والذي يتحوّل في العديد من الحالات إلى حياد غريب وغير مفهوم إذ تتحوّل بعض المواقف إلى مواقف متضاربة، وبالرغم من ذلك استطاعت السلطنة الحفاظ على سياستها الخارجية وتقديم نفسها باعتبارها (سويسرا الشرق الأوسط)، التي تتمسّك بعلاقات جيدة مع كل الأطراف في المنطقة حتى الأكثر تناقضاً والأكثر عداء.

للتدليل على طبيعة إدارة السلطنة لعلاقاتها الخارجية، نستعرض بشكل مكثّف أهم محطات الحيادية المُطلقة التي انتهجتها عُمان في المنطقة:

– عُمان هي إحدى دولتين فقط من دول الجامعة العربية -إلى جانب السودان- لم تقاطع مصر بعد إبرامها معاهدة السلام مع الاحتلال عام 1979.

– العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي ظلّ محايداً طوال الحرب العراقية- الإيرانية بين عامي 1980 و1988، كما استضافت عُمان أثناء الحرب محادثات سرية لوقف إطلاق النار، في مسقط.

إنّ التقييم السائد لدى أوساط الحكم في السلطنة يؤكد أنّها ستبقى ماضية في طريق الحيادية، وحفاظها على موقعها كجزيرة الحياد العربية

– العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي حافظ على العلاقات الدبلوماسية مع سوريا منذ 2011 وما بعدها.

 -أول دولة خليجية عربية تستقبل زعيماً صهيونيا، هو رئيس وزراء الاحتلال آنذاك إسحاق رابين عام 1994. وعندما اغتيل رابين في تشرين الأول/ نوفمبر 1995، حضر وزير الخارجية العُماني يوسف بن علوي جنازته.

– لم تنضم عُمان (وكذلك الكويت) إلى مقاطعة قطر بقيادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من منتصف عام 2017 إلى كانون الثاني/ يناير 2021.

– العضو الوحيد في مجلس التعاون الخليجي الذي لم ينضم إلى الحملة العسكرية التي تقودها السعودية ضد الحوثيين في اليمن.

– الدولة الخليجية الوحيدة التي تجري مناورات عسكرية مع إيران. ففي كانون الثاني/ ديسمبر 2021، شاركت البحرية العُمانية في مناورة بحرية مشتركة، هي التاسعة من نوعها، في المياه الإقليمية لإيران في مضيق هرمز وبحر عُمان المحاذي لإيران وباكستان من الشمال، وسلطنة عُمان من الجنوب والإمارات من الغرب.

رغم تعرّض السلطنة لضغوط كبيرة وبشكل خاص من جيرانها الخليجيين لتحقيق إزاحات عن الموقف الحيادي المُطلق في العديد من القضايا، غير أنّ التقييم السائد لدى أوساط الحكم في السلطنة يؤكد أنّها ستبقى ماضية في طريق الحيادية، وحفاظها على موقعها كجزيرة الحياد العربية، وهو موقع يعطيها حضوراً سياسياً كونها تمثّل قناة اتصال مفضّلة للعديد من متناقضي المنطقة.

إغلاق الأجواء العُمانية، بدّد أهمية فتح الأجواء السعودية إقتصادياً

عودٌ على بدء بقرار السلطنة بعدم فتح أجوائها للطيران الإسرائيلي، فإنّ عُمان التي ما زالت ترفض التطبيع الرسمي مع الاحتلال، لا ترغب فعلياً في اتخاذ خطوة من الممكن أن تعتبرها حليفتها وجارتها إيران عدائية، وهو ما سبق أن حذّر منه قادة إيرانيون متعدّدو المستوى والمواقع، من رفضها لأي تواجد صهيوني مباشر على حدودها، وهو بطبيعة الحال سيؤثّر بشكل مباشر على العلاقات الثنائية المتميزة بين السلطنة والجمهورية الإسلامية.

من جهة أخرى، أدّى القرار العُماني، بحسب الصحافة العبرية، إلى تقليص كبير لفرص الإستفادة من فتح المجال الجوي السعودي أمام الطائرات التجارية الإسرائيلية من أجل تقصير المسافة في الطيران إلى الشرق الأقصى مثل الهند وتايلاند والصين، حيث أنّ الأجواء العُمانية أساسية لاختصار هذه المسافة.

في ذكرى اتفاقات أبراهام لم ينتج التطبيع سوى صفراً كبيراً

على الهامش أعلنت مصادر عبرية عن الغاء مؤتمر أبراهام الذي كان مُزمعاً عقده بمناسبة مرور سنتين على توقيع اتفاقيات التطبيع بين حكومة الاحتلال وكلاً من: الإمارات، البحرين، المغرب والسودان، حيث ردّت المصادر العبرية سبب التأجيل إلى تخوّف الدول المطبّعة من استخدامها في معركة الإنتخابات الداخلية في حكومة الاحتلال.

أيقنت الدول المطبّعة، والدول المؤيّدة لقطار التطبيع، أنّ هذه الاتفاقيات لم تعد عليها بأي بُعد إيجابي كانت تتوقعه، سواء على الصعيد الإقتصادي، أو الدفاعي والأمني، فقط هناك سياسة إستخدامية من الاحتلال للدول المطبّعة، كمادة دعائية أولا، فكلما كان هناك موسم للإنتخابات، كلما زادت حركة قادة الاحتلال لعقد اللقاءات والتقاط الصور مع الزعماء العرب ليحصدوا رصيداً إنتخابياً ليس أكثر، وهذا طريق اشتقّه رئيس وزراء الاحتلال السابق نتنياهو الذي هرول لإحداث اختراقات في قطار التطبيع قبيل إنتخابات الكنيست ليقدّمَ إنجازات لجمهوره.

اليوم، وبعد عامين على الاتفاقيات سيئة الصيت والسمعة، يعي عرب التطبيع أنّهم مادة للدعاية في معركة إنتخابية، وأنّ حصيلة تطبيعهم هو صفر كبير لا أكثر ولا أقل، وهو ما أدركته المملكة السعودية، التي فضّلت عدم الإنتقال إلى مرحلة التطبيع العلني والإكتفاء بعلاقات سرية ولقاءات على مستويات محددة دون الإنجراف إلى تطبيع قد يضعف حضورها السياسي من غير تحصيل مكتسبات حقيقية في المنطقة.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,