التطبيع البيئي على ضفاف البحر الميت والحبل عالجرّار

التصنيفات : |
سبتمبر 1, 2022 7:44 ص

*وسام عبد الله

“الملح فوق الجرح يشفي”

قول نتداوله في مجتمعاتنا لاعتقادنا أنّ رش الملح يساعد في التئام الجراح، وظنّ مطلقو مشروع حماية “البحر الميت” من خلال تعاون فلسطيني- أردني مع الاحتلال، يساعد في تضميد الجراح العميقة كون نسبة ملوحة البحر الميت مرتفعة، وذلك من خلال مشروع وفيلم وثائقي، الظاهر هدف بيئي والباطن تطبيع، فالنوايا تطفو على السطح، مع الوقت.

“حرّاس البحر الميت”

عرضت قناة “بي بي سي” العربية وثائقي بعنوان “حرّاس البحر الميت”، وهو عمل توثيقي لمشروع يتمّ العمل عليه منذ سنة 2016 للإضاءة على انخفاض مستوى المياه في البحر الميت، وذلك من خلال السباحة بين الضفتين الأردنية والفلسطينية، بمشاركة عدد من السباحين. الفيلم يقوم على ثلاث شخصيات: مهيار الأردني، العضو في منظمة “إيكوبيس”لحماية البيئة والتي تضم أعضاء من الأردن وفلسطين والكيان، ومن فلسطين يوسف وهو منقذ وسباح، ومن جهة الاحتلال عوديد المتخصص في مجال السباحة.

من المتابعة لمحتوى الفيلم يدرك المشاهد أنّ المحور الأساسي للوثائقي أي البحر الميت، هو مجرد واجهة لتمرير الرسائل السياسية ضمناً من خلال الحوارات بين الشخصيات الثلاث. ففي أحد المشاهد يستمع يوسف إلى خبر في الراديو أثناء قيادته سيارته، عن عملية نفّذتها المقاومة الفلسطينية كردٍّ على الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة، يلي المشهد وصوله إلى لقاء الشخصية الإسرائيلية، في تجاوز للحدث وعدم الإكتراث له، والذهاب باتجاه العدو من أجل “السلام”. في مشهد آخر، يلتقي الفلسطيني والإسرائيلي في محادثة يتبادلان فيها أهمية إنهاء “الخلافات” بين الطرفين، وأنّ هذا الصراع لن يصل يوماً إلى نتيجة ومن صالحنا أن نعيش معاً بعيداً عن الحروب، بحسب رأي بطلي الوثائقي.   

يدرك صنّاع الفيلم أنّ طرح فكرة التطبيع بين الأطراف الثلاثة بهذا التبسيط هو أمر غير واقعي، فعملوا على تمرير جلسات مع مجموعات أكبر، في الأردن وفلسطين المحتلة، ومع منظمات أهلية، يعتمد الحوار فيها على أشخاص يطرحون مدى صعوبة قيام المشاريع واللقاءات نتيجة الصراع المستمر، وفي لقاء مع إحدى السيدات التي تحتفي بوجود الضيف الفلسطيني، اعتبرت أنّ ما يفعله هام جداً لوطنه برفعه العلم الفلسطيني ضمن هذا المشروع.

في السنوات التي سبقت إطلاق الحملة، كان الترويج يتمّ عبر الجمع بين السياسة والبيئة، فالصراعات بين الشعوب المحيطة بالبحر الميت، تنعكس بدورها تدميراً للبيئة، والحل بالترابط بين الشخصيات الثلاث، لإنقاذ البحر بشكل سلمي، أي ينسحب بدوره على السياسة العامة، ليحاول الصنّاع إيصال رسالة مفادها بأنّ رأب الصدع بين الأطراف المتنازعة على الجغرافيا والتاريخ والمختلفة إجتماعياً وثقافيا، يمكن حدوثه مع الوقت. وتسعى المشاريع المماثلة إلى استهداف شريحة أكبر، لتنطلق منها نحو المجتمعات العربية المحيطة.

مياه قيد الاحتلال

لا ينكر أحد تأثير تغيُّر المناخ على كافة دول الكوكب، وانعكاسه على أزمة المياه وتحديداً الشح في المياه العذبة، ولكن هل يمكن إرجاع أزمة البحر الميت وتردّي الأوضاع البيئية في كامل الأراضي المحتلة إلى ارتفاع درجة حرارة الأرض؟.

تشير المعطيات على الأرض الفلسطينية إلى غير ذلك، مع اعتماد الاحتلال سياسة تدمير البيئة.

تُعتبر المستوطنات الإسرائيلية من أبرز أدوات التأثير على حياة الفلسطيني من الناحية البيئية، فعدد المستوطنات في ازدياد مستمر وهو ما يؤدي إلى استهلاك أكبر للمياه في الأحواض المائية في الضفة الغربية، وارتفاع نسبة المياه الملوثة في قطاع غزة، وكان لجدار الفصل العنصري تأثيراً على انتزاع أكثر من 30 بئراً ونبعاً وتبدّلاً في التواصل الطبيعي بين الفلسطينيين الذين تقطّعت أوصالهم كما المناطق المحاذية للجدار.

تروّج منظمة إيكوبيس -واضعة مشروع حماية البحر الميت- للتطبيع الفلسطيني والأردني مع الاحتلال، تحت غطاء مشاريع تُعنى بحماية البيئة والموارد الطبيعية، وتتجاهل عمداً سرقة الكيان لها، بل وتبرئته من مسؤوليته في تدمير البيئة في فلسطين ونهر الأردن.

أما في ما يتعلّق بالبحر الميت، فالقائمون على المشروع والداعمون له لم يذكروا أحد الأسباب الرئيسية لشح المياه، ألا وهو تنفيذ العدو الصهيوني مشاريع مائية على ضفاف نهر الأردن وتحويل مياهه إلى بحيرة طبريا، وحرمان الأراضي الفلسطينية في الضفة المحتلة من الإستفادة منها.

البيئة و”السلام”

في كانون الثاني/ يناير 2022، أقامت منظمة إيكوبيس -واضعة مشروع حماية البحر الميت- لقاءً في مجلس الأمن الدولي، قدّمت خلاله رؤيتها لحل أزمة البيئة المتفاقمة في فلسطين المحتلة والأردن، يتمثّل بإنهاء الصراع من خلال عملية السلام التي هي الحل الوحيد لتجاوز الأزمة البيئية. وتروّج المنظمة المذكورة للتطبيع الفلسطيني والأردني مع نظام الاحتلال والأبارتهايد الإسرائيلي ومستعمراته، تحت غطاء مشاريع تُعنى بحماية البيئة والموارد الطبيعية، وتتجاهل عمداً سرقة الكيان لها، بل وتبرئته من مسؤوليته في تدمير البيئة في فلسطين ونهر الأردن.

وهذه الأطروحات ليست الوحيدة التي تهدف من بوابة البيئة إلى تمرير الإعتراف بالاحتلال. فمع انتشار جائحة كورونا، بدأت الدول بالتنافس على إنتاج اللقاحات وكان الكيان الصهيوني قد سعى ليكون من الأوائل في عملية التطعيم، وهنا بدأت الأفكار تُطرح بأن لا مانع من التعاون مع “إسرائيل” بهدف محاربة الوباء.

سنشهد مع الوقت، مزيداً من المشاريع التي تربط بين البيئة والإقتصاد، مع تصاعد مشاكل المناخ وتفاقم الأزمات الإقتصادية، من استخراج الغاز في ساحل المتوسط، إلى المشاريع السياحية في خليج العقبة. نحن إذاً أمام تطبيع من نوع جديد بعيد عن التوصيفات الأيديولوجية.. البيئة ليست الأخيرة. 

*كاتب لبناني 


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,