الاحتلال.. شهية مفتوحة على المطبخ الفلسطيني

التصنيفات : |
سبتمبر 8, 2022 8:04 ص

*وسام عبد الله

ما يجمع الفلسطيني بوطنه الكثير مما يمكن وصفه بالإنتماء. والإرتباط بالأرض يأخذه إلى بديهيات العيش مثل التمسّك بالمأكولات الفلسطينية التراثية، لأنّ الاحتلال حين يصادر الأراضي، يقطع صلة الوصل مع المصدر الأساسي للمائدة، وما يتبعها من تأثير على الصحة الغذائية من جهة، وعلى سرقة الهوية من جهة ثانية. ومن هنا، يجهد الفلسطيني للحفاظ على مطبخه التراثي.

على مائدة اللجوء

يُعتبر تحضير الأطباق الفلسطينية من العادات الغذائية التي حملها اللاجئون الفلسطينيون إلى معهم إلى بلاد الشتات، فأصبحت الجدات -أحد الأعمدة الأساسية للحفاظ على الذاكرة الفلسطينية- يصنعن الأطعمة التي تعلّمنها في بيوتهنّ قبل التهجير. الطعام جزء من تلك الذاكرة والهوية الوطنية، فـ”النابلسية” حلوى فلسطينية تشتهر بها مدينة نابلس الرازحة تحت الاحتلال.

ربما ينطبق الحال على كل اللاجئين والنازحين في العالم، الذين يأخذون معهم أكلاتهم التراثية إلى بلدان اللجوء، إما بهدف المحافظة على الهوية أو لتأسيس المطاعم، ومع الوقت تصبح هذه المأكولات جزءاً من هوية المجتمع المضيف. وفي الحالة الفلسطينية، المطبخ بوصفه ركناً أساسياً في المنزل ومن عادات العائلة ومعين ذكرياتها، فهو استمرار للقضية بشقّها المتعلّق بالتراث ومواجهة سرقة العدو للهوية الفلسطينية. 

فلسفة الغذاء، قد لا تكون بحاجة إلى علماء وحكماء لتفسيرها فهي حاجة وضرورة يومية، قد تأخذنا التفاسير والشروح إلى أبعد من ذلك.

يرتكز تعريف مطبخ البلاد على أنّه يعكس هوية الفرد والمجتمع، بما يحمله من أطعمة متنوعة وفواكه وخضار موسمية إلى كيفية قطافها، وصولاً إلى طريقة التحضير وارتباط بعض الأصناف بالمناسبات الإجتماعية (الأعراس مثلا)، وعلاقتها بالإقتصاد الوطني والبعد الثقافي. وهذا يعني إلى أبعد مدى بارتباط الفلسطيني في تكوين هذه الفلسفة.

هذا المشترك اللذيذ يمنح الناس الكثير من الفرح لأنّ للحديث عن هذه المتعة نصف اللّذة

تمتد فلسفة الغذاء إلى حالة اللجوء الفلسطيني، فالمطبخ يفتح طريقاً له نحو الجذور، لو أخذنا مثالاً بسيطا: الزيتون، يكفي أن يحكي الأجداد عن قطعة الأرض ورمزية شجرة الزيتون -التي أبداً يحاول الاحتلال اقتلاعها من الأرض وليس من الوعي- ثم موسم قطافه والأغاني الشعبية التي ينشدها الفلاحون في البساتين، حتى تنتقل بيسرٍ إلى الأجيال الجديدة. وهذا الباب يفتح لنا المجال أمام التواصل بين المجتمعات، فالجلوس على المائدة بين جنسيات مختلفة، وتبادل الحديث عن الطعام وكيفية تحضيره، يكسر الكثير من الحواجز، وخاصة بالتطرق إلى الأطعمة المشهورة في بلاد الشام.. هذا المشترك اللذيذ يمنح الناس الكثير من الفرح لأنّ للحديث عن هذه المتعة نصف اللّذة. نذكر التبولة والفلافل وغيرها من الأطباق التي تشتهر بها بلادنا.

وعليه، لو عدنا بالحديث عن طعام البلاد، لوجدنا أنّها على المستوى الشخصي تعزّز من ارتباطنا بفكرة العائلة والاجتماع، وفي الاجتماع ألوهة، ولأعطت تفاسير واضحة عن الاهتمام الإسرائيلي بالسيطرة على المطبخ الفلسطيني، فهو يستهدف هذه “الفلسفة” كونها تشكّل “العروة الوثقى” بين الفلسطينيين وجذورهم، واللاجئين وأوطانهم، والمجتمعات المضيفة واحتضانها لهم. فكانت الجهود الحثيثة لـ”أسرلة” الخبز والذاكرة الفلسطينية.

تهويد الأطعمة التراثية

شارك الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون سنة 2015 مع السفير الإسرائيلي لدى الأمم المتحدة رون فروشور في تناول وجبة “الشكشوكة”، وبحسب صحيفة “يديعوت أحرونوت” فإنّ اللقاء كان ضمن حفل أقامه وفد الكيان في الأمم المتحدة بمناسبة ذكرى النكبة، وعرّف السفير الإسرائيلي عن الوجبة بأنّها من المطبخ “الإسرائيلي” القديم.

“كما سرقنا أرضكم.. نسرق تراثكم وطعامكم”

الحادثة برمزيتها توضح أهمية وضرورة سرقة التراث الفلسطيني وضمّه إلى سردية نشوء الكيان، وإعطاء الشرعية الرسمية المحلية والدولية له، مثلما تمّ تقديم الفلافل إلى الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما أثناء زيارته للكيان الغاصب.

قد لا نتعامل مع خبر قيام الاحتلال بتنفيذ مسابقات المأكولات مثل: الفلافل والحمص باهتمام كبير، ولكنّ الحدث يتعلق بسرقة واضحة تهدف إلى تمرير رسائل العدو “كما سرقنا أرضكم.. نسرق تراثكم وطعامكم”. ومن المأكولات التي تمّت سرقتها، الكنافة التي تروّج لها “إسرائيلّ بأنّها من الحلويات الإسرائيلية، والشاورما، والمنسف الأردني.. وهذا للأردنيين مرتبط بوجودهم وعاداتهم وتراثهم وله خاصية البلاد في حرمة انتهاك أرضها وعُرضها.

أدوات السيطرة.. والرد

يسعى الاحتلال لإنشاء سلسلة مطاعم في مختلف دول العالم وتقديم الوجبات الفلسطينية على أنّها من مطبخهم، التي بدأت تزداد بشكل خاص بعد عمليات التطبيع، فحين يفتتح العدو مطاعم إسرائيلية، يستتبعه حكماً تصدير الخضار والفواكه على أنّها من “صنع إسرائيل”، مثل تفاح الجولان السوري المحتل. تستثمر مواقع التواصل الإجتماعي لترويج مقاطع دعائية، كما تنشر صفحة “إسرائيل تتكلم العربية”، مقاطع تحمل عنوان: “نكهة من إسرائيل”، لوجبات طعام تدّعي بأنّها من أصول “إسرائيلية”.

وفكرة الجذور “الإسرئيلية” للمأكولات تشكّل هاجساً لهم، فحين يتمّ مجادلتهم بأنّ هذه المأكولات ذات أصول عربية، تكون إحدى الذرائع أنّ اليهود العرب هم الذي حملوا معهم وصفات التحضير، في محاولة منهم لربطها مع الدين اليهودي وتقاليدهم. ومن الأساليب المعتمدة، المشاركة في مسابقة “غينيس” للأرقام القياسية في محاولة للحضور الدائم في نشرات الأخبار ضمن منظومة “الحرب الناعمة” -بعيداً عن الخطاب السياسي- والاكتفاء باحتفالية الطعام وبساطته في طرح الأفكار.

تعمل حركات المقاطعة الفلسطينية على تكثيف الجهود لمنع سرقة الاحتلال للمطبخ الفلسطيني، من خلال الدعوة لمقاطعة المهرجانات ونشر البيانات التي تدحض أكاذيب الاحتلال. ويسعى فلسطينيون للمساهمة بمشاريع تُثبت حقّ الملكية، مثل تطبيق “فلسطين على طبق من ذهب” الذي أطلقته الطاهية جودي كالا سنة 2016، بالإضافة إلى كتاب عن الطعام الفلسطيني باللغة الإنكليزية كونها تعيش في بريطانيا.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , ,