نسبة التصويت العربية قد تكون المفتاح للإنتخابات، ولكن لصالح من: الكتلة الموالية لنتنياهو أم تلك المناهضة له؟

التصنيفات : |
سبتمبر 13, 2022 9:15 ص
زعيم حزب يش عتيد، يائير لابيد (على يسار الصورة)، وزعيم يمينا، نفتالي بينيت (وسط الصورة)، وزعيم حزب التجمع منصور عباس يوقعون على اتفاق ائتلافي، 2 حزيران/ يونيو، 2021. (Courtesy of Ra’am)

*سايمون ديفيز وجوشوا هانتمان

مع عدم وجود حركة كبيرة في استطلاعات الرأي، سواء من حيث الأحزاب أو الكتل، فإننا نبحث هذا الأسبوع في مجموعة أخرى من البيانات. نسبة التصويت لا سيما نسبة التصويت العربية.

من الصعب جداً التكهن بنسبة التصويت في أفضل الأوقات، وخاصة في “إسرائيل” حيث يفتقر القائمون على استطلاعات الرأي إلى مستوى بيانات الناخبين المتاحة للجمهور الموجود في بعض البلدان الأخرى، ولا سيما الولايات المتحدة. ومع ذلك، فإنّ البيانات السابقة المتعلقة بنسبة التصويت توفّر أدلة حول كيف يمكن أن يكون للحملات الإنتخابية، ولا سيما كيف يمكن للإنقسام بين الأحزاب العربية، تأثير حاسم على النتائج النهائية.

هناك ما يقارب من مليون مواطن عربي في “إسرائيل”، وهي مجموعة ديموغرافية إنتخابية ضخمة ذات إمكانات هائلة. وبعيداً عن كونهم متجانسين، فإنّ مواطني “إسرائيل” العرب يتكوّنون من مجموعة متنوعة من المجتمعات ذات مجموعة واسعة من وجهات النظر: الدروز في الشمال؛ البدو المسلمون في الجنوب؛ عرب المدن المختلطة حيفا وعكا ويافا؛ سكان قرى وبلدات ومدن “المثلّث” والجليل، وبالطبع نسبة كبيرة من السكان العرب المسيحيين. هذا موضوع ضخم ومعقّد، وسنسعى إلى تحليله من خلال البيانات كما هو الحال دائما.

تحوم نسبة التصويت في “إسرائيل” في السنوات العشرين الأخيرة حول 70%، وكما يظهر في الرسم البياني أدناه، فإنّها لم تتغير كثيرا خلال الجولات الإنتخابية الخمس الأخيرة.

إلا أنّ نسبة التصويت في البلدات العربية أقل بكثير ومتقلبة للغاية، حيث وصلت إلى 65% في أعلى مستوياتها وإلى 45% في أدنى مستوياتها في السنوات الأخيرة. في الواقع، كانت نسبة 45% في الجولة الأخيرة من الإنتخابات هي الأدنى على الإطلاق في صفوف الناخبين العرب.

نسبة المشاركة في الإنتخابات الإسرائيلية: على مستوى الكيان وفي الوسط العربي

الغالبية العظمى من أصوات الناخبين العرب تذهب اليوم إلى الأحزاب العربية، في حين ذهبت حوالي 9% من الأصوات إلى الأحزاب اليهودية في الإنتخابات الأخيرة (والتي تشكّل حوالي 1.5 مقعدا)

ولمعلومات أساسية هامة، تمتلك الأحزاب العربية الكبرى اليوم الجبهة والتجمّع والحركة العربية للتغيير (التي تشكّل معاً تحالف “القائمة المشتركة”)، والقائمة العربية الموحّدة، 10 مقاعد معاً في الكنيست الحالي؛ ستة لـ”القائمة المشتركة”، وأربعة لـ”القائمة الموحّدة”. الغالبية العظمى من أصوات الناخبين العرب تذهب اليوم إلى الأحزاب العربية، في حين ذهبت حوالي 9% من الأصوات إلى الأحزاب اليهودية في الإنتخابات الأخيرة (والتي تشكّل حوالي 1.5 مقعدا).

دون الخوض في تاريخ إنقسامات وتحالفات كثيرة، فإنّ الحزب الأكبر اليوم في “القائمة المشتركة”، سواء من حيث الدعم والبنية التحتية، هو حزب “الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة” اليساري، وهو إئتلاف من اليهود والعرب، الذي يدعم تقليدياً التعايش والتعاون بين اليهود والعرب، على الرغم من أنّ مواقفه تشدّدت على مر السنين. زعيم الحزب في السنوات الأخيرة، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس “القائمة المشتركة”، هو أيمن عودة المعروف بصراحته.

قادة القائمة المشتركة أيمن عودة (الثاني من اليسار) وأحمد الطيبي (الثاني إلى اليمين) وامطانس شحادة (إلى اليسار) ومنصور عباس يلتقون في الكنيست في 22 سبتمبر 2019، قبل اجتماع تحالفهم مع رئيس الدولة رؤوفين ريفلين حول المرشح الذي سيوصي الحزب بتفويضه بتشكيل الحكومة المقبلة. (Yonatan Sindel / Flash90)

“التجمّع الوطني الديمقراطي”، برئاسة سامي أبو شحادة، هو حزب قومي وهو الأكثر إثارة للجدل من بين الأحزاب الأربعة، حيث سافر أعضاء كبار سابقين في الحزب إلى سوريا ولبنان للتعبير عن تضامنهم مع منظمة حزب الله، بينما قضى عضو كنيست سابق من الحزب سنتين في السجن لقيامه بتهريب هواتف لأسرى مدانين. “التجمّع” يطالب بدولة ثنائية القومية والإعتراف بالمجتمع العربي بـ”إسرائيل” كأقلية قومية تتمتع بحكم ذاتي في عدد من المجالات. يختلف ذلك قليلا عن حزب “الحركة العربية للتغيير” (وهو أيضاً حزب قومي) الذي يرأسه أحمد الطيبي، والذي لا يزال يدعم (تقريبا) حل الدولتين، ويظهر مرونة أكبر في تعاونه مع الأحزاب اليهودية.

الحزب الرابع هو “القائمة العربية الموحّدة”، الذي تمّ تشكيله من الفرع الجنوبي للحركة الإسلامية في “إسرائيل”. في عام 2021 أثار رئيس الحزب، منصور عبّاس، الجدل بعد انسحابه من “القائمة المشتركة” في الإنتخابات الأخيرة في عام 2021، مراهناً على إمكانية حشده الدعم الكافي مع إستراتيجية مختلفة تماما: الإنضمام إلى ائتلاف حكومي وأن يصبح صانع الملوك، بدلاً من البقاء في المعارضة بشكل دائم، لتحقيق المصلحة المباشرة لمجتمعه.

رئيس حزب القائمة العربية الموحدة، منصور عبّاس، يتحدث خلال مؤتمر صحفي في الناصرة، 1 أبريل، 2021. (David Cohen / Flash90)

أتت المغامرة ثمارها. قرأ عبّاس نبض الشارع العربي حيث أظهرت استطلاعات الرأي أنّ أغلبية كبيرة تؤيّد الإنضمام إلى إئتلاف حكومي في “إسرائيل”، وهو اتجاه مستمر أيضاً في الدورة الإنتخابية الحالية.

نظرة خاطفة على أداء الأحزاب العربية في صناديق الإقتراع في السنوات الأخيرة تكشف عن علاقة واضحة. عندما توحّدت الأحزاب العربية الرئيسية الأربعة في قائمة واحدة (كما في 2015، أيلول/ سبتمبر 2019 و2020)، بلغت نسبة التصويت العربية حوالي 60-65% (ليس بعيداً عن نسبة التصويت على مستوى البلاد)، وقد كان أداء الأحزاب العربية جيداً في الإنتخابات. ولكن عندما انقسمت الأحزاب، كما حدث في نيسان/ أبريل 2019 وآخر إنتخابات في عام 2021، انخفضت نسبة التصويت إلى أقل من 50% وكان أداء الأحزاب سيئا. في الواقع، في الإنتخابات الأخيرة، كانت المقاعد العشرة التي فازت بها الأحزاب العربية، والتي تمثّل 8% من الكنيست، متناقضة بشكل حاد مع نسبة 21% التي يشكّلها المجتمع العربي ككل.

ومن المثير للإهتمام، أنّ الافتراضات الإنتخابية في ما يتعلق بالتأثير العددي السلبي لعمليات الإندماج التي سبقت الإنتخابات (إقرأ مقالنا الأخير بالانجليزية حول الاندماجات)، تأتي على النقيض تماماً مع الأحزاب اليهودية عندما يتعلق الأمر كما يبدو بالوسط العربي. على عكس الأحزاب الصهيونية، تحصل الأحزاب العربية على عدد أكبر من الأصوات عندما تخوض الإنتخابات معا.

بالنظر إلى مدى وضوح البيانات، قد يظن المرء أنّ الأحزاب العربية ستتطلع إلى لمّ شملها في هذه الإنتخابات. في الحقيقة، العكس هو الصحيح. لن يقتصر الأمر على خوض “القائمة المشتركة” و”القائمة الموحّدة” الإنتخابات بشكل منفصل هذه المرة أيضا، ولكن حزب التجمّع –أحد الأعضاء الثلاثة المتبقّين في “القائمة المشتركة”– كان يهدّد بخوض الإنتخابات بشكل مستقل حتى نهاية هذا الأسبوع.

قد لا يكون مفاجئا، إذ أنّ استطلاعاً حديثاً كان “تايمز أوف إسرائيل” قد أورد نتائجه (وإن كان بعيّنة صغيرة للغاية) أشار إلى أنّ نسبة التصويت العربية قد تنخفض إلى 39%.

يمكن أن يترك ذلك “القائمة المشتركة” مع حوالي 4-5 مقاعد، وستحوم “القائمة الموحّدة” أيضاً حول نسبة الحسم. إذا لم يتجاوز أحد هذين الحزبين نسبة الحسم، فقد تحصل الأحزاب العربية –التي تمثل حوالي 20% من السكان–  على أربعة أو خمسة مقاعد فقط في الكنيست المقبل، لتكونَ بعيدة كل البعد عن الخمسة عشر مقعداً التي فازت بها قبل عامين فقط.

(من اليسار إلى اليمين) زعيم حزب يسرائيل بيتنو أفيغدور ليبرمان، وزعيم حزب يش عتيد يائير لبيد، ورئيس “يمينا” نفتالي بينيت، ورئيس الأمل الجديد غدعون ساعر، ورئيس حزب أزرق أبيض بيني غانتس، ورئيس حزب القائمة العربية الموحدة منصور عباس، ورئيسة حزب العمل ميراف ميخائيلي وزعيم ميرتس نيتسان هوروفيتس في اجتماع لرؤساء الائتلاف المحتمل آنذلك في تل ابيب، 6 يونيو 2021 (رعنان كوهين)

وبينما دعا زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو في اليمين، عائلة رئيس حزب اليمين المتطرّف “عوتسما يهوديت” إيتمار بن غفير إلى حوض السباحة الخاص به في قيسارية لإجراء مفاوضات وحدة (ناجحة) مع الحليف-الخصم زعيم حزب “الصهيونية المتديّنة” بتسلئيل سموتريتش، فإنّ رئيس الوزراء يائير لابيد لن يوجّه دعوة لقادة الأحزاب العربية إلى منزله في رمات أفيف في أي وقت قريب للدعوة إلى وحدة الأحزاب العربية.

في الواقع، بينما دعا لابيد الأحزاب إلى الحفاظ على نبرة إيجابية في الحملات الإنتخابية، مدركاً أنّ الحملات السلبية والإنقسام داخل الوسط العربي تضر بنسبة التصويت، فإنّ الأصوات الي دعت إلى خوض الإنتخابات في قائمة موحّدة أتت بحسب تقارير من السلطة الفلسطينية وملك الأردن.

ومع ذلك، حتى إذا تمكنت “القائمة المشتركة” من تجاوز الخلافات بين أحزابها الثلاثة المتبقية، فلن تعود القائمة الموحّدة لـ“البيت” في أي وقت قريب إلى ما تعتبره حزب المعارضة الأبدي. لقد عبر منصور عبّاس هذا النهر، وهو يعتقد أنّ حزب القائمة الموحّدة يمكن أن يثبت مرة أخرى أنّه صانع ملوك – “حريديي” المجتمع العربي. وعلى الرغم من أنّ نتنياهو وزملاءه من نشطاء الليكود وصفوا ممثّلي الحزب بأنّهم “مؤيدون للإرهاب”، إلا أنّ “القائمة الموحّدة” لم تستبعد الجلوس معه أيضا.

لذلك، في حين أنّ الناخبين اليهود غالباً ما يتمّ تقسيمهم إلى مجموعتين: “نعم بيبي” مقابل “لا لبيبي”، قال محلل الشؤون العربية في القناة 12، محمد مجادلة، إنّه يمكن الآن تقسيم الناخبين العرب إلى معسكرين: أولئك الذين يصوتون ليكونوا في المعارضة (القائمة المشتركة)، مقابل أولئك الذين يتطلعون للانضمام إلى الائتلاف القادم (القائمة الموحّدة).

متوسط الاستطلاعات الأسبوعية للكتلة التي يقودها نتنياهو والائتلاف المنتهية ولايته

نتنياهو يتفهّم ذلك وقد حاول في الآونة الأخيرة أن يخفّف من حدة لهجته ولهجة حزبه. آخر شيء يحتاج إليه زعيم المعارضة القيام به هو تنشيط قاعدة ناخبين عربية محتملة عن غير قصد، والتي تبدو لامبالية حاليا، كما حدث في عام 2015، من خلال مهاجمة مجتمع بأكمله.

في الواقع، ابتعدت رسائل حملته الإنتخابية عن الحديث عن “العرب” بشكل عام، نحو عبارات مثل “لابيد ليس لديه حكومة بدون الإخوان المسلمين”، مستخدماً تكتيكات الترهيب بين السكان اليهود، ولكن بمصطلحات لا تتضامن معها قطاعات كبيرة من المواطنين العرب على أي حال ولا تجدها مسيئة.

ومن المثير للهتمام، أنّه على الرغم من لهجة خطاب نتنياهو في السابق، والتشريعات المثيرة للجدل مثل “قانون الدولة القومية”، واحتضانه لعناصر متطرفة مثل بن غفير، وتكتيكات قمع الناخبين مثل محاولة الليكود وضع الكاميرات في مراكز الإقتراع العربية، إلا أنّ الليكود حصل مع ذلك على 5٪ من الأصوات العربية (بما في ذلك الدروز) في الإنتخابات الأخيرة، أكثر من أي حزب غير عربي آخر.

علاوة على ذلك، أظهر استطلاع أجرته مؤسسة Statnet مؤخراً أنّ 75% من العرب “غير قلقين من عودة نتنياهو إلى السلطة”، وهم قلقون أكثر بشأن زيادة تكلفة المعيشة منذ أن فقد السلطة بعد إنتخابات 2021.

هناك أيضاً إدعاء يتمّ تداوله بشأن زعيم “القائمة الموحّدة” مفاده أنّ عبّاس يفضّل في الواقع الانضمام إلى حكومة بقيادة نتنياهو، والحجة هي أنّ الطريقة الوحيدة لمجتمعه العربي للحصول على اعتراف وقبول في المجتمع الإسرائيلي هي الانضمام إلى حكومة مع اليمين ونتنياهو. علاوة على ذلك، تجمع “القائمة الموحّدة” مع الأحزاب المتدينة والحريدية المحافظة إجتماعياً قواسم مشتركة أكثر من تلك التي تجمعها مع شركائها في الائتلاف المنتهية ولايته مثل “يش عتيد” و”العمل” و”ميرتس”.

حالة الحملة الإنتخابية الإسرائيلية: استطلاع للرأي، 11 أيلول/ سبتمبر 2022، يظهر عدد المقاعد التي من المتوقع أن تفوز بها الأحزاب في حال أُجريت الإنتخابات اليوم، بناءً على موازنة استطلاعات الرأي الأخيرة

لذلك، فإنّ الحكمة السائدة –التي تقول إنّه في حال زادت نسبة التصويت العربية، وإذا تجاوزت الأحزاب العربية مرة أخرى 10-12 مقعدا، فمن غير المرجّح أن يتمكّن نتنياهو من تشكيل حكومة– قد تكون في غير محلها. ستكون هناك معارضة شديدة من “الصهيونية المتدينة”، لكنّ “القائمة الموحّدة”، وهي حزب إسلامي، يمكن أن يصبح من الناحية التقنية صانع الملوك بالنسبة لنتنياهو.

بعد كل شيء، منذ وقت ليس ببعيد، كان أفيغدور ليبرمان، إلى حد ما، بن غفير عصره المعادي للعرب، حيث دعا إلى “ترانسفير للسكان” وهو واضع شعار “لا ولاء، لا مواطنة”. لكن ابتداء من حزيران/ يونيو 2021، يجلس ليبرمان في حكومة ائتلافية مع حزب القائمة الموحّدة الإسلامي، وبكل المقاييس، هو أحد الوزراء الأقرب لزعيم الحزب منصور عبّاس.

لذا، سواء كان الأمر يتعلق بسياسة واقعية أو نوع خاص من السياسة الإسرائيلية، فقد تكون نسبة التصويت العربية مفتاحاً لإنتخابات الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر. لكنّ المفتاح بالنسبة لأي رئيس وزراء؟ سنكتشف ذلك فقط إذاً ومتى اختار صانع الملوك طرفا.

*سايمون ديفيز وجوشوا هانتمان هما شريكان في Number 10 Strategies، وهي شركة إستشارية دولية في مجال الإستراتيجيات والبحوث والإتصالات، قاما بإجراء استطلاعات رأي وإدارة حملات رؤساء دول ورؤساء حكومات وأحزاب سياسية وشركات كبرى عبر عشرات البلدان في أربع قارات.

المصدر: “تايمز أوف إسرائيل”


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,