الأمن الغذائي الفلسطيني الأسوأ حالاً منذ النكبة والآتي أعظم

التصنيفات : |
سبتمبر 19, 2022 10:15 ص

*وسام عبد الله

توالت تحذيرات برنامج الأغذية العالمي من تدهو الأوضاع على مستوى العالم من ناحية الأمن الغذائي، على خلفية الأزمة الروسية – الأوكرانية وانعكاسها على أسواق تصدير السلع الأساسية وأهمها القمح، والأوضاع الإقتصادية التي تذهب نحو الكساد، وتداعيات جائحة كورونا على العالم، هذه العوامل يتشارك بها مختلف شعوب الأرض، وهي تمتد إلى شعب تحت الحصار والاحتلال والتهجير، فإلى أي حضيض انحدر مستوى الأمن الغذائي للمواطن الفلسطيني؟.

قبل النكبة وبعد النكسة

فلسطين أرض غنية بمواردها، الزراعية مثل الحمضيات والزيتون والبرتقال، والمائية بثروتها السمكية الممتدة على ساحلها على البحر الأبيض المتوسط، وكون جغرافيتها تقع بين تقاطع الطرق البرية، بين مصر وبلاد الشام والخليج العربي، ونحو أوروبا بحرا، شكّل البر الفلسطيني والموانئ معابر للفلاحين والمنتجين والصناعيين لتصدير منتجاتهم واستيراد ما يلزمهم، فحين أصبحت يافا مركزاً لتصدير البرتقال نحو أوروبا في ثلاثينيات القرن الماضي انعكس ذلك على البنية التحتية للإقتصاد الفلسطيني بإنشاء المصارف وتعزيز النقل البحري. ومع النكبة، احتلت العصابات الإسرئيلية الأراضي وطردت المزارعين منها. ومع النكسة، حدث الإنفصال الطبيعي بين الأراضي والشعب الواحد، ولم يعد الأمر يقتصر على انخفاض دخل المواطن الفلسطيني، فقد توازى معه ارتفاع في الورادات إلى المستوطنات مع كل عملية ضم جديدة للأراضي وسيطرة العدو على المنافذ.

مع اتفاقية أوسلو أصبح الحصار رسمياً وثابتاً وبموافقة من السلطة الفلسطينية، على الرغم من تحديد بروتوكول باريس آلية التجارة بين الكيان والسلطة الفلسطينية، بالسماح للشاحنات بالوصول إلى المعابر بمساواة مع “الإسرائيلين”

ومع اتفاقية أوسلو أصبح الحصار رسمياً وثابتاً وبموافقة من السلطة الفلسطينية، على الرغم من تحديد بروتوكول باريس آلية التجارة بين الكيان والسلطة الفلسطينية، بالسماح للشاحنات بالوصول إلى المعابر بمساواة مع “الإسرائيلين”، إلا أنّ التطبيق كان بعيداً عن ما كُتب في الإتفاق. ولأنّ الأمن الغذائي، المرتبط بالتجارة والإقتصاد والقدرة المالية للسلطة، فإمساك حكومة الاحتلال بالقدرة على التحكم بالوارادت المالية للخزينة الفلسطينية، وهو ما يدفع الفلسطينيون ثمنه بعد عقود بعدم القدرة على التحرك بحرية في مجال المعاملات المالية نتيجة عدم استقلال القرار الفلسطيني في كل المجالات ولا سيما في الإقتصاد والزراعة.

يؤدي ارتفاع نسبة البطالة إلى ازدياد حالات الفقر بين العائلات، معادلة واضحة جداً في أي بلد، فكيف على صعيد شعب محاصر، يصل مع الزمن إلى نتائج كارثية على أكثر من مستوى بدءاً بالصحة والبيئة وليس انتهاءً بالمجتمع الفلسطيني بكامل خصائصه وعوامله.

الأرقام والإنعكاسات

يشكّل العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة سبباً لحدوث اضطرابات على مستوى الأمن الغذائي، مع انهيار القطاعات الإنتاجية والبنية التحتية وصعوبة الوصول إلى الأراضي الزراعية، إضافة إلى الحصار البحري وتأثيره على الصيادين ومصدر رزقهم من صيد الأسماك

بحسب الأرقام الصادرة عن برنامج الأغذية العالمي، تشكّل نسبة من يعانون من الإنعدام الغذائي في فلسطين المحتلة 1,8 مليون شخص، 64,4 % من سكان قطاع غزة. تؤشر الأرقام الصادرة عن البرنامج إلى صعوبة الحالة الإقتصادية لدى الشعب الفلسطيني وانعكاسها على القدرة الشرائية عند المواطن الفلسطيني، حيث أشارت التقديرات إلى فقدان أكثر من 1,6 مليون شخص القدرة الشرائية، وتتركز بشكل أساسي فقدان الأمكانيات لدى النساء، بحسب ما نُشر على الموقع الرسمي للبرنامج على الإنترنت. ويشكّل العدوان الإسرائيلي المتكرر على قطاع غزة سبباً لحدوث اضطرابات على مستوى الأمن الغذائي، مع انهيار القطاعات الإنتاجية والبنية التحتية وصعوبة الوصول إلى الأراضي الزراعية، إضافة إلى الحصار البحري وتأثيره على الصيادين ومصدر رزقهم من صيد الأسماك. وحين تقل كمية المواد الغذائية المتنوعة لعدم توفر وصولها إلى الشعب المحاصر، فهذا ينعكس حتماً على صحتهم الجسدية، إذ يعاني أكثر من 50% من الفلسطينيين من نقص في المعادن والفيتامينات الاساسية.

المعابر والحصار

تشكّل المعابر حاجزاً أمام تأمين استقرار نسبي في الأمن الغذائي المجتمعي في الضفة الغربية وقطاع غزة، فتعمل حكومة الاحتلال على منع تبادل السلع والمنتجات بين المناطق الفلسطينية وحكماً على منع تصديرها للخارج. وتكمن أزمة عدم الاستقرار  في تبادل القرارات الصادرة التي تغلق المعابر وتفتحها أحياناً أخرى، ففي آذار/ مارس الماضي سمح الاحتلال للمصانع الغذائية بتصدير وتسويق منتجاتها في الضفة الغربية، بعد أكثر من 15 عاماً من المنع التام أو السماح بشروط قاسية.

الوضع على الساحل هو أكثر سوءا، فالضفة الغربية تحت طوق كامل ولا طريق يشكّل نافذة بحرية لها والحل يكون في قطاع غزة الذي بدوره يُمنع ميناؤه الحيوي من القيام بدوره الإقتصادي بسبب محاصرته من قِبل قوات البحرية الإسرائيلية

إنّ تقيُّد حركة البضائع الفلسطينية بسبب الصعوبات والضغوط التي يتعرّض لها المزارعون والمنتجون الفلسطينيون واستكمال عملية التوسع في بناء المستوطنات والقيود على مرور الشاحنات، كلها تؤدي إلى عرقلة قيام حركة إقتصادية تنموية في فلسطين، كونها بشكل كامل خاضعة لتدابير الاحتلال. والوضع على الساحل هو أكثر سوءا، فالضفة الغربية تحت طوق كامل ولا طريق يشكّل نافذة بحرية لها، والحل يكون في قطاع غزة الذي بدوره يُمنع ميناؤه الحيوي من القيام بدوره الإقتصادي بسبب محاصرته من قِبل قوات البحرية الإسرائيلية، فيكون الحل بالتوجّه إلى المعابر والموانئ الخارجية، في الأردن ومصر، مثل معبر رفح وميناء بور سعيد وميناء العقبة.

العيش المرّ

مع اجتياح الأزمة الإقتصادية كافة المناطق اللبنانية، يعاني اللاجئون الفلسطينيون من تردّي أوضاعهم المعيشية وعدم قدرتهم على شراء المواد الغذائية الأساسية، ما ينعكس سلباً على الصحة، لنكون أمام أزمة صحة الأطفال والشيوخ، مع انعدام القدرة على الاستشفاء وتأمين الدواء. فمع انخفاض الحد الأدنى للأجور في بعض المهن إلى أقل من 50 دولاراً في الشهر، يرافقه ارتفاع مستمر في أسعار السلع، تفقد الأسرة قدرتها على إدارة أمنها الغذائي، بأدنى مستوياته.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,