عودة حماس إلى دمشق بين الوطن “والوطن

التصنيفات : |
سبتمبر 22, 2022 7:17 ص

*أحمد حسن

دون شك كان قاسياً ما أوردته صحيفة الوطن السورية حول بيان حركة حماس بشأن عودة العلاقات مع سوريا، ودون شك لا يمكن القول إنّه لا يمثّل أو على الأقل لا يوحي بجو قريب من الجهات الرسمية.

ودون شك، للمرة الثالثة، فإنّ العودة هي أمر هام وضروري للغاية بالنسبة لمحور المقاومة، لكن قطيعة السنوات الماضية تركت طبقة سميكة من الجفاء والصدأ في القلوب لن يزيله ويغسله إلا عتاب قاس ومر.

بيد أنّ الاعتراض لا يقف على الجانب السوري -لنقل غير الرسمي احتياطا- فقط، فكوادر حماس والمقرّبون منها -كي لا نتحدث عن جوّها ومحيطها الإخواني الواسع- تقول مثل ذلك وأكثر، فهذا مثلاً صالح النعامي، الكاتب السياسي القريب من حماس في غزة، يصف الخطوة بأنّها “خطيئة أخلاقية” قائلاً إنّ “هذا القرار لا يتناقض فقط مع توقعات الأمة من حماس، ولكنّه لا يعبّر عن موقف كوادر الحركة والغالبية العظمى من نُخبها”، وفي ذلك، فإنّ الرجل ينقل الاعتراض من “حماس”، وهي محدودة بطبيعة الحال، إلى الأمة بأسرها، وبالطبع الأمة المقصودة هنا هي أمة المسلمين بحسب تعريفه “الإخواني” الضيق لها!.

ويجب أن لا ينسى أحد أنّ الحكومة السورية رفضت عام 2003 إنذار كولن باول الشهير، وأحد بنوده كان يؤكد على ضرورة إخراج حركات المقاومة وضمنها حماس من دمشق

بيد أنّ قساوة مقال “الوطن” المذكور يمكن فهمها في ضوء الثمن الكبير الذي دفعته دمشق في سبيل حركة حماس تحديدا، سواء من بعض محيطها العربي أو العالمي أو حتى الداخلي الذي لديه تجربة دموية مع الإخوان المسلمين، ويجب أن لا ينسى أحد أنّ الحكومة السورية رفضت عام 2003 –حيث لم يكن أحداً يجرؤ على مجرد النقاش- إنذار كولن باول الشهير، وأحد بنوده كان يؤكد على ضرورة إخراج حركات المقاومة وضمنها حماس من دمشق، وكي لا ننسى، أيضا، فذلك العام كانت القوات الأمريكية بكامل جهوزيتها العسكرية ورغبتها الحارقة بالغزو والثأر وإخضاع العالم بأسره وتحت قيادة رئيس أهوج هو جورج دبليو بوش وإدارة صهيونية بالكامل، قد استقرت في بغداد مسقطةً نظامها ومعه ما تبقى من “حياء” للمجتمع الدولي والعالم الذي اضطر بدوله العظمى –روسيا، فرنسا شيراك ولو بعد مقاومة، الصين ..إلخ- للسير خلفها بسبب هيمنتها على القرار الدولي، دون مجادلة أو نقاش.

وبهذا السياق المرعب يمكن لنا أن نفهم خطورة الرفض السوري لإنذار واشنطن في تلك المرحلة، ورغم ذلك فعلتها دمشق التي كانت مهدَّدة أن تكون الهدف التالي على الأجندة الأمريكية، لذلك كان حجم مفاجأتها، كبيراً عام 2011 حين وجدت أنّ “حماس” قد وقفت في المقلب الآخر، وأنّ هؤلاء الذين خرجوا منها اتجهوا نحو الدوحة وأنقرة اللتين كانتا رأس الحربة في مشروع إسقاط دمشق.

فإنّ العجرفة في بيان “حماس” تعطيه صفة بيان “الدولة” لا” الحركة” وهذا ما يجب أن تنتبه إليه “حماس”، التي وقعت في ذات المطب، حين صرّح المتحدث باسمها حول زيارة وفدها الأخيرة إلى موسكو، بأنّ الزيارة تهدف إلى “بحث آفاق العلاقات الثنائية بما يخدم القضية الفلسطينية”

وأكثر من ذلك يمكن القول، وبهدوء، إنّ بيان “حماس” الصحفي عن عودة العلاقات، جاء جافاً من جهة ومتعجرفا، بصورة ما، من جهة أخرى، وإذا كان الجفاف مفهوماً لضرورات مخاطبة جمهورها الرافض للخطوة بأغلبه، ولحفظ ماء الوجه أيضاً في وجه الحملة “الإخوانية”، الفلسطينية والسورية والعربية، التي خوّنتها، فإنّ العجرفة فيه – خاصة في ظل مستجدات مواقف الدوحة وأنقرة التي تسير ضدها- تعطينه صفة بيان “الدولة” لا” الحركة” وهذا ما يجب أن تنتبه إليه “حماس”، التي وقعت في ذات المطب، حين صرّح المتحدث باسمها حول زيارة وفدها الأخيرة إلى موسكو، بأنّ الزيارة تهدف إلى “بحث آفاق العلاقات الثنائية بما يخدم القضية الفلسطينية”، فإذا تغاضينا عن سؤال ما هي تلك العلاقات الثنائية وما شكلها بين “تنظيم” مهما كبر حجمه ودوره، وبين دولة كبرى كروسيا؟، فإنّه لا يمكن لنا التغاضي عن حقيقة أنّ موسكو لا تريد اليوم سوى “زكزكة” “إسرائيل” نتيجة موقفها من أوكرانيا، وبالتالي، لما لا نتواضع قليلاً لنتحدث عن زيارة هامة، وهي كذلك، للطلب من موسكو دعم القضية الفلسطينية، خاصة في اللحظة التي تعاني فيها العلاقات الروسية – الإسرائيلية من أعراض أوكرانيا؟!.

المهم أنّ مسار العودة قد بدأ، وهو صعب على الطرفين، وسيواجَه بعراقيل من “الوطن” ومن خارجه، لكنّ المهم أن تُطوى هذه الصفحة التي ما عادت بالخير إلا على أعداء فلسطين فقط لا غير، والتي ما كان يجب أصلاً أن تُفتح بين حركة مقاومة لاحتلال إستيطاني إحلالي لم يعد له مثيلاً في أي مكان آخر في العالم وبين الدولة الوحيدة التي استضافتها وتركت لها حرية الحركة المقاومة حين عزّ المكان.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,