الطموحات الجزائرية من القمة العربية.. ما بين الآمال والواقع

التصنيفات : |
سبتمبر 23, 2022 7:32 ص

*أحمد الطناني – غزة:

22/9/2022

أكدت الجزائر أنّها بصدد الإنتهاء من الإستعدادات لاستضافة القمة العربية الـ(31) المقررة في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل بعد تأجيلٍ عمره ثلاث سنوات، وتقول السلطات الجزائرية إنّها استكملت كافة الترتيبات اللوجستية، تزامناً مع استعداد الرئاسة الجزائرية لإرسال موفدين خاصين إلى رؤساء وملوك الدول العربية، بداية تشرين الأول/ أكتوبر المقبل، لتسليمهم دعوات رسمية لحضور القمة.

استعدت الجزائر بجدية لإنجاز قمة عربية مميزة، على كافة الأصعدة، حيث رأت الدولة الجزائرية في القمة فرصة لاستعراض إنجازاتها في مجالات التحوّل الرقمي، عبر تثبيت أنّ هذه القمة ستكون أول قمة عربية بدون أوراق، وسيكون جدول أعمالها ومخرجاتها عبر الأدوات الرقمية، التي كان أولها تدشين الموقع الإلكتروني الخاص بالقمة والذي يشمل عدة أبواب تستعرض جدول القمة ووثائقها إلى جانب التسجيل الإلكتروني للوفود المشاركة.

اختارت الجزائر موعد القمة بدقة حيث سيتزامن موعد انعقادها مع الإحتفال بالذكرى الـ68 لاندلاع حرب التحرير الجزائرية، وهو ما يعطي إشارة واضحة حول مدى جدية ورغبة الجزائر في أن تتحوّل القمة العربية الأولى بعد انتهاء جائحة كورونا، وفي عهد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى محطة فارقة، سواء على صعيد تثبيت دور الجزائر المحوري في الساحة العربية، أو على صعيد حجز مكان القمة في التاريخ من بين أبرز القمم العربية.

الطموحات الجزائرية

تسعى الجزائر لأن تكون القمة العربية برئاستها قمة تاريخية ومهمة، وبالتالي فقد حددت سقفاً مرتفعاً لمخرجات القمة وطبيعة حضورها أعلن عنها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، والمسؤولون الجزائريون على اختلافهم، وتمثّلت أبرز هذه الطموحات بأن تحظى القمة بمستوى حضور من الصف الأول بحيث يكون المشاركون بالقمة على مستوى الملوك والرؤساء العرب وليس ممثّلين عنهم.

المسعى الأهم الذي أرادت الجزائر تحقيقه هو تحويل القمة إلى قمة “لمّ الشمل العربي” بعد سنوات طويلة من الفرقة والتشتت التي وصلت حدود القطيعة والإجراءات العدائية المتبادلة بين العديد من الدول العربية، حيث تطمح الجزائر إلى أنّ إيجاد حلول لبعض الخلافات الكبرى بين الدول العربية على هامش القمة، بحيث تصل إلى الحد الأدنى من القبول المتبادل للدول العربية، أنّ الرؤية لقمة “لمّ الشمل” تضمنت في قلبها العمل الجاد على إعادة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية وطي صفحة كبيرة من الخلاف ما بين الدول العربية والدولة السورية، وإعادة الأمور لنصابها.

تسعى الجزائر إلى تحويل القمة العربية الـ(31) لإعادة الإعتبار لمركزية القضية الفلسطينية وتثبيتها في واجهة أولويات العمل العربي المشترك بعد سنوات طويلة من التهميش والإهمال العربي الرسمي للقضية الفلسطينية، وفي ذات السياق تحاول الجزائر تحويل القمة العربية إلى فرصة لإعلان إنهاء الإنقسام الفلسطيني – الفلسطيني

الجزائر، والتي تتبنى موقفاً وطنياً ثابتاً بدعم الشعب الفلسطيني في معركته العادلة ضد الاحتلال الصهيوني، وهو ما ينسحب على موقفها من التطبيع عبر رفض كل أشكاله، سعت إلى تحويله كأحد أهم مخرجات القمة، بإنجاز اتفاق عربي على رفض التطبيع وتأكيد الانحياز لحقوق الشعب الفلسطيني، في إطار التصدي لحُمى التطبيع التي سُمّيت باتفاقات “أبراهام”، خصوصاً أنّ الجزائر إلى جانب انحيازها للشعب الفلسطيني وحقوقه، هي أيضاً متضررة في أمنها القومي من اتفاقية التطبيع المغربية مع الاحتلال الصهيوني، والتي شملت تعاوناً عسكرياً وأمنياً يقع في القلب منه استهداف الجزائر.

فلسطينيا، تسعى الجزائر إلى تحويل القمة العربية الـ(31) لإعادة الإعتبار لمركزية القضية الفلسطينية وتثبيتها في واجهة أولويات العمل العربي المشترك بعد سنوات طويلة من التهميش والإهمال العربي الرسمي للقضية الفلسطينية، وفي ذات السياق تحاول الجزائر تحويل القمة العربية إلى فرصة لإعلان إنهاء الإنقسام الفلسطيني – الفلسطيني وتحقيق الوحدة الوطنية، وهو ما دفعها إلى عقد جلسات حوار مكوكية مع الفصائل شملت جمع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية بضيافة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على هامش احتفالات الذكرى الستين لاستقلال البلاد عن فرنسا.

واقع مخيّب للآمال

بالرغم من الطموحات الجزائرية الكبيرة، التي سعت الجزائر إلى وضع ثقلها السياسي والدبلوماسي من أجل تحقيقها، إلا أنّها اصطدمت بجدار كبير من الواقع المخيّب للآمال، حيث أنّ المشهد العربي غير جاهز للوصول لقمة “لمّ شمل” حقيقة.

مثّل عنوان عودة سوريا لمقعدها في الجامعة العربية العنوان الأبرز الذي تضمّن شدّ ومدّ على مدار أشهر ما بين الجزائر والدول العربية المعارضة لهذه العودة وفي مقدمتهم السعودية وقطر، والتحق بهم مؤخراً الموقف المصري الذي تبنّى معارضة هذه العودة في الوقت الحالي.

في واقع الأمر، هذه المعارضة الشديدة ليست ببعيدة عن محاولات التدخل والهيمنة الأمريكية حيث تحدثت مصادر صحفية عن ضغط أمريكي كبير تمّ ممارسته على الدول العربية على هامش الاجتماع الأخير لـ”أصدقاء سوريا” في جنيف، إذ أكدت المصادر أنّ الوفد الأمريكي شنّ هجوماً على القمة العربية وطرح توصية مباشرة للوفود العربية للتصدي لمطلب عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية.

الجزائر وأمام تعنُّت “الدول الرافضة” ورغبتها بإنجاح القمة، اضطرت لأن تعمل على إزاحة موقفها، وإبداء مرونة أكثر في التعامل مع المطلب الذي كان أساسياً وجوهرياً في أثناء تجهيزها للقمة، وبحثت عن مخرج يحفظ ماء وجه قيادتها حيث أوضحت مصادر قريبة من الرئاسة الجزائرية أنّ “هناك تفهماً للموضوع، حتى من قِبل السوريين أنفسهم، كما أنّ هناك آليات معروفة في العمل العربي المشترك تنظّم هذا الأمر”، تلاه إعلاناً سورياً على لسان وزير خارجيتها فيصل المقداد عدم مشاركة بلاده في القمة العربية المقرر عقدها بالجزائر يومي 1 و2 نوفمبر المقبل، في ما اعتبرت وزارة الخارجية الجزائرية، أنّ الموقف السوري يأتي حرصاً منها على المساهمة في توحيد الكلمة والصف العربي في مواجهة التحديات التي تفرضها الأوضاع الراهنة على الصعيدين الإقليمي والدولي.

خيبة الأمل الأولى بفشل المساعي لإعادة سوريا للجامعة العربية، لم تكن الأخيرة، إذ أنّ الدول المطبعة مع الاحتلال لم تبدِ مرونة في إمكانية قبول أي موقف يدين التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، أو حتى يشير إليه بسلبية

خيبة الأمل الأولى بفشل المساعي لإعادة سوريا للجامعة العربية، لم تكن الأخيرة، إذ أنّ الدول المطبعة مع الاحتلال لم تبدِ مرونة في إمكانية قبول أي موقف يدين التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، أو حتى يشير إليه بسلبية، وهو ما يعني الاكتفاء بالإشارة إلى التأكيد على حقوق الشعب الفلسطيني فقط دون وجود أي إشارة لخطيئة التطبيع والتصدي لها.

هذا الواقع المخيّب للآمال ترك الجزائر أمام خيارات ضيقة لإنقاذ القمة العربية من أن تكون قمة هامشية أو شكلية على غرار العديد من القمم في تاريخ جامعة الدول العربية الباهت، وهو ما عنى أنّ الورقة الوحيدة المتبقية لتحقيق إنجاز على هامش القمة يتمثّل في الملف الفلسطيني الداخلي والمصالحة الوطنية.

حوارات الجزائر للمصالحة الفلسطينية وإنهاء الإنقسام

وجّهت الجزائر دعوات لكل الفصائل الفلسطينية الرئيسية لعقد لقاء وطني شامل برعاية الرئيس الجزائري في الثاني من أكتوبر القادم، في إطار السعي لتحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية ولمّ شمل المشهد الفلسطيني.

سبق الاجتماع الوطني الفلسطيني الواسع دعوة جزائرية لوفدين قياديين من حركتي فتح وحماس للجزائر لعقد مباحثات مع القيادة الجزائرية ومحاولة عقد اجتماع ثنائي بوساطة جزائرية بين طرفي الإنقسام الفلسطيني، سينتج عنه تقديم الجزائر لورقة مقترحة للفصائل الفلسطينية المختلفة في اجتماع مطلع أكتوبر لتكون أرضية عملية تنهي الإنقسام وتصل لوحدة وطنية فلسطينية.

الجهود الجزائرية لن تبدأ من الاجتماعات الحالية، فهذه الجولة من المباحثات مع الفصائل الفلسطينية هي الثالثة، بعد جولتين مشابهتين عقدتهما في كانون الثاني/ يناير ونيسان/ أبريل من العام الحالي، اعُتبرت جولات إستكشافية للاطلاع على التفاصيل العالقة والرؤى الفلسطينية المختلفة للطرق الأمثل لإنهاء الإنقسام الفلسطيني وتحقيق الوحدة الوطنية، تلاه أيضاً جمع الرئيس الجزائري للرئيس محمود عباس والسيد إسماعيل هنية في لقاء برتوكولي بضيافته.

بالإضافة لما سبق، تجدر الإشارة إلى أنّ مسؤول الملف الفلسطيني في الخارجية الجزائرية لم ينقطع عن التواصل مع الفصائل الفلسطينية الرئيسية طوال الأشهر السابقة في إطار تبادل الأفكار والتشاور للوصول لأفضل صيغة ممكنة لتحقيق اختراق حقيقي في الملف الفلسطيني الداخلي.

تهدف الخطة الجزائرية إلى عدم تقديم إتفاقية جديدة للمصالحة، على غرار تلك التي وُقّعت في مصر، وذلك لتوافق الطرفين (فتح وحماس) على الحل في القاهرة عام 2011، بل سيُصار إلى طرح خطة لتطبيق إتفاقيات وتفاهمات المصالحة، والتي ستستند إلى اللقاءات الإستكشافية التي سبق أن استضافتها الجزائر

تهدف الخطة الجزائرية إلى عدم تقديم إتفاقية جديدة للمصالحة، على غرار تلك التي وُقّعت في مصر، وذلك لتوافق الطرفين (فتح وحماس) على الحل في القاهرة عام 2011، بل سيُصار إلى طرح خطة لتطبيق إتفاقيات وتفاهمات المصالحة، والتي ستستند إلى اللقاءات الإستكشافية التي سبق أن استضافتها الجزائر.

بالرغم من أنّ الجهود الجزائرية الكبيرة لردم الهوّة ما بين الفصائل الفلسطيني وبشكل خاص بين حركتي فتح وحماس، إلا أنّ هذه الجهود تأتي في أجواء فلسطينية داخلية لا تبشّر بالخير، حيث أنّ المشهد الفلسطيني الداخلي لا زالت المسافات بعيدة فيه بل وتتسع ما بين أطرافه المختلفة، والإشارات من الأرض لا تُنبئ بإمكانية تحقيق اختراق جدي في الملفات العالقة خصوصاً مع إصرار رئيس السلطة على تعطيل الإنتخابات العامة، وعقد المجلس المركزي بشكل منفرد واستكمال اللجنة التنفيذية بمقاييسه الخاصة بعيداً عن أي توافق وطني، والسعي لتثبيت وقائق جديدة، إضافة للحدث الأخير عبر تصعيد السلطة لسياسة اعتقال المقاومين المطلوبين للاحتلال وتشديد الملاحقة السياسية لنشطاء المقاومة، والذي جاء آخرها وأكثرها صخباً متزامناً مع توقيت وصول وفود حماس وفتح إلى العاصمة الجزائرية.

بالرغم من سلبية المشهد، يبقى الأمل معقوداً على العزيمة الجزائرية التي ترى في المصالحة الفلسطينية ضرورة وطنية والتزام أخلاقي وقِيمي منطلق من موقف الجزائر الثابت الداعم للشعب الفلسطيني في نضاله العادل ضد الاحتلال، وأيضاً على الحاجة الجزائرية إلى تقديم إنجاز نوعي خلال القمة العربية التي اصطدمت فيها الطموحات الجزائرية الكبرى بالعديد من العوائق والمطبات التي حالت دون اختراقات نوعية في الساحة العربية، مما يجعل الضغط الجزائري على الأطراف الفلسطينية مضاعفا، وهو ما يمكن أن يسمح بتحقيق اختراق ولو بسيط في الجمود الفلسطيني الداخلي وتحريك ملف الإنقسام الذي يستنزف المشهد الفلسطيني بكل تفاصيله.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,