الفلسطيني يركب قارب الموت سعياً لحياة أفضل، والمأساة تتكرّر!

التصنيفات : |
سبتمبر 26, 2022 7:18 ص
الطفل الغريق سمير استيتة

*وفيق هوّاري – صمود:

استقبل أهالي مخيّم شاتيلا بعد منتصف ليل السبت- الأحد ٢٥ أيلول/ سبتمبر الجاري جثتي الشابين نور عبد اللطيف، وأحمد عبد اللطيف اللذين قضيا غرقاً على متن زورق الموت مقابل جزيرة أرواد السورية والذي انطلق بطريقة غير قانونية يوم ٢٠ سبتمبر ٢٠٢٢ من شاطىء المنية شمال لبنان.

كما استقبل أهالي مخيّم نهر البارد، فجر اليوم، جثامين ثلاثة ضحايا ممن قضوا على متن ذات القارب وهم: الشابة رنين نافذ حسن والطفلين الشقيقين، رائد وريم محمد فارس إسماعيل.

وكان أهالي مخيّم شاتيلا قد شيّعوا ظهر السبت الفائت الفتى رواد السيد البالغ من العمر ١٥ عاما، والذي قضى غرقاً أيضاً في الحادثة نفسها.

هذهّ ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يحاول فيها شباب مخيّمات اللاجئين ترك لبنان والسعي للهجرة غير القانونية إلى بلدان أوروبية.

وما زالت في الذاكرة صورة الطفل سمير ماهر استيتة الذي قضى غرقا، محمولاً على ساعدي والده الذي حاول مرتين إنقاذه من الغرق بتاريخ ١٣ أيلول سبتمبر ٢٠٢٢ مقابل الشواطىء التركية.

في أحد زواريب مخيّم شاتيلا، وفي الطابق الخامس من مبنى قديم نصل إليه على الرغم من الظلام الذي يلفّ السلالم، تعيش عائلة والد الطفل الغريق سمير.

جدة سمير لوالده، واسمها فاطمة محمد الشاويش، إمرأة تقارب السبعين من العمر، ما زالت تعيش صدمة فقدان حفيدها البالغ من العمر ثلاثة أعوام.

تبكي وتختنق الكلمات في القلب الذي يخفق بالحزن، وتعبّر بالقول: “كان ابني ماهر وزوجته ريم داوود يعملان، لذلك عاش الطفل في كنفي، كنت له الأم والأب والجدة، كان ابني يعمل في محل بيع قطع غيار للسيارات في منطقة الدورة، وفي أكثر من محل ليؤمّن مصاريف معيشته ومعيشة العائلة. لكنّه مؤخراً عجز عن ذلك، وعجز عن مواجهة صاحب المنزل الذي كان يطالبه برفع بدل الإيجار، لجأ إلى بيع أثاث البيت قبل أن يقرر السفر إلى الخارج بطريقة غير قانونية، وخصوصاً أنّه كان بحاجة لإجراء عملية جراحية في كتفه تكلّف أكثر من ١٣ ألف دولار أمريكي”.

تبكي الجدة بحرقة وتضيف: “نصحته بعدم السفر، لكنّ سوء الحال أوصله إلى المأساة. ودّعناه وزوجته وطفله، لكنّه لم يسافر حسب التوقيت الذي تمّ الإتفاق عليه مع سمسار التهريب، إذ بقي في طرابلس لمدة شهر، بعد أن دفع مبلغ ٦،٥٠٠ دولار أمريكي”.

الجدة الثكلى

لم تستطع والدة ماهر إكمال القصة، لذلك تدخلت حفيدتها التي تحمل اسمها، فاطمة، لتكمل الرواية وتقول: “وصل زورق التهريب إلى الشواطىء اليونانية، لكنّه توقف هناك والسبب كما قالوا إنّ الزورق نفذ من الوقود، جاء إليهم خفر السواحل اليونانية، أنزلوهم إلى زوارق مطاطية ودفعوهم باتجاه الشواطىء التركية، طلبوا من اليونانيين ماءً للشرب، لكنّهم رفضوا تزويدهم بقارورة مياه واحدة. وحسب ما قال عمي ماهر، إنّ الموج ارتفع ما أدى إلى انقلاب الزوارق المطاطية، وكان يحمل سمير بين يديه، لكنّه وقع في الماء مرتين، أنقذه والده في المرة الأولى، ووالدته في المرة الثانية، لكنّه في المرة الثالثة أسلم روحه وهو بين يدي والده”.

كيف علمت العائلة بالأمر؟

توضح فاطمة بالقول: “عندما وصل عمي إلى الأراضي التركية، لم يكن بحوزته لا أوراق ولا ثياب، لكنّه كان يحفظ رقم هاتف صديق له في مخيّم شاتيلا، طلب الإتصال به وأخبره بما حصل. وهذا الصديق أعلم جدي، الذي أخفى الأمر عن جدتي لعلمه بمدى تعلّقها بحفيدها، أبعدها عن المنزل وأخذها إلى بيت شقيقها، وهناك أخبروها بعد أربعة أيام، ووقع عليها الخبر كالكارثة، وحتى اللحظة وكما تراها، تعاني الأمرين”.

ما حال الوالدين الآن؟

تجيب الجدة: “يوم الجمعة الفائت، اتصل بنا ماهر ليطمئنا عنه وعن زوجته، وأخبرنا أنّه بسبب غياب الأوراق الثبوتية لم يستلم جثة سمير حتى اللحظة كي ندفنها، وربما تلجأ السلطات لإجراء فحص DNA للتأكد قبل تسليمه الجثة لدفنها”.

سألته والدته إن كان يودّ العودة إلى لبنان، أجابها بالنفي وأنّه سيبقى هناك لأنّ الحياة في تركيا على صعوبتها، تبقى أفضل من الحياة في مخيّم شاتيلا.

في الأسباب والتحليل

ويعاني أهالي المخيّم من انتشار سماسرة للتهريب من البلد، وتروي إحدى السيدات أنّ خالتها حاولت إقناعها بالهجرة غير القانونية أو إرسال ابنها الشاب معها، لكنّ السيدة رفضت الأمر، وتضيف: “دفعت خالتي مبلغاً من المال لأحد المهربين من وادي خالد الذي قبض مالاً من أشخاص آخرين لكنّه اختفى وألغى رقم هاتفه”.

وتتحدث مصادر عن خروج إحدى السيدات من مخيّم شاتيلا، والتي تعمل كسمسارة، إلى طرابلس، ويُعتقد أنّ اسمها جميلة، ويقول أحد المصادر إنّ سيدة تدعى ر. خ. هي قيد الاحتجاز للإشتباه بدور لها في إقناع البعض بالهجرة غير القانونية.

ومع تزايد الهجرة غير الشرعية في أوساط المخيّمات الفلسطينية، يقول أحد الباحثين الفلسطينيين الذي يعدّ دراسة عن هذا الموضوع: “تعود أسباب هذه الظاهرة لأمور عديدة توصلتُ إليها خلال عملي على البحث، يمكن تلخيصها بالتالي:

السبب الأول: هو الشعور بعدم الإنتماء إلى هذا المكان، على الرغم من الولادة والعيش فيه، واختلاف الهوية بشكل واضح.

السبب الثاني: سياسة التمييز التي تُمارس تجاه اللاجىء الفلسطيني رسمياً ومجتمعيا.

السبب الثالث: على الرغم من وجود اللاجئين الفلسطينيين في لبنان منذ نحو ٧٥ عاما، فإنّهم لم يستطيعوا الإندماج في المجتمع بسبب التركيبة الإجتماعية اللبنانية التي تقوم على أساس الإنقسامات الطائفية.

السبب الرابع: هو الوضع العام وما يشهد من انهيارات على الصعد الإقتصادية والمالية والإجتماعية والثقافية.

السبب الخامس: هو الأمل بالحصول على جنسية أجنبية تسمح للفلسطيني بأن يُعامل كإنسان له حقوقه.

السبب السادس: طموح كل إنسان بتحقيق أحلامه الشخصية من خلال ما يسمعه عن النجاحات التي يحقّقها الفلسطينيون في الخارج.

يبدو أنّ الأخبار عن قوارب الموت ستستمر، والهجرة غير القانونية مستمرة في ظل تحلّل السلطات والأجهزة المعنية وعدم القدرة على القيام بالمهام المطلوبة منها.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,