سباق الإرادات بين المقاومة وسلطة أوسلو و”الإسرائيلي

التصنيفات : |
سبتمبر 27, 2022 9:02 ص

*سنان حسن

في الوقت الذي يعتقد البعض أنّ العملية التي نفّذها مقاوم فلسطيني -مجهول أو معروف سابقا- ضد جنود الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه، هي الأقوى، يصل الخبر عن عملية أخرى جديدة لمقاوم آخر، مجهول أو معروف أيضا، تسرق الأضواء من الأولى، ويبدأ الحديث عن كيفية وصول البطل إلى نقطة العملية النوعية وتنفيذها والخروج من المكان دون أن تتمكن أجهزة الأمن الإسرائيلية من الوصول إليه، لكنّ عملية الجلمة البطولية هي من النوع الذي يمكن القول فيه إنّ ما بعدها ليس كما قبلها سواء في هوية المقاومين المنفّذين أو في طريقة التنفيذ أو حتى في طبيعة الأشخاص المستهدفين، وكان ذلك واضحاً منذ البداية حين اضطرت “إسرائيل” للاعتراف بمقتل أحد ضباطها جراء هذه العملية، واحتدام الجدل الفوري بين القادة الإسرائيليين السياسيين والعسكريين حول سبل الرد على هذه العملية وغيرها من العمليات المتواصلة بتواتر لافت في مدن الضفة وبلداتها، فهل يبدأ الجيش عملية واسعة أم يكتفي بالعمليات الخاصة؟، وهل يمكن القول إنّ العمليات الفدائية المتواصلة ستقودنا حتماً إلى واقع ميداني مختلف قد يُفضي إلى انتفاضة ثالثة؟، وهذا ما قاد المراقبين للتساؤل عن سبب الحيرة والتردد الإسرائيلي هذه المرة، فهل مردّ ذلك إلى لعبة الإنتخابات الإسرائيلية أم هناك ما هو تحت الطاولة؟، وإذا كانت تلك بعض أسئلة “إسرائيل” فإنّ السؤال المزعج بالنسبة للجانب العربي يدور حول سبب إصرار سلطة أوسلو على الزج بنفسها بعد كل عملية مماثلة وتقديم نفسها على أنّها المخلّص الوحيد للكيان من الورطة الأمنية التي يمر بها.

ثمة انتقال واضح من حالة المواجهة الفردية إلى الجماعية كما يحدث في جنين وطولكرم ونابلس، ولكن رغم كل ذلك هل وصلت المقاومة إلى اللحظة التي يمكن من خلالها إعلان الإنتفاضة الشاملة؟

يمكن الجزم أنّ سيرورة العمليات الفدائية التي نفّذها المقاومون الفلسطينيون خلال الفترة الماضية في تصاعد مستمر من حيث نوعية الأهداف المنتقاة وطريقة التنفيذ والجدل الإعلامي والسياسي والأمني الكبير الذي تحصده بعد كل عملية، فاختيار الأهداف يعبّر عن دراسة عميقة وفكر جماعي يخطط جيداً للعملية وليس كما يحاول العدو الترويج له على أنّها عمليات لـ”ذئاب منفردة” تقوم بها بفعل اليأس من الواقع الإقتصادي والإجتماعي الذي تعيش فيه، وفيها أيضاً انتقال واضح من حالة المواجهة الفردية إلى الجماعية كما يحدث في جنين وطولكرم ونابلس، حيث أصبحت بيانات كتائب المقاومة، “شهداء جنين” مثلا، تستحوذ على مساحات واسعة من تغطيات وسائل الإعلام، ولكن رغم كل ذلك هل وصلت المقاومة إلى اللحظة التي يمكن من خلالها إعلان الإنتفاضة الشاملة؟.

بالتأكيد لا، لكنّ ذلك لا ينفي حقيقة حدوث تغيّر جوهري ملحوظ في الواقع الفلسطيني المقاوم في الضفة، وهذا ما اعترف به الإعلام الإسرائيلي نفسه، حيث أشار الكاتب الإسرائيلي عاموس هرئيل في صحيفة هآرتس في الحادي والعشرين من أيلول/ سبتمبر الجاري إلى ذلك بالقول: “على الرغم من أنّ الوضع في الضفة لم يصل إلى مرحلة إنتفاضة ثالثة، إلا أنّ من يتابع ما يحدث بشكل يومي يتضح له أنّ هناك تغييراً جوهرياً يطرأ على الوضع”، وهذا ربما ما دفع بالأجهزة الإسرائيلية إلى إسقاط أجهزة السلطة في الكثير من الأحيان من حساباتها والعمل منفردة تحسباً لأي خرق أمني كما حدث في عملية الجلمة حيث كان أحد منفّذي العملية يعمل لدى أجهزة الإستخبارات الفلسطينية، ولعلّ ما ساقه الصحافي الإسرائيلي تيمر هيمان في “تايمز أوف إسرائيل” يؤكد هذه الجزئية الأخيرة حين قال: “إنّ ضعف التنسيق الأمني مع السلطة الفلسطينية هو مصلحة أمنية وليس ضعفاً سياسيا”.

“إذا أوقفت “إسرائيل” الإقتحامات وأعطت الفرصة للسلطة الفلسطينية يمكن وقف التدهور، لا أحد في السلطة أو فتح يشجع ما يحدث على الأرض”

(أكرم رجوب)

لكنّ ما سبق لا ينفي أنّ استمرار التنسيق الأمني بين سلطة أوسلو والأجهزة الإسرائيلية يشكّل عقبة كبرى في وجه تحقيق إنتفاضة شاملة في الضفة، فمثلاً بعد عملية الجلمة البطولية كان لافتاً تأكيد محافظ جنين أكرم رجوب لإذاعة “كان” الإسرائيلية على استعداد سلطة أوسلو وأجهزتها الأمنية للمساعدة في وقف التدهور الأمني في الضفة قائلا: “إذا أوقفت “إسرائيل” الإقتحامات وأعطت الفرصة للسلطة الفلسطينية يمكن وقف التدهور، لا أحد في السلطة أو فتح يشجع ما يحدث على الأرض”، والخطير في هذا الموقف الذي أدلى به رجوب أنّه يأتي في ظل استياء عبّرت عنه سلطة أوسلو من خلال العديد من مسؤوليها للصحافة الإسرائيلية بأنّ الإضطرابات في نابلس تُظهر بأنّ “إسرائيل” تتآمر ضدنا، وهذا تصريح ينطوي على هلع لدى السلطة من التطورات المتتالية التي تحدث في الضفة والتي تؤشّر إلى أنّ سيطرتها على مدن الضفة باتت ضعيفة جداً كما يحدث في جنين وطولكرم، ولكن ما عبّر عنه مسؤولو السلطة أيضاً قد يكون فيه الكثير من المبالغة فاعتقال الناشط في حركة حماس مصعب اشتيه يؤكد ذلك.

ذلك هو الموقف اليوم في فلسطين المحتلة، حيرة وارتباك وترقب في صفوف “إسرائيل” والسلطة أيضا، ووضوح بيّن في طرف شعب تبنّى المقاومة ووحدة ساحاتها كطريق واحد للحرية، فهل نشهد إنتفاضة جديدة؟ وهل تعيد السلطة حساباتها وبوصلتها ناحية فلسطين؟ ذلك ما ستقوله الأيام القادمة ونأمل أن نقول و”القريبة” أيضا.

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , ,