من خطاب عرفات إلى “خطاب عباس”: غصن الزيتون اليابس!

التصنيفات : |
سبتمبر 30, 2022 7:02 ص

*أحمد حسن

عام 1974 ومن على منبر الأمم المتحدة، قال الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في نهاية خطاب طويل، وتاريخي بالمطلق، مخاطباً رئيس الجمعية العامة، وعبره العالم بأسره، الجملة التي حفظها التاريخ كإحدى “أيقوناته” الكبرى في مسار الحرية الطويل: “لقد جئتكم يا سيادة الرئيس بغصن الزيتون مع بندقية ثائر.. فلا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي”.

عام 2022 ومن على المنبر ذاته، لم يكن في يد الرئيس الفلسطيني محمود عباس وهو يلقي خطابه سوى غصن زيتون مكسور ويابس بعد أن ألقى في “أوسلو” وربما قبلها، بندقية الثائر من يده وشرع بعد أوسلو، وربما قبلها، في ملاحقة ومحاربة كل من يحملها بحجة التنسيق الأمني مع عدو لم يرد من تلك الإتفاقية إلا هذا البند الذي ربط السلطة كلها، برئيسها ومؤسساتها، بحبل لم ولن تستطيع الفكاك منه رغم كل التهديدات “العباسية” والمهل الزمنية التي يمنحها للمحتل لتنفيذ تعهداته -وآخرها مهلة العام الشهيرة- ثم يكون هو تحديداً أول من “يأكلها” كآلهة من تمر لكنّه مخضّب دائماً بدماء الشهداء.

عام 1974 كان العالم بأسره، وضمنه العدو الصهيوني وراعيته الأولى واشنطن، يتحسّب لخطاب عرفات ويحلل كل كلمة فيه، خاصة وأنّ الرئيس الراحل الذي عرض غصن الزيتون كان يسنده ببندقية لقضية محقّة أدرجها بالقول -والفعل كما يعرف الجميع- “كجزء هام بين القضايا العادلة التي تناضل في سبيلها الشعوب التي تعاني الإستعمار والإضطهاد”.

في ما انتهت مفاعيل خطاب عباس في اللحظة التي نزل بها عن منبر الجمعية ولم يبقَ منها سوى المرارة التي شعر بها أبناء شعبنا من خطابٍ حفل بنداءات دارت بين شكوى مذلّة من “السيد نتنياهو”!، الذي رفض المفاوضات “لأنّنا مقتنعون أنّ السلام لن يأتيَ إلا من خلال المفاوضات والمفاوضات فقط”!، وتسوّل مالي فاضح لدفع نفقات يعرف الجميع أنّها تذهب في زواريب فساد فاجر، واستجداء يطالب العالم أن “يدفع “إسرائيل” لاحترام الشرعية الدولية”، وهي نداءات كانت مفارقتها الكبرى أنّها خرجت من فم رئيس ضعيف وسلطة تمرّ في أسوأ وأضعف حالاتها على المستوى الشعبي والمالي، لتقعَ في أسماع دولٍ بعضها عاجز، وبعضها غير مبال، وبعضها شامت، وبعضها أبعدته السلطة ذاتها عن القضية، وبعضها شريك رئيس في الجريمة الفلسطينية الكبرى.

القضايا المحقّة عبر التاريخ، وفلسطين أوضحها وأسطعها وأحقّها، لا تُحلّ ولا تُعرض أمام الآخرين استجداء، بل تُفرض فرضا، أو على الأقل وضْع العالم بين خيارين كما فعل عرفات بقوله إنّ “الحرب تندلع من فلسطين والسلام يبدأ من فلسطين”

والحال، فإنّ المقارنة بين الخطابين والرجلين ستخرج بنتيجة معروفة للجميع، لكنّ التاريخ لا يسير بطريق حتمي و”قضاء وقدر” لا رادّ فيه، بل يصنعه الرجال بقدر ما يصنعهم في تفاعل خلاق وموضوعي، لذلك يمكن القول إنّه كان يتوجب على “عباس”، وهذا ما يعرفه الجميع وهو منهم، كي تكون نداءاته الأممية مؤثرة ومنتجة أن يسارع، وقبل الخطاب، إلى بناء كل عناصر القوة المفتقدة، عمدا، وأهمها التشبيك مع المقاومة بكل أشكالها، و”الإفراج عن كل المعتقلين السياسيين، وإصلاح واقع حركة فتح وجناحها العسكري، وترسيخ العدالة الإجتماعية، ومحاربة الفساد والتخابر مع الاحتلال، ووضع رؤى واستراتيجيات بالتوافق مع الكل الوطني للمرحلة المقبلة”.

وبكلمة أخرى، كان عليه، ولا زال، وضع البندقية في مكانها الطبيعي في حالة بلد يعاني من احتلال إستيطاني إحلالي مجرم، كي يعود غصن الزيتون الشهير لاخضراره وحينها فقط سيعود العالم للاهتمام والموازنة بين الغصن والسلاح، فالقضايا المحقّة عبر التاريخ، وفلسطين أوضحها وأسطعها وأحقّها، لا تُحلّ ولا تُعرض أمام الآخرين استجداء، بل تُفرض فرضا، أو على الأقل وضع العالم بين خيارين كما فعل عرفات بقوله إنّ “الحرب تندلع من فلسطين والسلام يبدأ من فلسطين”.

عام 1974، أكّد عرفات أنّ وجوده كشخص وكممثل لقضية فلسطين على منبر الأمم المتحدة “يشكّل مؤشراً جديداً على أنّ هيئة الأمم اليوم ليست هيئة الأمم أمس، ذلك لأنّ عالم اليوم ليس هو عالم الأمس”.

ذلك ما يمكن استعادته اليوم بعد خطاب عباس الأخير، فهذا ليس عالم الأمس حتى قياداته ليست قيادات الأمس، لكنّ الأيام حبلى والأمة ليست عاقرا، و”الضفة” تتكلم هذه الأيام..

*كاتب سوري


وسوم :
, , , , , , , , , , ,