هل تتّجه الأمور ما بين لبنان وكيان الاحتلال إلى التصعيد؟

التصنيفات : |
أكتوبر 10, 2022 5:49 ص

*أحمد الطناني – غزة:

أعلنت شركة “إنيرجين” المُشغّلة لحقل “كاريش” عن البدء بربط المنصة بأنابيب التوصيل وبدء عملية الضخ “التجريبي” العكسي من الشاطئ للمنصة، حيث أوضحت الشركة أنّ هذه الخطوة هي خطوة رئيسية في التحضير لعملية تشغيل المنصة. يأتي هذا الإعلان على أثر وقع الاجتماع الأخير للمجلس الوزاري المصغر في الكيان الصهيوني، الذي أكد فيه رفض التعديلات اللبنانية على المسودة التي قدّمها الوسيط الأمريكي لكل من الاحتلال والدولة اللبنانية لترسيم الحدود البحرية وإنهاء أزمة استخراج الغاز على حدود لبنان مع فلسطين المحتلة، مما فتح الباب أمام احتمالات التصعيد من جديد، خصوصاً وأنّ “كابينت” الاحتلال قد فوّض لجنة مصغرة لإدارة ما أسمته بـ”سيناريوهات التصعيد” في حال نشوبها مع التأكيد على ضرورة بدء استخراج الغاز من منصة “كاريش”.

الأطراف اللبنانية، على اختلافها، غير معنيةٍ بالذهاب إلى مواجهة مع الكيان، بقدر سعيها إلى إنجاز اتفاق مُرض يحفظ حقوق لبنان في الطاقة، والاستثمار الأمثل للحظة التاريخية الراهنة، التي يحتاج فيها كيان الاحتلال إلى البدء باستخراج الغاز “المنهوب من حقوق الشعب الفلسطيني ومن مياهه المحتلة” نظراً للفرصة الاقتصادية الكبرى والحاجة الأمريكية المُلحة لتعويض جزءٍ من واردات الغاز للحلفاء في أوروبا لتحريرهم من سطوة إمدادات الغاز الروسية.

من جانبه، يحتاج كيان الاحتلال إلى إنجاز الاتفاق في أسرع وقت ممكنٍ للإيفاء بالتزاماته، بما فيها الالتزامات تجاه الشركة التي تتولى استخراج الغاز “إنيرجين”، التي من المفترض أنّها بدأت عملية الاستخراج منذ منتصف أيلول/ سبتمبر المنصرم، وقد أُجِّل ذلك ارتباطاً بتفويت فرص التصعيد، وسط ادّعاء “إسرائيلي” بأنّ التأجيل كان لـ”أسباب فنية”.

مناورة الاحتلال وإطالة أمد المفاوضات

ناوَر الاحتلال في المفاوضات بما فيه الكفاية بغرض تحقيق أكبر مكاسب ممكنة، بما فيها محاولة تمرير صيغ تحمل “شبهات تطبيعية”، مثل “الإدارة المشتركة” لبعض البلوكات، و”تقاسم الأرباح”، و”التعويضات المتبادلة” ما بين لبنان والكيان، إضافة إلى وضع صيغ ملغومة في الاتفاق تسمح للأخير بإعادة التدخل أو التداخل مع البلوكات التي ستُحسم على أنّها ضمن الحقوق اللبنانية.

جاءت إطالة أمد المفاوضات من قناعة لدى الاحتلال بأنّ غالبية الأطراف اللبنانية، غير معنية بالذهاب إلى التصعيد ويمكن أن تقدّم تنازلات محدودة في إطار المفاوضات رغبةً في إتمام المفاوضات

جاءت إطالة أمد المفاوضات من قناعة لدى الاحتلال بأنّ غالبية الأطراف اللبنانية، وبدرجة أساسية كلاً من رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الوزراء نجيب ميقاتي، غير معنية بالذهاب إلى التصعيد ويمكن أن تقدّم تنازلات محدودة في إطار المفاوضات رغبةً في إتمام المفاوضات، إذ سعى الاحتلال إلى اللعب على ورقة الانقسام اللبناني-اللبناني في المواقف (وهو ما فشل بالمناسبة).

المعركة الإنتخابية في الكيان الصهيوني في قلب الأزمة

يمنح رئيس وزراء الاحتلال يائير لابيد المعركة الإنتخابية أهمية استثنائية، وهو غير مستعد للمخاطرة، لا بفقدان أي من المقاعد المحتملة في الكنيست لصالح الوصول لاتفاق مع لبنان، ولا باحتمالات التصعيد قبل الإنتخابات بأقل من شهر، في الوقت ذاته.

الهجوم الواسع للمعارضة في الكيان الصهيوني، بقيادة رئيس الوزراء الأسبق بنيامين نتنياهو، على الاتفاق كان متوقعا، لكنّ بروز أصوات من داخل الائتلاف الحكومي، خاصة إيليت شاكيد ونفتالي بينيت، شكّل عامل الضغط الأكبر على لابيد ووزير دفاعه بيني غانتس اللذين لم يريدا المخاطرة بعدم القدرة على تمرير الاتفاق في حال قُرّر عرضه على الحكومة كاملةً لا الإكتفاء بتمريره في الكابينت.

عقّد اللجوء للقضاء، وتحديد موعد يسبق الإنتخابات بأيام للبتّ في إمكانية أن تَعقد الحكومة الإنتقالية الحالية اتفاقاً يرتبط بـ”ترسيم الحدود”، حسابات لابيد تعقّدت أكثر، إذ أنّ قرار المحكمة سيشكّل ضربة قد تؤثر على كتلته التصويتية، في حال كان القرار متعارضاً مع توجّه لابيد لإتمام الاتفاق.

يبحث لابيد عن أكثر الخيارات أمانا، مع استعراض إعلامي يُثبت عكس الدعاية التي روّجتها المعارضة في الكيان الصهيوني، حول كون الاتفاق يمثّل “استسلاما” للمقاومة في لبنان وشروطها،

الاستعراض الإنتخابي والبحث عن الخيارات الآمنة

يبحث لابيد عن أكثر الخيارات أمانا، مع استعراض إعلامي يُثبت عكس الدعاية التي روّجتها المعارضة في الكيان الصهيوني، حول كون الاتفاق يمثّل “استسلاما” للمقاومة في لبنان وشروطها، بالتالي عمد إلى إعلان رفض التعديلات اللبنانية قبيل انعقاد اجتماع الكابينت لمناقشة مسودة الاتفاق، الذي نتج عنه تفويض لجنة مصغرة بعضوية لابيد وغانتس وبينيت لإدارة سيناريوهات التصعيد، والتأكيد على الاستخراج “التجريبي” من “كاريش”.

سلوك الاحتلال مرتبط بحسابات الإنتخابات أكثر من ارتباطه بحسابات الربح والخسارة من الاتفاق بالمعنى الاستراتيجي، ويأتي ما يجري في إطار المزاودة الإنتخابية، إذ يدير لابيد وغانتس لعبة استعراضية، كلّ من جهته، للظهور بمظهر الأبطال لا المستسلمين، دون الإنزلاق إلى احتمالية جدية للتصعيد مع حزب الله في لبنان.

التقدير حول احتمالات التصعيد

الموقف الأمريكي الضاغط لإنجاز الاتفاق حاسم في منع خيارات التصعيد، إذ أنّ الذهاب إلى خيار التصعيد سيعني تأخير الاستخراج لمدة غيرِ محسوبة، ارتباطاً بالأضرار التي من الممكن أن تنتج في معدات الاستخراج ومنصات الاستكشاف بـ”كاريش”، ما يعني أنّ المصالح الأمريكية والحاجة المُلحّة لإنجاز الاستخراج ستتضرّر كثيرا.

التقدير أنَّ حزب الله غير معنيّ بالانخراط في لعبة الإنتخابات الصهيونية وحساباتها، وغير معنيّ بجعل “الاستخراج التجريبي” السقف الذي يستوجب التصعيد، بالتالي قد يعمد إلى إرسال بعض الرسائل حول جدية تهديداته، دون المخاطرة بالتدحرج نحو تصعيد جزئي أو شامل، بالتالي لن ينفّذ الحزب عملاً هجومياً على منصات استخراج الغاز في المرحلة الحالية.

التقدير في جبهة الاحتلال أنَّ لابيد سيعمل على المماطلة في إنجاز الاتفاق إلى ما بعد الإنتخابات دون البدء بالاستخراج الفعلي للغاز، إذ يشكّل هذا الخيار بالنسبة له أسلَم الخيارات وأكثرها أمانا، فإن عاد لتولّي رئاسة الحكومة سيستكمل مساره بائتلافه الحكومي الجديد، وإن لم يَعُد ستكون هذه الأزمة أزمة رئيس الحكومة الجديدِ الذي سيكون عليه بالطبع تحمّل تبعات أي سيناريو في حينه.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,