قراءة هادئة لاتفاق الترسيم البحري: بين الإيجابيات والسلبيات والأبعاد المستقبلية

التصنيفات : |
أكتوبر 18, 2022 5:50 ص

*قاسم قصير

حظي اتفاق الترسيم البحري بين لبنان والكيان الصهيوني برعاية أمريكية بالكثير من ردود الفعل اللبنانية والعربية والدولية، ونُشرت حوله عشرات المقالات والدراسات والأبحاث، كما أُطلقت حوله مواقف محلية وإقليمية ودولية.

وتوزعت الردود والمواقف والأبحاث المنشورة، بين أربع اتجاهات أساسية في لبنان والعالم العربي. الاتجاه الأول، والذي يعتبر الاتفاق إنجازاً تاريخياً ووطنياً وخطوة في المسار الصحيح وأنّه حقّق مطالب لبنان، وأنّ هذا الاتفاق ما كان ليُنجزَ لولا التعاون بين المقاومة والدولة اللبنانية ووحدة الموقف اللبناني واستفادة لبنان من الظروف العالمية والإقليمية وخصوصاً الأزمة الأوكرانية وحاجة أمريكا وأوروبا للغاز من منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط، وهذا الموقف يعبّر عنه المسؤولون اللبنانيون وقادة المقاومة وعدد من المحللين والكتّاب السياسيين المؤيدين للعهد الحالي في لبنان والمقاومة.

الاتجاه الثاني، وهو المعارض للاتفاق في لبنان، يرى أنّ هذا الاتفاق يحقّق المطالب الصهيونية وأنّه يتضمن تنازلات عن الحقوق اللبنانية في البحر، وأنّه يشكّل خيانة وطنية ولذلك يجب محاكمة المسؤولين اللبنانيين على هذا الاتفاق، كما يحذّر هؤلاء من أنّ الاتفاق سيؤدي للتطبيع الاقتصادي مع الكيان الصهيوني وسيؤدي لإضعاف دور المقاومة. وتوزّع هؤلاء بين شخصيات يسارية ووطنية وبعض الشخصيات الأكاديمية والمحللين المختصين في ملف الترسيم البحري.

الاتجاه الثالث، هو الاتجاه الذي يعتبر الاتفاق خطوة متقدمة لتحقيق بعض مطالب لبنان، وأنّه يمكن الاستفادة منه لتحسين الأوضاع الداخلية.. الاقتصادية والمالية، ولكنّهم يخشون من بعض النقاط السلبية في الاتفاق ويدعون لتطويره مستقبلاً ولمعالجة الثغرات ويحذّرون من استفادة بعض أركان الفساد في لبنان من هذا الاتفاق لاستغلال الثروات التي ستنتُج عن استخراج النفط والغاز، ويحثّون على ضرورة متابعة هذا الملف مستقبلا.

الاتجاه الرابع، وهو يمثّل المنزعجين من حصول الاتفاق في عهد الرئيس ميشال عون ودعم حزب الله والمقاومة للمفاوضات وتحقيق هذا الإنجاز في هذه المرحلة ، وهؤلاء من المعادين للعهد الحالي والمقاومة، وهم يشنّون حملات إعلامية ضد العهد والمقاومة، ولذلك اعتبروا أنّ هذا الاتفاق يؤكد حصول مفاوضات بين الحزب والعهد والكيان الصهيوني وأنّ الحزب ذاهب إلى التطبيع مع العهد وأنّه وقّع اتفاقية أشد خطورة من اتفاقية 17 أيار التي وُقّعت مع الكيان الصهيوني في العام 1983، ويحاول هؤلاء توهين نتائج ما تحقّق والهدف من حملاتهم تشويه صورة الحزب والمقاومة وليس الدفاع عن مصالح لبنان واللبنانيين وحقوقهم.

وعلى ضوء هذه التحليلات المختلفة للاتفاق، هل يمكن تقديم قراءة موضوعية وهادئة لدلالاته وإيجابياته وسلبياته وآثاره المستقبلية بهدف تحديد خارطة طريق مستقبلية للتعاطي معه؟

من المعروف أنّ أي اتفاق يُعقد بين أي بلد وقوى معتدية أو محتلة يتمّ وفقاً لموازين القوى المحلية والإقليمية والدولية ونقاط الضعف والقوة، والمعروف أنّ العدو الصهيوني وبدعم أمريكي لم يكن يريد إعطاء لبنان أية حقوق في البحر، وكل العروض التي قُدّمت خلال السنوات العشر الماضية كانت مُجحفة للبنان ولم تراعِ حقوقه، واليوم نجح لبنان في تحقيق أكبر قدر ممكن من المطالب وذلك بسبب تهديدات المقاومة ووحدة الموقف اللبناني والأوضاع الإقليمية والدولية وحاجة أوروبا للغاز والخوف الأمريكي والإسرائيلي من اندلاع حرب كبرى في المنطقة… كل هذه العوامل ساهمت في تراجع العدو الصهيوني عن مطالبه والموافقة على إعادة الحقوق البحرية للبنان، مع إبقاء بعض النقاط العالقة سواء بما يتعلق برأس الناقورة أو خط الطفافات، مع أخذ العدو الصهيوني لحصة مالية من شركة توتال، وأن يكون هناك دور أمريكي في متابعة التنفيذ.

هذا الاتفاق ليس تطبيعاً مع العدو الصهيوني لأنّه لن يكون هناك أي تعامل مباشر معه، وكل الثروات النفطية والغازية هي ملك للشعب الفلسطيني

إذا، نحن أمام اتفاق يمثّل مرحلة من مراحل المواجهة مع العدو الصهيوني، ويمكن للبنان أن يستفيد منه في هذه المرحلة لمواجهة الضغوط الخارجية ومعالجة بعض الأزمات المالية والاقتصادية، لكن في الوقت نفسه ينبغي الحذر من الخطوات المستقبلية وعدم الركون للضمانات الأمريكية والفرنسية، وكذلك لا بد من مراقبة ما يجري داخل الكيان الصهيوني وانعكاسات الاتفاق على الوضع الداخلي وكيفية تعاطي المسؤولين الصهاينة مع هذا الاتفاق خصوصاً أنّ الكيان الصهيوني أمام استحقاق إنتخابي في بداية الشهر المقبل وقد تكون نتائج الإنتخابات مؤثّرة على الاتفاق مستقبلاً وعلى آلية تطبيقه.

في الختام، لا يمكن مقاربة الاتفاق من زاوية واحدة، فهو محطة من محطات النضال ضد العدو الصهيوني، وهذا الاتفاق ليس تطبيعاً معه لأنّه لن يكون هناك أي تعامل مباشر مع هذا العدو، وكل الثروات النفطية والغازية هي ملك للشعب الفلسطيني، وإذا كان الاحتلال الصهيوني يستغلها اليوم بسبب الاحتلال فينبغي العمل لاستعادة كل فلسطين ودعم نضال الشعب الفلسطيني ومقاومته في مواجهة الاحتلال، فإذا كان لبنان قبِل بهذا الاتفاق اليوم لتحصيل بعض حقوقه، فإنّ ذلك لا يعني التخلي عن خيار المقاومة والقوة، بل لا بد من العمل من أجل استعادة كل الحقوق البرية والبحرية، لكنّ الأهم أن يشكّل كل المعنيين بهذا الملف قوة ضاغطة لحماية الثروات التي ستُستعاد ومنع استغلالها من الفاسدين وكذلك الاستمرار في الضغط لتصويب الأداء مستقبلاً وليس بثّ تُهم التخوين والخيانة لأنّ ذلك يخدم العدو الصهيوني ويُضعف قوى المقاومة بدل أن يساهم بدعمها وتطويرها.

وعلى الصعيد المستقبلي، علينا الاستفادة من هذه المحطة من أجل إعادة تقييم الواقع اللبناني وتحديد الثغرات ونقاط الضعف والقوة والعمل على بناء نظام سياسي واقتصادي قادر على مواجهة التحديات المختلفة والاستمرار في العمل لاستعادة كل الحقوق اللبنانية في البر والبحر، لأنّ المواجهة مع العدو الصهيوني مستمرة ولن تنتهيَ حتى زوال هذا الاحتلال.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , , ,