مشكلات التعليم الفلسطيني في لبنان تتعدّى الاكتظاظ ويتزعّمها الفقر والفساد

التصنيفات : |
أكتوبر 21, 2022 7:36 ص

*وفيق هوّاري – صمود:

حتى اللحظة، لا يبدو أنّ العام الدراسي في مدارس وكالة الأونروا يسير بشكل طبيعي، مشكلة الاكتظاظ في الصفوف ما زالت قائمة، وساعات التعليم وآلياته لا يزال تنظيمها متعثرا.

يقول التلميذ يوسف حسين (صف بكالوريا في ثانوية بيسان/ عين الحلوة): “عند بدء العام الدراسي في 15أيلول/ سبتمبر 2022، لم تكن المقاعد متوفرة لجميع التلامذة، وكان التيار الكهربائي يغذّي المخيّم لساعتين فقط، لكن بعد تحركنا واعتصامنا يوم الأربعاء في الخامس من الشهر الحالي، أمّنت “الأونروا” مقاعد وكراسي لجميع التلامذة، كما أمّنت المازوت للمولد الكهربائي في اليوم الثاني للاعتصام”.

يضيف حسين: “لكنّ المشكلة الكبيرة التي تواجهنا هي اكتظاظ الصفوف، يشرح الأستاذ المادة والتلامذة لا يسمعون. في صفي 47 تلميذاً ومساحة الصف غير مناسبة، مقعدي في الخلف ولا أرى ما يُكتب على اللوح”.

ويتابع بالقول: “لقد أنشانا لجنة في كل ثانوية، ولجنة للتلامذة على مستوى لبنان للتعاون وأخذ الخطوات المشتركة”.

وعن رأيه بأداء المعلمين، يوضح بالقول: “بسبب الاكتظاظ وساعات التدريس الطويلة وغياب الرقابة على عمل الأساتذة يختصر الأستاذ الدرس بسرعة، وبدون تدقيق إذا التلامذة استوعبوا الدرس أم لا، وهذا ما حصل مع أستاذ مادة الفيزياء الأسبوع الماضي عندما أخبرناه أنّنا لم نفهم الدرس بسبب السرعة وطلبنا منه إعادة الشرح، لكنّه رفض ذلك”.

التلميذ يوسف حسين من حراك 5 أكتوبر 2022

وينفي حسين أن يكون هناك أي صبغة سياسية لتحرك التلامذة: “نحن ضد أي تدخل سياسي، لذلك كان هتافنا الأساس:

“الثورة ثورة طلاب

لا سياسة ولا أحزاب”.

ويزيد: “عامان من التدريس عن بعد، أثّرا سلباً علينا، وتدنّى مستوانا العلمي، لذلك اقترحنا عند اجتماعنا مع مدير المخيّم، أن يجري تقسيم أيام التدريس على التلامذة بالمناصفة”.

ويختم بالقول: “خلال التحرك جرى إيقاف أحد التلامذة عن التعلّم، لكنّ تحركنا فرض إعادته إلى الصف، وعلمنا أنّه جرى في 16تشرين الأول/ أكتوبر تشعيب 15 صفاً وهذا ما يبعث على التفاؤل”.

السياسة تتلاعب بالدراسة

يوسف حسين هو تلميذ من 38 ألف تلميذ وتلميذة يدرسون في مدارس “الأونروا” المنتشرة في جميع المناطق اللبنانية داخل المخيّمات وخارجها.

ناشطة فلسطينية، تفضل عدم ذكر اسمها، تعمل في مجال الدعم الدراسي للتلامذة، صرّحت لـ”صمود”: “المشكلة الكبرى هي في ارتفاع عدد التلامذة في الصف الواحد، إذ نجد بعض الصفوف يضم أكثر من خمسين تلميذا، ولا يُقسم الصف إلا إذا ارتفع عدد التلامذة إلى أكثر من ستين تلميذا”.

وتعيد الناشطة أسباب الاكتظاظ إلى سياسة الترفيع الآلي، وخفض معدلات النجاح، واختصار بعض المواد.

وتضيف: “بالنتيجة لا أماكن متوفرة، وإذا توفرت، فإنّ أعداد الأساتذة أقل من المطلوب، ولا إمكانية لتقسيم الصف، لأنّ ميزانية “الأونروا” لا تتحمل -كما يقولون- دفع رواتب لأساتذة جدد”.

من جهة أخرى، ترى الناشطة المذكورة أن لا مشكلة لدى التلامذة بالكتب والقرطاسية. لكنّها تشير إلى مشكلة أخرى وترى أنّها تحولت إلى مصيبة، “بعد عامين من التدريس عن بعد أُصبنا بكارثة، فنسبة المعلومات التي تلقّاها التلامذة لا تتعدى 20% من المنهاج الدراسي، هناك تدني فعلي بالمستوى التعليمي، ولا يوجد أي محاولة لتجاوز هذه الكارثة، وأعطي مثلاً التلامذة في الصف السادس لا يحسنون القراءة”.

ويرى باحث في المجال التربوي وهو ناشط إجتماعي أيضا، أنّ المشكلة الحالية لا تتعلق بالاكتظاظ فحسب، لأنّ هذه مشكلة قديمة منذ عام 2015، ولم تجد الوكالة حلولاً لها، إذ تعتمد على مساحة الصف وكم تستوعب المساحة من مقاعد وتلامذة.

ويشرح وجهة نظره بالقول: “لماذا فتح ملف الاكتظاظ ومشكلة المعلمين حاليا؟ أعتقد أنّه إثر انتخابات ممثّلي قطاعات الخدمات، العمال والمعلمين، يأتي تحرك المعلمين بمثابة محاولة لإثبات الموقع بعد الانتخابات، وخصوصاً أنّ نتائج الانتخابات أوجدت مساحة للتنافس والنزاع وإثبات الموقع بين مكونات سياسية فلسطينية. وهل هناك إجابة على سؤال: بعد الاعتصام وتعطيل المدارس، ألى أين وصلنا؟ لقد عدنا إلى نقطة الصفر. لأنّ السياسة المعلنة لـ”الأونروا” تقول إنّ التشعيب يتمّ إذا تجاوز عدد التلامذة في الصف الواحد الـ51 تلميذا. وأعتقد أنّ نسبة الاكتظاظ لا تتجاوز 20% من الصفوف، ولا يلغي وجود سياسة ما لدى الوكالة لتقليص خدماتها، بل هي حاضرة وتحاول تنفيذها بأسرع وقت ممكن، ومنها تحويل تنفيذ برامجها من الموازنة العامة إلى مشاريع محدودة الوقت والكلفة”.

ويشير الناشط الإجتماعي إلى زاوية أخرى من الموضوع: “قد نجد نقصاً في أعداد المعلمين في مدرسة ما، وزيادة عدد في مدارس أخرى، وكل ذلك يرتبط بعلاقة المعلم بمدير المدرسة، بالإضافة إلى تقسيم غير عادل لساعات التعليم الأسبوعية”.

ملاحظات على الأداء

ويعود ليسلط الضوء على التحرك من زاوية أخرى: “أقدم الاتحاد على التحرك بدون العودة إلى هيئة العمل الفلسطيني المشتركة التي تضم كل ألوان الطيف الفلسطيني، ما أفقده الغطاء الشعبي والسياسي، والدليل ضعف المشاركة في الاعتصامات، وإنهاء الاعتصام يوم 14 أكتوبر الجاري بدون الوصول إلى أي هدف”.

يصمت قليلاً قبل أن يتحدث عن موضوع التوظيف: “عملية التوظيف غير عادلة، ولا تستند إلى معايير ترفع من مستوى التعليم والمعلمين، والدليل، توظيف معلّمي الدعم الدراسي بامتحان شكلي، وعدم مرورهم بالامتحان المقرر للتوظيف، لأنّ خطة “الأونروا” لا ترمي إلى تطوير البنية التربوية الفلسطينية وتحسينها، وغياب نظام المحاسبة والتقويم في التعليم”.

وعن المشكلات التي تواجه التعليم في مدارس الأونروا، يقول الناشط: “هناك ثلاث مشكلات، الأولى: إدارية، يتحمل مسؤوليتها مدير التعليم، أين وحدة تطوير المناهج؟ وما هو دور الموجهين والمدراء؟.

الثانية: أكاديمية تربوية، إذ نشهد غياب الكفاءة عند عدد من المعلمين، وغياب المحاسبة وسياسة التمكين التي تحولت إلى أمر شكلي.

الثالثة: تحميل المعلم أعباءً كثيرة تؤدي به إلى التقصير، فإلى جانب التعليم يُطلب منه مهام إدارية مختلفة”.

يتساءل الباحث في ختام حديثه لـ”صمود”: “لماذا يدرس أبناء معظم الأساتذة في غير مدارس “الأونروا””؟.

ويجيب: “الجواب واضح، لا ثقة بمستوى التعليم فيها”.

الفقر يضاعف الأزمة

إلا أنّ أحد معلمي مدارس الوكالة، له قراءة تتباين مع آخرين، إذ يرى أنّ “الاكتظاظ المتصاعد سببه الأزمة المالية التي دفعت بعائلات عديدة كانت تعلّم أبناءها في مدارس خاصة، إلى إعادتهم إلى مدارس “الأونروا”، وكنّا نلاحظ أنّ ارتفاع العدد يزداد عاماً بعد عام. فلم تعد المقاعد كافية ولا عدد المعلمين. وهذا ما أثّر على المعلّم إذ لم يعد يستطيع إدارة الأعداد المتزايدة من التلامذة في الصف الواحد، بالإضافة إلى نقص الخدمات في المدارس، فما إن يصل المدرّس إلى الحصة السادسة حتى يكون فقد معظم طاقته”.

ويشرح الأستاذ عن عدد ساعات التدريس، وهي 27 ساعة تعليم في المرحلة الإبتدائية، 24 ساعة في المرحلة المتوسطة و20-22 ساعة في المرحلة الثانوية.

ويشير إلى وضع التلامذة في ظل الأزمة الحالية بالقول: “إنّ اندفاع التلامذة للتعلّم شبه معدوم وخصوصاً من الصبيان، الذين يفضلون التوجه إلى معهد سبلين المهني، أو تعلّم أية مهنة لمساعدة أهاليهم. ومن التجربة، فإنّ نصف تلامذة الصف من الصبيان لا يهتمون بالتعلم، وغير جدّيين”.

ويختم: “تمّ تأمين المقاعد، والتجهيزات الموجودة أفضل من المدارس اللبنانية الرسمية، لكنّنا نواجه ثلاث مشكلات أساسية، الأولى: البنية الإجتماعية والإقتصادية للأهل، والثانية: التسرّب بسبب الوضع المادي، والثالثة: الترفيع الآلي القاتل”.

مشكلات التعليم في المجتمع الفلسطيني المحلي وفي مدارس “الأونروا” بحاجة الى نقاش أعمق ومقاربات أوسع كي تعود الصفة التي كانت تُطلق سابقاً على اللاجئين الفلسطينيين بأنّهم الأكثر تعلّماً في المجتمعات العربية.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , ,