“عرين الأسود” واللاجئون: هل نحن أمام جيل جديد من القيادات؟

التصنيفات : |
أكتوبر 31, 2022 8:02 ص

*وسام عبد الله

شكّلت المخيّمات الفلسطينية في معظم المراحل انعكاساً للحالة السياسية في الداخل الفلسطيني، عبر الأحزاب والعلاقات بين الفصائل، ولن تكون الأحداث الأخيرة للمجموعات الشبابية بمعزل عن التيارات السياسية، بعيدة عن تأثيرها على اللاجئين، وخاصة بوجود “نَفَس” مقاوم ومعترض على أداء قيادات فلسطينية على اختلافها وخلافاتها.

من الطعن الفردي إلى “عرين الأسود”

العمل المقاوم فعل متراكم وتجربة تنضج يوميا، إن كان على مستوى الأحزاب أو ضمن الأفراد والمجموعات، ومنذ انطلاق عمليات الطعن الفردية التي تلاحق الصهاينة دون القدرة على تحديد، من وكيف ومتى ستُنفّذ، بات واضحاً أنّ الأمور تتجه نحو تأسيس حالة فلسطينية قادرة على العمل المقاوم دون الحاجة إلى عمل منظّم كما هو حال الفصائل، مع الإشارة، بأنّه ليس هناك صح أو خطأ في أسلوب المقاومة والفكر المنبثق منها، طالما أنّ الوجهة والهدف واحد. ومع توسع الدائرة من الفرد إلى المجموعات، يكون الاحتلال أمام معضلة متجددة في إخفاقه بضبط وقتل الشعور الفلسطيني المقاوم. وهل ما يحدث هو أمر غريب عن القضية؟.

في مراجعة، لانطلاقة الفصائل الفلسطينية، نقرأ عن مجموعات غير منظمة أطلقت شرارة مواجهة الاحتلال، فالتاريخ النضالي الفلسطيني يقدّم نماذج متنوعة منذ النكبة إلى اليوم. الأمر المختلف حالياً هو ظهورها بشكل علني أكثر، وهو دليل وجودها بعيداً عن العين، إضافة إلى عامل المفاجأة بالنسبة للصهاينة بعد كل المحاولات لضرب واختراق الوجدان والمؤسسات الفلسطينية، في الداخل والمخيّمات.

“عرين الأسود” في الشتات

تطورت الأجيال الفلسطينية على مستوى القيادات، من لحظة النكبة، بما أنتجته من قادة وجدوا أنفسهم أمام انتداب واحتلال واغتصاب للأرض، فكانوا بموقع ردة الفعل بما يملكون من قدرات، من ثم القادة الذين أسسوا الفصائل والتنظيمات ودخلوا في المواجهات العسكرية داخل فلسطين وخارجها، من السلاح إلى الحجارة، فمنهم من ثابر على المقاومة وآخرين أضاعوا البوصلة، لتليَها أجيال توزعت بين السلطة والفصائل، بين اتفاقيات التطبيع واستمرار العمل الكفاحي، نتج عنها في وقتنا هذا شباب فلسطيني بدأ يأخذ خطاً في العمل المدني وحركات المقاطعة، حتى وصلنا إلى العمليات الفردية في داخل المستوطنات وحي الشيخ جرّاح و”سيف القدس” فنابلس، نحن إذاً أمام مرحلة نشهد فيها جيلاً فلسطينياً ينتج قيادات جديدة، لا يمكن مقارنتها مع غيرها من حيث التصنيف، فمن المجحف المقارنة بين المراحل بسبب الاختلاف في الزمان والبيئة السياسية والإجتماعية وحتى الظروف الإقليمية.    

إنّ سلوك الانسان يتغير ويتحرك بدافع العاطفة من ثم يتدخل العقل فيُمنطق الأشياء بفعل الواقع، لكي يُحفّز على استمرار العمل النضالي وليس دونه إلا مشاعر تؤججها اللحظة

إنّ انتقال فكرة “عرين الأسود” نحو المخيّمات الفلسطينية هو مسألة وقت، وليس بالمعنى العسكري للكلمة، إنّما في طريقة التعاطي مع القضية، عبر الظهور بشكل واضح على السطح، بأنّ في الشتات الفلسطيني عملاً مدنياً يوازي بأهميته الفعل العسكري في الداخل المحتل. حياة اللاجئين مليئة بالتفاصيل التي تحتاج لمن يرفعها إلى الضوء، المحجوب عنها لأسباب داخلية وخارجية. والانتقال ليس بالمعلومات والبيانات فقط، إنّما بالثقة التي تصنعها عمليات المقاومين في الميدان. فما يحدث من تعاطف وتضامن مؤخراً مع العمليات الفردية والحراك الشبابي الفلسطيني، كونها تمثّل مشهداً من الفعل الحقيقي الذي يُكسب المتلقي شعوراً بأنّ الشاب الذي قرر الدخول في اشتباك مع الاحتلال، يقدّم حكاية نضال تبدأ من عائلته ومدينته وصولاً إلى استشهاده، هذه السردية القصصية الواقعية، تمنح ثقة أكبر بهذا الفدائي المشتبك، المقاوم على كل الجبهات. وما قد يحدث في مجتمع اللاجئين ليس غريباً عنهم، إنّما هو جزء من عملهم الموازي لما يحدث داخل الأراضي المحتلة، ولكنّه يكسب بعداً آخر مع السعي لتظهيره على أنّه عمل متصل بين اللاجئين ووطنهم. فسلوك الانسان يتغير ويتحرك بدافع العاطفة من ثم يتدخل العقل فيُمنطق الأشياء بفعل الواقع، لكي يُحفّز على استمرار العمل النضالي وليس دونه إلا مشاعر تؤججها اللحظة.

ماذا بعد؟

منذ بدء عمليات الطعن الفردية، يُطرح سؤال من زاوية التنظيم والتأثير، هل العمل الفردي يصل الفعل بالهدف أم أنّ تأثيره السياسي يبقى محدوداً  كونه غير منظم؟، وسيُطرح مع الوقت ذات التساؤل عن عمل المجموعات، هل ستبقى على نهجها أم ستنتج قيادات وتتحول إلى تنظيمات ممنهجة؟.

لا يمكن التنبؤ بما سيحدث ولكن طرح الخيارات هو أمر ضروري حتى يتمّ التعامل معها حسب ضرورات المرحلة، لأنّ الوقت سيضع الجميع أمام هذه الأسئلة والحاجة للإجابة عليها. وعن اللاجئين، في المخيّمات والشتات، العين عليهم في المرحلة اللاحقة، فهل ستبدأ تتكون تجارب فلسطينية تظهر وتفرض نفسها أكثر على الأرض، من دون منطق الإلغاء، وخاصة مع التدمير الذاتي للشباب الفلسطيني داخل المخيّمات (المخدرات والبطالة)، فإن كانت مجموعة “عرين الأسود” هي انتفاضة بوجه الاحتلال، فللاجئين الحقّ بما يماثلها على المستوى السياسي والإجتماعي والإنساني، في الطريق إلى “العودة”.

*كاتب لبناني


وسوم :
, , , , , , , , , ,