منظمة التحرير بين قدسية التمثيل وفزّاعة البديل وأولوية الوحدة

التصنيفات : |
نوفمبر 12, 2022 8:29 ص

*أحمد الطناني – غزة:

تزامناً مع انطلاق أعمال المؤتمر الشعبي الفلسطيني “14 مليون لاجئ” انطلقت أيضاً العشرات من التصريحات “الفتحاوية” المنددة بالمؤتمر والمشككة بأهدافه وخلفياته، مؤكدة قدسية منظمة التحرير ووحدانية التمثيل.

فتحت التصريحات الباب واسعاً للتساؤل حول الحساسية المفرطة في التعامل مع مبادرة وطنية تهدف لتحريك المياه الراكدة في المشهد الوطني الفلسطيني الذي لا ينكر اللاعبون الأساسيون فيه أنّه بات مشهداً منهَكاً ومستَنزفاً بفعل الإنقسام وغياب الديمقراطية الإنتخابية والشرعية التوافقية في مؤسساته.

قدسية التمثيل وفزّاعة البديل

التصريحات التي هاجمت المؤتمر كان أبرزها تصريح لـ”المجلس الوطني الفلسطيني” يستنكر دعوة “المؤتمر الشعبي الفلسطيني”، لعقد مؤتمرات في الوطن والشتات، واعتبرها محاولة للالتفاف على منظمة التحرير الفلسطينية الممثّل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، والبيت الجامع للكل الفلسطيني.

“المجلس الوطني” الذي أصدر هذا التصريح، هو ذاته المجلس الذي انعقد بقرار منفرد من حركة فتح ورئيس السلطة، وفوّض صلاحياته لـ”المجلس المركزي”، الذي عقد جلسة مثيرة للجدل من حيث الأهداف والشرعية وقانونية الإنعقاد، تمّ خلالها استكمال اللجنة التنفيذية، وانتخاب رئيس لـ”المجلس الوطني” من قِبل “المجلس المركزي”!.

رئيس “المجلس الوطني” المنتخَب من “المجلس المركزي”، هو ذاته من يُنسب له -بحسب مصادر صحفية- إصدار التوجيهات للأجهزة الأمنية في رام الله بمنع انعقاد المؤتمر الشعبي “14 مليون لاجئ” واعتبار المؤتمر يقوّض شرعية منظمة التحرير!

رئيس “المجلس الوطني” المنتخَب من “المجلس المركزي”، هو ذاته من يُنسب له -بحسب مصادر صحفية- إصدار التوجيهات للأجهزة الأمنية في رام الله بمنع انعقاد المؤتمر الشعبي “14 مليون لاجئ” واعتبار المؤتمر يقوّض شرعية منظمة التحرير!.

من المهم الإشارة أن لا اللجنة التنفيذية الحالية، ولا المجلس المركزي، ولا المجلس الوطني بعضويته وهيكليته الحالية يمثّلون عنوان إجماع، ولا حتى عنواناً للأمر الواقع، فالفصائل الفلسطينية الرئيسية لا ترى في مخرجات المجلس المركزي الأخير أنّها مخرجات شرعية وتجد أنّ الجلسة المنعقدة من حيث المبدأ يتخلّلها “عوار قانوني” يمنع شرعنة مخرجاتها.

ومن قتامة وسواد المشهد أنّ من ضرب بعرض الحائط كل ضرورات وشروط الشرعية ويسيطر على المؤسسات الوطنية دون وجه حق، يهاجم بمبرر “الحفاظ على الشرعية” مؤتمراً يدعو لاستعادة “شرعية” منظمة التحرير كممثل لكل الشعب الفلسطيني!.

يبقى التساؤل، هل يستدعي انعقاد مؤتمر شعبي تشارك فيه نخب فلسطينية في الوطن والشتات كل هذا الهجوم؟ بل وحتى التدخل الأمني؟ وهل مسّ هذا المؤتمر فعلياً جوهر وحدانية التمثيل وشرعية منظمة التحرير؟ أم أنّ مجرد رفع الصوت للمطالبة بإصلاح المنظمة بات غير مقبول؟.

المؤتمر الشعبي “14 مليون لاجئ”

في واقع الأمر، لم تنص أي من وثائق المؤتمر على أي جملة تمس شرعية منظمة التحرير، أو تتناول وحدانية تمثيلها، أو أياً كان من الفزاعات التي ساقها المتحدثون الذين هاجموا المؤتمر من منطلق أنّه يقوّض شرعية المنظمة أو يهددها.

البيان الختامي للمؤتمر نصّ بشكل واضح وصريح على مطالبته بإعادة بناء وتطوير وتفعيل منظمة التحرير “لتستعيد دورها القيادي في النضال الوطني من أجل إنقاذ المشروع الوطني التحرري، وذلك من خلال توحيد القوى والفعاليات الوطنية الفلسطينية وبإشراك كافة القوى السياسية الفاعلة”

البيان الختامي للمؤتمر نصّ بشكل واضح وصريح على مطالبته بإعادة بناء وتطوير وتفعيل منظمة التحرير “لتستعيد دورها القيادي في النضال الوطني من أجل إنقاذ المشروع الوطني التحرري، وذلك من خلال توحيد القوى والفعاليات الوطنية الفلسطينية وبإشراك كافة القوى السياسية الفاعلة”.

طالب البيان أيضاً بـ”إجراء انتخابات للمجلس الوطني بموجب مواد الميثاق الوطني الفلسطيني، والذي يقوم بدوره بتشكيل اللجنة التنفيذية والمجلس المركزي”. وهي مطالب، بالمناسبة، قد وقّعت عليها القوى الوطنية والإسلامية بما فيها حركة فتح، وقد نصت عليها كل اتفاقيات المصالحة ووثيقة الأسرى واتفاق القاهرة ومخرجات بيروت.

الجديد في مخرجات المؤتمر أنّه قد انبثق عنه “هيئة توجيه وطني من الضفة والقطاع والداخل الفلسطيني وأماكن اللجوء والشتات” كلّفها المؤتمر بـ”العمل الدؤوب وتعظيم الجهود لتحقيق مطالب وأهداف المؤتمر”.

لربما أثار انعقاد المؤتمر بهذا الحجم وعلى مستوى كل أماكن تواجد الشعب الفلسطيني تساؤلات عدة حول التمويل، التوجيه، خلفيات القائمين السياسية وارتباطاتهم وكلها تساؤلات مشروعة من حقّ أي مواطن بالشعب الفلسطيني طرحها، ومن حقّه أن يتلقى إجابة واضحة عنها من منظّمي المؤتمر طالما قدّموا أنفسهم كمتحدثين باسم 14 مليون لاجئ فلسطيني.

ولكن، قطعياً لم تكن الفزّاعة التي ساقها حول التهديد “المفترض لشرعية المنظمة” ووحدانية تمثيلها، لكنّ الواضح أنّ ما أدى إلى هذا الهجوم الكبير على المؤتمر مرتبط بأنّ المؤتمر تجاوز حدود الكانتونات الفلسطينية، وتجاوز التجزئة الذي عمل الاحتلال على ترسيخها، وأشرك في أعماله فلسطينيين من أماكن تواجد الشعب الفلسطيني.

هذه المشاركة المتنوعة، وإن كانت نخبوية، إلا أنّها ألقت حجراً كبيراً في المياه الراكدة المُسلمة للأمر الواقع المتمثّل بالإستفراد بالمنظمة وبتمثيل الشعب الفلسطيني من قِبل فريق واحد، يضرب بعرض الحائط كل اتفاقيات المصالحة وأولويات الوحدة الوطنية

هذه المشاركة المتنوعة، وإن كانت نخبوية، إلا أنّها ألقت حجراً كبيراً في المياه الراكدة المُسلمة للأمر الواقع المتمثّل بالإستفراد بالمنظمة وبتمثيل الشعب الفلسطيني من قِبل فريق واحد، يضرب بعرض الحائط كل اتفاقيات المصالحة وأولويات الوحدة الوطنية.

تجميد مساعي تشكيل الجبهة الوطنية

لا شكّ أنّ فشل مساعي القوى الفلسطينية المعارضة على اختلاف مدارسها في تشكيل جبهة وطنية معارضة، كان عاملاً محفّزاً للقائمين على مبادرة المؤتمر الشعبي “14 مليون لاجئ” وغيرها من المبادرات والأفكار التي باتت جزءاً أساسياً من أي لقاء أو صالون سياسي فلسطيني أو تجمع نخبوي.

لم تنجح المساعي لتشكيل جبهة المعارضة الوطنية بسبب عدم نضوج الرؤية ولا التوقيت ولا الأهداف الواضحة والمستترة لكل الشركاء “كلاً من جهته”، مما أدى إلى تجميد الملف إلى أجل غير مسمى مع الحفاظ على أعلى أشكال التنسيق دون وجود صيغ تنظيم واضحة لهذا التنسيق.

اكتفت الفصائل المعارضة بالتنسيق الدائم في محطات محددة، انتخابات محلية، نقابات، جامعات وبعض الفعاليات الجماهيرية، وهو شكل غير كافي كديمومة، والأصل أنّ كل الأشكال السابقة تشكّل مداميك للبناء عليها وصولاً لجبهة وطنية عريضة تواجه التفرد وتعمل على استعادة المؤسسات الوطنية وفي مقدمتها منظمة التحرير بما يعيدها إلى دورها الطبيعي لتقودَ المشروع الوطني الفلسطيني.

تكتفي الفصائل بمتابعة اشتداد معركة الخلاف الفتحاوي-الفتحاوي على خلافة رئيس السلطة، مترافقة مع إجراءات سلطوية وقرارات بقانون تعزز “حكم الفرد” الذي بات يسيطر على كل الصلاحيات التشريعية والتنفيذية والقضائية، ويعمل على تقويض كل أشكال الحريات والديمقراطيات، ولم يكن آخرها مهاجمة وإيقاف مؤتمر صحفي احتجاجي على منع انعقاد المؤتمر الشعبي في مدينة رام الله.

باتت هناك قناعة لدى العديد من الشرائح والمهتمين أنّ انتظار أن تبادر الفصائل إلى فعل واضح يوقف النزيف الفلسطيني والتعطيل المستمر والمتفاقم في المؤسسات الوطنية، وغياب التمثيل الجمعي الحقيقي للشعب الفلسطيني وسط انعدام الفرص، تحول إلى انتظار سلبي، فالواضح أنّ تابوهات المشهد السياسي التقليدي ما زالت تسيطر على غالبية مكونات المشهد، دون وجود أفكار جدية وحقيقية تراعي الحاجة الوطنية المُلحة لتجاوز الأزمة.

أولوية الوحدة الوطنية

أيام معدودة، وسنكون أمام حكومة صهيونية يمينية متطرفة، بدأت تقدّم أطروحات تكاد تكون الأشد تطرفاً في السنوات العشرين الأخيرة، يرأس فيها بنيامين نتنياهو حكومة يتسيّدها متطرفون أمثال ” سموتريتش” و”بن غفير” لا يرون فيها مكاناً للفلسطيني ولا لحقوقه، بل سيسعون لتجريده من كل ما حقّقه، ويمارسون كل الأحقاد الصهيونية الإجرامية بحقّ أبناء شعبنا.

إذا، مَن كان يراهن على عودة “لابيد” لمقعد رئاسة الوزراء، أو وصول “غانتس” لذات المقعد، فالرهان اليوم تبدد وانتهى، والأمر سيّان بانتظار إزاحة أو تغيُّر في الموقف الأمريكي، سواءً بانتظار أن تتحرك الإدارة الديمقراطية الحالية للبيت الأبيض، أو انتظار الإنتخابات القادمة التي يبدو أنّها ستعيد الجمهوريين إلى المكتب البيضاوي ورئاسة الولايات المتحدة.

في الواقع، إنّ كل الرهانات على الخارج هي رهانات محكومة مسبقاً بالفشل، فالحقوق تُنتزع ولا تُمنح، ولن تُمنح إلا بإرادة شعبنا وتوحّد قواه الحية في برنامج ومشروع نضالي حقيقي، والرهان الحقيقي يكون على شعبنا وتماسكه ووحدته في برنامج مقاوم حقيقي وفاعل.

اللحظة التاريخية الراهنة تستلزم تحركاً فعلياً وجدياً للوحدة الوطنية، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وللحاق بركب الشبان الذين أخذوا المبادرة على الأرض واشتقوا طريقاً مقاوماً أعاد لثقافة الاشتباك والمقاومة بريقها، وأعطوا أملاً لجيل فلسطيني كامل سأم الانتظار في مشهد سلبي لا أفق فيه.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,