قرار الأمم المتحدة بشأن فلسطين.. مهم ولكن؟

التصنيفات : |
نوفمبر 17, 2022 7:19 ص

*أحمد الطناني – غزة:

اعتمدت اللجنة الرابعة -لجنة المسائل السياسية الخاصة وإنهاء الاستعمار- في الدورة السابعة والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة خمسة قرارات متعلقة باللاجئين الفلسطينيين وتمديد ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا) حتى عام 2026، والأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، وقرار سادس يتعلق بالجولان السوري المحتل، ومن المقرر أن تُعرض القرارات للمصادقة في الدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة.

بالرغم من أهمية القرارات المرتبطة بتفويض “الأونروا” وأملاك اللاجئين والاستيطان والجولان، إلا أنّها قرارات سابقة وقد جددتها الأمم المتحدة، وفي الغالب تُجدد بشكل دوري، من المهم المحافظة والمراكمة عليها.

اللافت، كان القرار الذي يطلب من محكمة العدل الدولية أن تقدّم فتوى قانونية بشأن مسألتين، تتعلقان بفلسطين والاحتلال الإسرائيلي، حيث أنّ أبرز ما جاء في القرار، الطلب من محكمة العدل الدولية أن تصدر “فتوى” (رأياً قانونيا) في مسألتين، أولا: الآثار القانونية الناشئة عن انتهاك “إسرائيل” المستمر حقّ الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، وثانيا: عن احتلالها الطويل الأمد للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، واستيطانها وضمّها لها، بما في ذلك التدابير الرامية إلى تغيير التكوين الديمغرافي لمدينة القدس وطابعها ووضعها، واعتمادها تشريعات وتدابير تمييزية في هذا الشأن.

تتضمن الفتوى القانونية الإجابة عن السؤال حول “كيف تؤثّر سياسات “إسرائيل” وممارساتها على الوضع القانوني للاحتلال؟ وما الآثار القانونية المترتبة على هذا الوضع بالنسبة لجميع الدول والأمم المتحدة؟”.

يطلب القرار من أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش أن “يقدّم للجمعية العامة في دورتها الـ78 تقريراً عن تنفيذ القرار، بما فيه انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس، وعلى الأراضي العربية المحتلة الأخرى”.

هذا القرار جاء نتيجة لمسار طويل كان آخره التقرير الذي أصدرته المقررة الخاصة للأمم المتحدة (فرانشيسكا ألبانيز)، والتقرير الذي تلاه للجنة التحقيق الأممية التي قالت إنّ استمرار الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني ويجب إحالة الطلب إلى محكمة العدل الدولية بهذا الخصوص.

أهمية القرار

تكمن أهمية القرار بحسب رئيس منظمة القانون من أجل فلسطين في بريطانيا، إحسان عادل في أنّ تحويل هذا السؤال للمحكمة قد يجعلها تصدر رأياً بأنّ استمرار الاحتلال الإسرائيلي إلى الآن أصبح غير قانوني، بمعنى أنّه ذاته يشكل “عدوانا” (وليس فقط أنّ أفعاله غير قانونية)، وبالتالي يجب أن ينتهي بشكل فوري (دون تعليق ذلك على الوصول إلى حل تفاوضي كما يجري حالياً بين “إسرائيل” ودول العالم).

ينتج عن ذلك وضع الدول أمام مسؤولية أخذ إجراءات (دبلوماسية، اقتصادية…) لدفع “إسرائيل” لإنهاء احتلالها والتوقف عن تعليق حصول ذلك على المفاوضات لأنّها ستصبح دعوة للتفاوض على شيء غير قانوني

ينتج عن ذلك وضع الدول أمام مسؤولية أخذ إجراءات (دبلوماسية، اقتصادية…) لدفع “إسرائيل” لإنهاء احتلالها والتوقف عن تعليق حصول ذلك على المفاوضات لأنّها ستصبح دعوة للتفاوض على شيء غير قانوني.

يُقرّ الخبراء القانونيون في كيان الاحتلال أنّ القرار ليس هامشياً أو غير ذي جدوى “كونه غير مُلزم للاحتلال”، بل إنّ لهذه الخطوة تبعات دبلوماسية ودولية “ذات أهمية خاصة” قد تكون ضارة لـ”إسرائيل”، ومن شأنها أن تُعرّض قادة قوات الأمن والجيش “الإسرائيليين” لخطر الملاحقة القانونية.

بحسب خبير القانون الدولي البروفيسور “الإسرائيلي” (إلياف ليبليخ)، لا تقف مخاطر القرار عند خطر الملاحقة، بل بتأثيره أولاً وقبل كل شيء على الرواية التاريخية التي ستظل موجودة إلى الأبد، وهي أنّ “إسرائيل محتلة غير شرعية، تنتهك حقّ تقرير المصير، هذا الشيء يضر بالشرعية ومكانة الدول. وهذا يسمح للجهات الفاعلة في المجتمع المدني والدول والمنظمات باستخدامه كنقطة انطلاق ضد “إسرائيل”، وسيصبح نقطة هجوم قانونية مقبولة في العديد من المنتديات، وستشكّل ردود فعل قاسية للسفير “الإسرائيلي” في الأمم المتحدة (جلعاد إردان)، وآخرين، لذا يجب أن ندرك أنّ هناك شيئاً ما تخسره هنا”.

قرار يجب استثماره للبناء عليه لخطوات أكبر

يُشكّل القرار خطوة مهمة ومتقدمة تستوجب البناء عليها في عزل الاحتلال الإسرائيلي والتأكيد على أنّه لن يتحول إلى دولة طبيعية، وستبقى جريمته المستمرة بحقّ الشعب الفلسطيني ماثلة أمام العالم وفي التاريخ، وأنّ الحقوق لن تسقط لا بالتقادم ولا بالمزيد من الجرائم.

هناك أهمية استثنائية أيضاً لتوقيت القرار إذ أنّه سبق تشكيل حكومة يمينية متطرفة، جزء منها المتدينون القوميون الصهاينة وأبرزهم المتطرف (بن غفير) الذي يُشير بحركة “كاخ” الإرهابية وبزعيمها المجرم (مائير كاهانا)، وسيرأس هذه الحكومة (بنيامين نتنياهو) الذي لا يُعد شخصية مقبولة بشكل كبير لدى غالبية دول العالم، بما فيها إدارة الحزب الديمقراطي والرئيس (بايدن) في الولايات المتحدة، وبالتالي يمكن تحويل هذه القرارات إلى فرصة لتشديد الهجوم الدبلوماسي الدولي على الاحتلال وعزله.

يشكّل هذا القرار دفعة إيجابية مهمة لجهود المؤسسات الأهلية الفلسطينية وخصوصاً العاملة في القطاع القانوني وتوثيق انتهاكات الاحتلال للتصدي لهجوم الاحتلال على المؤسسات

يُشكّل هذا القرار دفعة إيجابية مهمة لجهود المؤسسات الأهلية الفلسطينية وخصوصاً العاملة في القطاع القانوني وتوثيق انتهاكات الاحتلال للتصدي لهجوم الاحتلال على المؤسسات، ويفتح فرصة لزيادة نشاطها وعملها من أجل فضح جرائم الاحتلال وتوثيقها وإثارتها في كل المحافل الدولية، كما يُشكّل فرصة مهمة لاستنهاض وحماية حركة المقاطعة الدولية للاحتلال BDS التي تتعرض لملاحقة وتضييقات في عدد من الدول الأوروبية تحت مبرر “معاداة السامية”.

من الضروري جداً استثمار هذا القرار في إطار استخدام سياسة دبلوماسية دولية حازمة تعمل على عزل هذا الاحتلال وفضح جرائمه وتجنّد أكبر عدد ممكن من الدول لصالح حقوق الشعب الفلسطيني، وفي ذات الوقت، من غير المنطقي أن لا يراكم الفلسطينيون على هذا القرار، وإعطاء طوق نجاة للاحتلال عبر العودة لمسلسل التفاوض أو القبول بالمبدأ، لأنّ الحقوق لا تتجزأ وغير قابلة للتفاوض، وستساهم العودة لهذا الخيار بجرح في شرعية القرارات الأممية المنحازة للشعب الفلسطيني، وتأكيد لخطاب الاحتلال السياسي والولايات المتحدة الذي يربط أي حل بالتفاوض الثنائي مع الاحتلال.

في الختام من المهم التنويه، أنّ هذا القرار على أهميته لا يجب أن يُعدّ بديل عن المسعى الفلسطيني لطلب العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، وهو مسار مهم يحتاج إلى استكمال دون الاستجابة للضغوط الأمريكية المستمرة والتلويح باستخدام حقّ النقض “الفيتو” ضد مشروع القرار.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , ,