تسريبات الطيراوي.. فتحٌ لمعركة الميراث الفلسطيني

التصنيفات : |
نوفمبر 22, 2022 7:45 ص

*وفيق هوّاري – صمود:

تناولت وسائل الإعلام منذ فترة، أخباراً وتسريبات تتعلق بوفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، وصفت الوفاة بعملية اغتيال نفّذتها جهات تسعى إلى السلطة وطي صفحة النضال الفلسطيني المستقل.

يُشير أحد المتابعين للملف الفلسطيني أنّ ما طُرح مؤخرا، يأتي في إطار النزاع بين أطراف وشخصيات فلسطينية تسعى كل منها لوراثة الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس، أي أنّه نزاع داخل البيت الواحد.

ويذكر أنّ تحقيقاً واسعاً قد أُجري بعد وفاة عرفات لمعرفة حقيقة ما حصل، لكنّه أُقفل بعد فترة ولم يُعلن عن نتائج التحقيق، ويُقال أنّ الأجهزة الروسية أبلغت السلطة الفلسطينية عن نوع السم الذي استُخدم في عملية الاغتيال.

ويُشير المتابع الى ما نشره البعض حول ملف شخصي يطال أحد قادة حركة فتح حسين الشيخ، وهذا الذي دفع بحركة فتح لإحالة اللواء توفيق الطيراوي للتحقيق الداخلي، للاشتباه بدوره في فتح ملف يخصّ الشيخ، وهو الذي كان مسؤولاً عن التحقيق بأسباب وفاة عرفات، وبعد ذلك جرى تجريده من جميع مهامه وعضويته في حركة فتح.

بعد ذلك، بدأت تتسرب بعض الشهادات التي أدلى بها مسؤولون في السلطة وحركة فتح ومؤسسات عامة خلال الاستماع إليهم أثناء التحقيق بأسباب وفاة عرفات.

قرار التصفية الجسدية

من تلك الشهادات، شهادة مستشار الرئيس عرفات، الناطق باسم الرئاسة نبيل أبو ردينة أمام لجنة التحقيق والتي قال فيها:

– آخر زعيم عربي اتصل بعرفات قبل وفاته بأربعة أشهر كان الرئيس المصري (السابق) حسني مبارك، وأبلغه بالحرف الواحد أنّ “الاتصال قد يكون مسجّلا.. وأنصحك أن تسلّم السلطة وأنا أعرف عن ماذا أتكلم”.

– بعد ذلك لم يجرؤ أي رئيس عربي على التواصل مع عرفات، وتخلّوا عنه بالكامل.

– قال وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كولن باول، للرئيس عرفات: “نرجو ألا تكون هذه الزيارة الأخيرة لك. لا بد من اتخاذ إجراءات”.

– لكنّ أبا عمار كرجل تاريخي لم يكن عنده أي استعداد منذ كامب ديفيد للاستسلام أو التنازل عن ثوابته الفلسطينية أو القدس، لذلك رفض الانتقال إلى غزة لأنّه يعلم أنّه في حال ترك رام الله فستضيع الضفة الغربية والقدس.

-عرفات لم يتنازل ولم يوقف الانتفاضة، لذلك كانت هناك مؤامرة إسرائيلية – أمريكية بأنّ عرفات يجب أن ينتهي عهده.

– تمّ تسميم الرئيس من خلال شخص يقدّم له مشروب القهوة أو الشاي بشكل منفرد.

– خلال حصار الرئيس كان يأتي الطعام في سيارة، والإسرائيليون كانوا يطلبون من السائق مغادرتها إلى مكان بعيد لحين تفتيشها.

– سمعت عن اعتقال بعض الطباخين ولم يُطلق سراحهم، وأحياناً يتمّ اعتقالهم ويعودون لعملهم.

-وكان أحد الأسئلة الموجهة من لجنة التحقيق لأبي ردينة: “هل تعلم أنّ هناك خزان مياه خاص بأبي عمار يتوضأ ويشرب منه وحده؟ وتمّ اكتشاف ذلك بعدما أُصيب بحكة في جسده؟ وأنّ الخزان منفصل؟ ولمن تحمّل مسؤولية عدم المعرفة وعدم الرقابة الأمنية أو الصحية على هذا الموضوع؟.

وفي رده قال: “هناك شخص مسؤول اسمه يوسف العبد الله، ومجموعة أخرى كمدير مكتب الرئيس من المفترض أن يجيبوا عن هذه الأسئلة، ولماذا تمّ تغيير الخزان، ومن الذي أتى به، ومن الذي غطّى التكلفة المالية”.

المستثمرون

أما مستشار عرفات، محمد رشيد (خالد سلام) فقد قال للجنة التحقيق:

-عندما عاد أبو مازن من الخارج لم تكن العلاقة ودودة بينه وبين أبي عمار والكل كان يعرف ذلك.

-أنا ذهبت على عاتقي الشخصي إلى أبي عمار وطلبت منه سيارة مصفّحة لأبي مازن، وقلت له: “وقّع على هذه الأوراق، سألني: لماذا؟، أجبته: سيارة مصفحة لأبي مازن، فقال: معه سيارة في تونس، فقلت له: الكل يعلم أنّكم لستم على وفاق، ولو تمّ إطلاق النار على أبي مازن سوف تكون أنت المتهم”.. ووقّع عليها الرئيس.

أبو مازن: “اللي طلّع الحمار على المئذنة ينزله، ومن يعطي النقود لِمن يطخطخوا يحل مشكلته لوحده وليس شأني”

– ذهبت إلى أبي مازن لأطلب منه المساعدة في فك الحصار عن أبي عمار فكان رده: “اللي طلّع الحمار على المئذنة ينزله، ومن يعطي النقود لِمن يطخطخوا يحل مشكلته لوحده وليس شأني”، في إشارة منه إلى دعم عرفات لانتفاضة الأقصى.

وقال الأمين العام لمجلس الوزراء أحمد عبد الرحمن، للجنة التحقيق في استشهاد الرئيس ياسر عرفات:

– أبو عمار قام بضرب رئيس وزرائه أحمد قريع على مؤخرته؛ بسبب توقيعه تعهدات أمنية خلال زيارته لبريطانيا، دون علم عرفات.

حين قرأ عرفات التعهدات، فقد عقله، وأمسك الورقة ورماها، وأمسك قريع من رقبته، وقال له: إذهب، وضربه برجله، وهي الحادثة التي دفعت قريع إلى تقديم استقالته.

– عرفات كان مريضاً ويخفي ذلك، لكنّ حصاره كشف الأمر، إذ شعر بالمؤامرة عليه عندما اجتمع عدد من قيادة فتح بحضور أبي مازن في ما تعرف بـ”بناية العار”، وهي عمارة في رام الله كان فيها شقة آمنة، بهدف الاتفاق على بيان يعدّل من السياسة التي يسير عليها أبو عمار.

-أبو مازن كان يخشى من عرفات وقت حصاره، حتى أنّه في ذات مرة كان يمشي على رؤوس أصابعه قبل الدخول لمكتب أبي عمار، ولم يستطع أن يدخل إلا عندما رافقه عبد الرحمن، وكان حينها مرتبكا جدا.

اتخذ المجتمع الدولي قراراً بإسقاط عرفات بعد قمة كامب ديفيد، حين فقد السيطرة على الانتفاضة، وفي الوقت ذاته لم يعد قادراً على التراجع أو إعطاء موقف مناقض

– أستبعد أن يكون السم تسلّل إلى جسد “عرفات” عبر الأكل أو الشرب من خلال إسقاط أحد حراسه؛ “لأنّه لا يوجد ثغرة في هذا الجانب.

-اتخذ المجتمع الدولي قراراً بإسقاط عرفات بعد قمة كامب ديفيد، حين فقد السيطرة على الانتفاضة، وفي الوقت ذاته لم يعد قادراً على التراجع أو إعطاء موقف مناقض.

– عرفات كان يتحسس من الاجتماعات الخاصة المنفردة التي يعقدها أبو مازن فور تولّيه رئاسة الوزراء، خصوصاً بعدما طلب عباس أن تكون الإذاعة والتلفزيون تحت إمرته.

دلالات التسريب والتوقيت

تحاول هذه الشهادات التي تمّ تسريبها من ملف التحقيق أن تؤشر إلى الجهة التي يُشتبه بتورطها في عملية اغتيال الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات، ويبدو أنّها تحاول الإيحاء باتهام من في السلطة حالياً بالمشاركة في اغتياله، وأن تُستخدم حالياً في النزاع الدائر بين الأطراف الفلسطينية التي تنتظر الحصول على الإرث بعد أبو مازن، وخصوصاً أنّ البعض يرى بتوجيه الاتهام إلى طرف ما سيؤدي وبشكل طبيعي إلى انتصار الطرف الآخر.

وهذا ما دفع أحد المصادر الفلسطينية للقول: “إنّ فتح الملفات مؤخراً وبالطريقة التي نتابعها يعني بداية الاحتراب الداخلي في السلطة الفلسطينية، وإنّ ما يحصل يمكن وصفه ببداية حرب أهلية فلسطينية داخلية وانهيار البنية الداخلية للسلطة الفلسطينية لمصلحة أطراف أخرى غير الاطراف المتنازعة داخل حركة فتح نفسها. وهذا يعني شطب الاتجاه الوطني التحرري في فلسطين، وإحلال سلطة أو سلطات لا تعمل من أجل سلطة وطنية تؤسس لمرحلة الدولة المستقلة. بل يمكن أن نشهد تفتت وتحلل للقوى الفلسطينية الداخلية”.

“ما يحصل هو طيّ صفحة النضال الفلسطيني المستقل لمصلحة مشروع آخر لا علاقة له بالحقوق الوطنية الفلسطينية”

وأضاف: “ما يحصل هو طيّ صفحة النضال الفلسطيني المستقل لمصلحة مشروع آخر لا علاقة له بالحقوق الوطنية الفلسطينية.

إن التسريبات التي نُشرت تساعد على تعميق الانقسام الداخلي الفلسطيني ولا تساعد على وحدة الهدف والآلية للوصول إليه بقدر ما ينهي القضية”.

لكنّ مصدر فلسطيني آخر، أشار إلى بعد إقليمي يسعى للإمساك بالورقة الفلسطينية من خلال تعميق الانقسام بين أطراف الصف الواحد، وتحويلها إلى أداة يستخدمها في معارك النفوذ في منطقة الشرق الأوسط لبسط سيطرته على الموضوع الفلسطيني، وهذا ما نراه في كيانات المنطقة.

من خلال هذه القراءات يمكن القول، إنّ فتح ملف التحقيق بوفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات وبالطريقة المستخدمة يؤذي القضية الفلسطينية ويضعها على مشرحة النفوذ الإقليمية وعلى حساب مستقبل الشعب الفلسطيني.


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , ,