زخم الاشتباك يشعل الضفة المحتلة.. قراءة في أحداث الساعة

التصنيفات : |
نوفمبر 23, 2022 10:09 ص

*أحمد الطناني – غزة:

منذ ساعات مساء أمس الثلاثاء، لم تتوقف الأحداث المتتالية الساخنة والنوعية على صعيد ميدان الفعل المقاوم في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبشكل خاص في الضفة الغربية والقدس، حيث أعادت الأحداث زخم الاشتباك بعد فترة من الفتور والتراجع نتيجة الضربات الأمنية المتتالية التي نفّذتها قوات الاحتلال مستهدفةً تشكيلات المقاومة في جنين ونابلس، وعمليات الإحباط المستمرة لـ”خلايا تنوي تنفيذ عمليات” في الضفة أو القدس.

حيث كان تسلسل الأحداث على الشكل التالي:

  • اختطاف جثة شاب درزي من مستشفى ابن سينا في جنين من قِبل المقاومين، حيث يطالبون بتسليم جثامين الشهداء مقابل تسليم جثة الدرزي حامل الجنسية الإسرائيلية والذي توفي في حادث طرق قرب جنين.
  • اشتباكات متواصلة على مدار 4 ساعات في محيط قبر يوسف ومدخل مخيّم بلاطة بمدينة نابلس، استخدم فيها المقاومون كثافة نارية كبيرة ومن أكثر من محور إضافة لعدد كبير جداً من العبوات محلية الصنع، حيث بيّن الاشتباك معطييْن أساسيين: الأول، أنّ بنية المقاومة في نابلس ما زالت متماسكة، والثاني، أنّ هناك تنسيق كبير جداً بين مجموعات المقاومة المختلفة وبشكل أساسي “عرين الأسود” و”كتيبة بلاطة”، إضافة لاستخلاص العِبر والدروس من المواجهات السابقة من الناحية العملياتية والأمنية.
  • وصولاً لصباح اليوم، حيث وقعت عمليتا تفجير عبوات، عن بُعد، في محطة حافلات غربي مدينة القدس المحتلة، أدتا حتى الآن إلى إجلاء 22 إصابة، منها إصابتان “ميؤوس منها” إضافة لقتيل واحد، في تطور نوعي لم تشهده الأراضي المحتلة منذ سنوات طويلة.

تُمثّل أحداث ليلة أمس وصباح اليوم تطورات مفصلية ومحورية في إعادة زخم الاشتباك وترميم الروح المعنوية لأبناء شعبنا الفلسطيني بعد عمليات الاغتيال والاستهداف المركزة من قِبل جيش الاحتلال لرموز المجموعات المقاومة في جنين ورام الله، وإحباط العديد من العمليات السابقة.

بصمات الجبهة الشعبية

تُذكّرنا العمليات بنمط استخدمته الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بداية انتفاضة الأقصى قبل استشهاد أمينها العام أبو علي مصطفى بعمليات التفجير عن بعد، اتّهم حينها الاحتلال الشهيد أبو علي مصطفى بالإشراف المباشر على العمليات.

تأخذنا العملية أيضاً بوضوح لاستذكار عملية عين بوبين في العام 2018 وتفجير العبوة الناسفة عن بعد من قِبل خلية تابعة للجبهة الشعبية، وصولاً لانفجار السيارة المفخخة قبل يومين قرب موقع دوتان العسكري قرب جنين والتي ادعى الاحتلال وجود علم الجبهة الشعبية قرب السيارة التي كانت مُعدة للانفجار عن بُعد.

اللافت أيضاً أنّ العمليات التفجيرية في القدس جاءت بعد مرور شهر بالتمام والكمال على استشهاد القيادي في مجموعة “عرين الأسود” تامر الكيلاني

اللافت أيضاً أنّ العمليات التفجيرية في القدس جاءت بعد مرور شهر بالتمام والكمال على استشهاد القيادي في مجموعة “عرين الأسود” تامر الكيلاني (قضى ثماني سنوات في الأسر بتهمة انتمائه للذراع العسكري للجبهة الشعبية) والذي ارتقى في الـ23 من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي بعبوة وضُعت داخل دراجة نارية فُجرت عن بُعد، واليوم في الـ23 من تشرين الثاني/ نوفمبر الحالي تُفجر المقاومة عبوة وُضعت داخل دراجة في محطة حافلات بالقدس، إضافة لعبوة ثانية في محطة أخرى.

خلاصة، تمثّل العمليات قفزة مهمة في تسلسل الأحداث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وستضع كل المشهد أمام اعتبارات جديدة، تثبت أولاً فشل السياسة الأمنية المتبعة حالياً ضمن عملية “كاسر الأمواج” وعمليات “جز العشب” المكثفة ضد “خلايا مُفترضة” تخطط لتنفيذ عمليات، أو حتى عمليات الاغتيال التي استهدفت قادة المقاومة في الضفة المحتلة، بل إنّ هذه الضربات ساهمت في تعزيز البنية الأمنية لمجموعات المقاومة وتصليب عودها، إضافة لمراكمة الخبرة من عملية المطاردة الساخنة مع الاحتلال على مدار أكثر من عام.

تعكس عمليات التفجير عن بُعد في القدس المحتلة عملاً منظماً لخلية متمرسة تمكنت من استعادة القدرة على تصنيع عبوات ناسفة، وتفجيرها عن بُعد عبر موقِّت أو أداة تفجير عن بعد، وهو ما يؤكد أنّ الحدث لن يكون الأخير في حال فشل الاحتلال وأجهزته الأمنية في تتبع الخيوط التي توصله إلى المنفّذين.

على صعيد الاحتلال، يضع تسلسل الأحداث الحكومة اليمينية ورئيسها المُكلّف “بنيامين نتنياهو” أمام استحقاقات صعبة في ضوء تعثّر تشكيل الائتلاف الحكومي وهو ما قد يساهم في تفجير الساحة المشتعلة بشكل أكبر

يمثّل إصرار المقاومين في جنين على احتجاز جثة الشاب “الذي يحمل الجنسية الإسرائيلية” والتمسك بمطلب مبادلته بجثامين الشهداء، قد يضع جيش الاحتلال أمام اعتبار ضرورة تنفيذ عملية خاصة لاستعادة الجثة، خصوصاً وسط ضغط الطائفة الدرزية التي انخرطت بغالبيتها في المجتمع “الإسرائيلي” وعمل الكثير من شبابها في وحدات جيش الاحتلال وقواته الخاصة، وهو ما يشكّل عامل ضغط يدفع للتعامل السريع مع الحدث، وإن كان الاحتلال يفضل حل هذه الأزمة عبر الأجهزة الأمنية للسلطة بشكل سلمي تجنباً للمزيد من الاحتكاك الساخن.

على صعيد الاحتلال، يضع تسلسل الأحداث الحكومة اليمينية ورئيسها المُكلّف “بنيامين نتنياهو” أمام استحقاقات صعبة في ضوء تعثّر تشكيل الائتلاف الحكومي ومطالبة قادة الصهيونية الدينية “المتطرفين” بوزارتي الجيش والأمن الداخلي، وهو ما قد يساهم في تفجير الساحة المشتعلة بشكل أكبر، أو خيار الرفض والمناورة واستمرار تعطّل تشكيل الحكومة في ظل أحداث أمنية متتابعة وساخنة.

تحمل الساعات والأيام القادمة تطورات مهمة تنقل مستوى المواجهة والاشتباك في الأراضي المحتلة وبشكل خاص الضفة الغربية والقدس إلى مستويات جديدة، لن تقف آثارها على حدود الضفة الغربية فقط، بل قد تمتد إلى خارجها، خصوصاً مع تهديدات الاحتلال السابقة باستهداف قادة المقاومة في قطاع غزة أو في أماكن إقامتها الأخرى، إضافة للتلويح المستمر بعمليات عسكرية كبيرة في معاقل المقاومة وبشكل خاص جنين ونابلس، وهو ما سيضع قوى المقاومة وبشكل خاص داخل قطاع غزة أمام لحظات فارقة قد تقرر فيها التأكيد على وحدة الساحات، وأنّ “سيف القدس” ما زال مشرّعا.

*كاتب فلسطيني


وسوم :
, , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , , ,